المصالحة الوطنية مهمة ويجب ان لا نهملها…من يقوم بها!!

المصالحة الوطنية مهمة ويجب ان لا نهملها…من يقوم بها!!

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

المصالحة الوطنية مهمة جدا بالنسبة لليبيين وتعتبر عنصرا حاسما في الانتقال الي الديمقراطية الكاملة والحرية في ليبيا. كذلك هي الدفع النهائي المتمثل في بناء السلام والتسامح والثقة بين الليبيين والليبيات. اينما توجد المصالحة، تتواجد الثقة والرحمة والعدالة والسلام والعيش في امان لكل افراد الوطن الليبي الواحد. المصالحة تعتمد علي تجميع الناس مع بعض وتمكينهم من النمو والتطور والرقي خارج الماضي البغيض والذي فرقهم وحاول تفريق شملهم علي اساس عرقي او قبلي او جهوى او عائلي. المصالحة تهدف الي خلق علاقات طبيعية وسلمية مبنية علي الثقة والتعايش مع بعض من اجل وحدة ليبيا وامنها واستقرارها. الاعتراف بالخطاء مطلوب وطلب الصفح مهم جدا وكمرتكز لبناء اسس الديمقراطية وقابلية الحياة المشروعة والمكفولة لكل فرد ليبي.

المصالحة الوطنية تحتاج الي وقت طويل ولا يمكن ان تتم في اشهر وتحتاج الي سنوات وبعض الاحيان الي عقود وقرون حتي تتعافي جميع طبقات المجتمع. لإنجاحها يجب ان تكون هنالك رؤية واضحة وبدراسة جيدة لكل اسباب الصراع والخلاف والتي ادت الي هذا الجفاء بين اطياف المجتمع والبلد الواحد. البداية تكون بتأسيس هيئة وطنية وتنبثق منها لجان مختلفة كل حسب تخصصه وله هدف واحد هو ايجاد حلول لذلك الاختلاف. هذه اللجان تكون كالاتي:

1-      لجنة انتهاكات حقوق الإنسان ( تتكون بكل مسجد ومن اعيان تللك المنطقة علي ان تمتد الي المناطق المجاورة للمشاورة)

2-      لجنة استعادة كرامة الضحايا، وصياغة مقترحات للمساعدة في إعادة التأهيل( علي مستوي البلديات)

3-      لجنة العفو والنظر في الطلبات المقدمة من الأفراد الذين تقدموا بطلبات للعفو وفقا لأحكام القانون( علي مستوي طرابلس وبنغازي وسبها)

الهيئة الوطنية يمكنها عمل ورش عمل وعمليات حوار بين الأطراف والمجموعات والقبائل المتنازعة  للوصول الي صيغة توافقية قبل تحويلها الي لجان العمل. كل هذا سيساعد علي بناء الثقة والإحساس بالمغفرة ويمكن ان تؤدي الي تغيرات جدرية وعلي نطاق واسع مما يسهل عملية المصالحة وعمل اللجان. كل هذا يهدف الي اعادة الثقة وبناء السلام علي المستوي القاعدي حتي يشعر المظلوم بأنه علي حق وتعاد عملية بناء الثقة والتعاون مع الأعداء السابقين. كل هذ سيعزز مبدا المصالحة ويساهم في تحقيقها علي المدي الطويل. من المهام الصعبة لهذه الهيئة الوطنية ولجانها  هو اعادة بناء هذا المجتمع بعد فترة 42 سنة من الكبت وهدر الكرامة والعنف السياسي واهدار المال العام. لقد تكبد الليبيين والليبيات خسائر كبيرة خلال  حقبة حكم القذافي واهمها الفقر ومحاولة تخريبه للهيكلية الاجتماعية للأسرة الليبية وبت النزعات القبلية وتسليط قبيلة علي اخري وتهميش طوائف ومحاولة طمسه لتاريخ ليبيا  وتمجيد شخصه فقط.

لقد اعتمد النظام السابق اسس قمعية من خلال الاستخدام المنهجي للقوة العسكرية ولجانه الثورية وبعض افراد قبيلته. لقد استغل ثروات ليبيا من اجل قمع واهدار كرامة الليبيين والليبيات واصبحت كرامة الناس مهانة في كل ساعة موجود فيها الطاغية علي دفة الحكم. لقد انتهك كرامة كل الليبيين وجعل من حوله بطانة شر لا تخاف الله وتطبق كل ما يحبه القذافي واخيرا ما يريده اولاده. لقد جوع الليبيين والليبيات وشردهم واهدر اموال ليبيا هو واسرته ومن اتباعه. هذا لا يمكن ان يتغير في يوم وليلة ولكن المصالحة مهمة ويجب ان تبدا وعلي اسس. ليس من حق المستشار مصطفي عبدالجليل ان يفوض ألصلابي او اي واحد اخر بالتحدث عن المصالحة مع ازلام النظام. المصالحة يجب ان تتم بين ابناء الوطن والمناطق اولا والذين مشردين داخل ليبيا. هذا اهم من ازلام النظام حيث هؤلاء لديهم اموال وهم يعيشون في بحبوحة ومن هم مشردين داخل ليبيا يعيشون علي المساعدات وفي ظروف صعبة جدا. لا يجوز ان يذهب الصلابي ويتحدث باسم الليبيين والليبيات عن المصالحة مع اعوان النظام المقبور. لا يحمل اي صفة شرعية وحتي المجلس الانتقالي المؤقت متوافق عليه ولا يحمل الشرعية التامة. مشروع المصالحة مشروع وطني ويجب ان يخطط له مع دوي الخبرة وخاصة الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والعالمية

مع احترامنا للأخ علي الصلابي وعلمه الديني، لا يحق له واذا كان شخص واعي ودو نظرة مستقبلية، كان من المفروض رفض هذا حتي وان طلب منه هذا وخاصة في غياب برامج وطنية للمصالحة. هذا سيجعله يفقد مصداقيته وخاصة بعد ان فقدها كثيرا بتهجمه علي اعضاء المكتب التنفيذي والانتقالي. لا بأس في ان يكون من ضمن الهيئة الوطنية للمصالحة والتي من المفروض ان يصدر بها قرار ويختار لها ناس من الحكماء واهل الخير ورجالات الدين والسياسيين المحنكين وبأشراف هيئات دولية ومحلية من مؤسسات المجتمع المدني. تدخل الصلابي ومن معه يدل علي اطماع اخري واجندات اخري وانا اعتبره غباء عندما تقحم نفسك في شيء وليس لديك الشرعية التامة او مخول من الحكومة. هذا ستجني من ورائه مشاكل كبيرة وخاصة فقدان المصداقية وكراهية الناس لك رغم انه عالم دين ممتاز.

لقد لجأت الدولة الليبية السابقة ايام الثورة وقبل الثورة وبشكل متزايد إلى أساليب الإرهاب والعنف من أجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية والقبلية علي المجتمع الليبي. على الرغم من كل هذه الأساليب القمعية، صعدت المعارضة السياسية ضده الي ان جاء الربيع العربي ووصل ليبيا وتخلصنا من الطاغية وزبانيته. هذه التصرفات جعلت معظم اطياف الشعب الليبي تنقم علي مؤيدي القذافي وهم الأن معزولين او مطرودين من مساكنهم او فارين الي دول اخري وكثيرا منهم في السجون دون محاكمات وليسوا تحت  سيطرة وزارة الداخلية او العدل. غياب القانون سيربك عملية المصالحة وبعون الله ومع انتخاب المؤتمر الوطني والذي يجب ان يشكل حكومة قوية وبقيادة قوية قادرة على اتخاد قرارات شجاعة من شأنها ضمان نجاح عملية المصالحة.

العدالة الانتقالية

التصور العام هو أنه ينبغي النظر ، بان عملية العدالة الانتقالية  تكون كأداة فعالة والتي تحًمل الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة، فضلا عن المسؤولين الذين قد يكونوا مسؤولين مسؤولية تامة عن مظالم وانتهاكات حقوق الإنسان خلال وجودهم في مناصب قيادية وتنفيذية. الهدف الرئيسي للعدالة الانتقالية المقترحة ،هو البحث عن المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتي لها تأثير على الفرد والمجتمع والمستويات الوطنية.  هنالك عدة اسباب قد سببت ضررا مباشرا او غير مباشر للأفراد او الطبقات او الجماعات،  وتكون قد ساهمت في خلق مناخ من الكراهية والقمع أو إلى التهرب من قبل صناع القرار في اتخاذ الخطوات المناسبة لمنع حدوث العنف المباشر.  يجب جلب مرتكبي أسوأ الانتهاكات إلى العدالة واذا تمت المغفرة والصفح، لا بد من القيام به علنا ​​كجزء من الحقيقة الشفافة، وهي جزء مهم من عملية المصالحة. هناك وجهات نظر مختلفة بشأن ما إذا كانت مثل هذه العمليات من العدالة  والتي ينبغي أن يشمل آليات العدالة الجزائية أو التصالحية. الاعتراف والغفران والإصلاحات المؤسسية تكون طريق اخر لإنجاح عملية المصالحة الوطنية بليبيا والانتقال بالعدالة الوطنية الي حيز التطبيق. هناك ما يبرر هذه العملية على أساس أن لا سلام بدون عدالة غير مستدامة، تماما كما انه لا توجد عدالة بدون سلام دائم . هذا لا يزال بعيد المنال نظرا للظروف الحالية بليبيا ولكن يمكن تحقيقه اذا وجد برنامج وطني للإصلاح وليس بتدخل بعض الأفراد او الجماعات والغير مرغوب فيها.

الظروف اللازمة لتحقيق المصالحة الوطنية بليبيا ولكي تكون ناجحة ومثمرة ولتضميد الجراح. لتحقق الأهداف المنشودة للمصالحة الوطنية ولتوحيد الصف وكسر الفرقة الاجتماعية والسياسية، هنالك عوامل معينة يجب تطبيقها ودراستها وهي:

1-      التشريعي الإصلاحي وهذا يتم من خلال الاستماع لكل من لديه شكوى او تظلم من الليبيين والليبيات

2-       تعهد الساسة بتطبيق وتتبع عملية المصالحة حتي لا تحدث ردت فعل

3-      وجود العدالة التصالحية ومن خلال اصلاح الضرر علي المجني عليه

4-      اشراك منظمات المجتمع المدني  حتي يتسنى لكل افراد المجتمع المتضررين طرح قضيتهم من خلال هذه المؤسسات

5-       بناء توافق في الآراء بين الهيئة واللجان المشكلة للمصالحة ومن يعارضون المصالحة

6-      إظهار الحقيقة كاملة وبكل شفافية للناس عامة ومن خلال الأعلام والمساجد والنوادي الرياضية

7-      توعية وتعليم الشعب الليبي لتضميد الجراح و تطبيق مبدا المصالحة الوطنية

8-       البحث عن اسس الصدمة والحزن للشعب الليبي من خلال برامج بحثية تقوم بها الهيئة ووضع حلول لها

9-       معالجة اسباب الصدمة والحزن جراء سنوات الظلم

10-    ايجاد برامج خاصة داخل المجتمع للمعالجة واستعمال القيادات الاجتماعية للأشراف علي هذه البرامج المدروسة وتحت اشراف هيئة المصالحة الوطنية.

11-   يجب الاستعانة بالخبرات الدولية والهيئات والمؤسسات العالمية ومن لها خبرات في المصالحات الوطنية (جنوب افريقيا)

12-   يجب ان يكون هنالك تمويل وميزانية خاصة لهذا المشروع حتي ينجح

الخلاصة

موضوع المصالحة الوطنية مهم جدا للإنجاح هذه الثورة والبداء في ارساء الديمقراطية بليبيا. وهذا لن يتم بتوكيل الصلابي او شخص اخر للقيام به. هذا مشروع وطني ويجب ان يدرس وتشكل له هيئة محلية والاستعانة بخبرات دولية وتكون لها حرية التصرف والدمة المالية المستقلة. لا يمكن ان تتم المصالحة في شهر او اشهر وتحتاج الى سنوات. نحن لنا ديننا الإسلامي وكل الليبيين والليبيات مسلمون ووسطيون ومتسامحون وتربطهم ببعضهم روابط اجتماعية وتصاهريه وعائلية وقبلية. هذا كله سيسهل من عملية المصالحة ولن تكون هنالك صعوبات اذا ما قمنا به علي الوجه الصحيح دون تدخل افراد او مجموعات دينية لها اجندته الخاصة. لا نتركه لشيوخ القبائل ولا نتركه لمجموعات معينة ولا نتركه لفئات لها مطامع سياسية او مدعومة من دول اخري تريد زعزعت امن واستقرار ليبيا. كذلك لا نتركه لمن يريدون ان يفرضوا انفسهم بالقوة وبحجة انهم الأقوى في ليبيا وهذا سيربك عملية المصالحة ويجعلها لن تتم حسب ما هو مخطط لها. الليبيون والليبيات لحمة واحدة ولن يفرقهم احد وهم متسامحون وخاصة مع ابناء شعبهم. وفي النهاية ليبيا ستكون دولة قانون وعدالة وأمن واستقرار ولا ندع أي احد يتطاول علي القانون ويحاول زعزعت امن واستقرار دولة القانون الليبية الحرة.

ليبيا ستبقي حرة ودولة واحدة وشعب واحد وكلنا نعيش بسلام ونغفر للخطي اذا اعترف بخطائه وطلب الصفح امام الناس.

د ناجى جمعه بركات

وزير الصحة- سابقا ،المكتب التنفيذي ،المجلس الوطني الانتقالي – ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً