الوفاق الوفاق والإتفاق

الوفاق الوفاق والإتفاق

سنة كاملة تقريبا من المفاوضات والأخذ والرد وتغيير المفاوضين والأماكن والإعلانات المتضاربة في كثير من الأحيان والرحلات المكوكية بين المدن والبلدان من أجل حقن دماء الليبيين ووقف العبث الذي يمارس منذ أربع سنين. لاشك أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وأن الرياح قد تأتي بما لا يشتهي السفنُ ولكن رياح عدم قبول الإتفاق من أي طرف معناه المزيد من الضياع والدم والفوضى والسير إلى المجهول إلى زمن غير معلوم؟؟؟

إن القبول بالإتفاق هو طريق الكف عما يحدث من تدمير وقتل ونحوها، وإن لم يكن الإتفاق بالقصور الذي فيه حلاً لما نحن فيه فما هو الحل يا ترى ؟ فبعد التجارب المريرة التي تجرعناها نتيجة تقديم المصلحة الخاصة والعامة عن الوطن والتعنت بأنواعه …. هل هناك حل غير الوفاق والإتفاق، أم أن المزايا التي يتمتع بها أعضاء المؤتمر والبرلمان ألهتهم عن الحل الجدري لقضايا الصراع الرئيسية ؟؟؟ أليس من العقل أن يقبل المؤتمر والبرلمان بالإتفاق لعله يكون نواةً لبناء دولتنا وتخليصنا مما نحن فيه، فليس هناك شئٌ موافقا وكاملا لما يتمناه المرء ويرغبه فلابد لأي فكرة أو مشروع من توفر الحد الأدنى للنجاح ثم يتم بناء وتطوير الحد الأدنى إلى أن يصل لما يتمناه المرء. يا أهل المؤتمر والبرلمان: إن التوافق هو الإقتناع الذاتي بضرورة تقريب وجهات النظر وتضييق نقاط الإختلاف بين المتحاورين وأنه الطريق الأمثل لحل الخلافات والمشاكل عوضا عن الإستمرار في مسلسل القتل والإختطاف ونهب المال العام وسيطرة المليشيات المسلحة وتقلص نفوذ الدولة وقدرتها. إن من لا يريد التوقيع على الإتفاق إلا بشروطه المحددة التي يرتضيها لنفسه ويصر على ذلك ولا يولي اهتماما  للطرف المقابل المفاوض له هو حتما مخطئٌ ويعمل على هدم الإتفاق وهو حتما يقود البلاد إلى أسوء مما هي فيه عن طريق النظرة بعين ترى جانبا واحدا فقط من المشهد وأن هذا التعنت لا يعدوا أن يكون في غير موضعه.

ألا يرى أصحاب الحوار في ليبيا أن التعنت يقود إلى الحرب وإلى التناحر وإلى دعم سيطرة المليشيات وتبديد الثروات وربما إلى الإنقسام وفي المقابل إن الإتفاق ولو بعد حين يقود إلى التقارب والبناء على أسس سليمة وليس كما يريد أحد الطرفين كما أن عامل الإلتزام بالتوافق والعمل على تطبيقه والتعاون وإخلاص النوايا عامل مهم في ترسيخه على أرض الواقع فلا يكفي التوقيع على الإتفاق دون دعمه ورسم خطوات تنفيذه العملية. إن الإنتقال من الجانب النظري من التوقيع على الإتفاق إلى الجانب التطبيقي هو المحك الحقيقي الذي قد يكشف مدى ملائمته لأرض الواقع والذي قد يتطلب تغيير بعضا من فقراته للصالح العام للإتفاق والجمع بين المرونة والحزم في التطبيق.

إن عدم أخذ الأمر بجدية والتهاون في التصديق على ما تُوصل إليه من إتفاق أو عدم الرضى به والزج بالمصالح القزمية من الطرفين هو استمرار للنزاع والفراغ السياسي وللفشل والتدهور الذي مُنينا به في جميع الميادين وطريق للزج بليبيا في نفق أكثر ظلمةً قد لا تؤمن خاتمته وحينها فلا تلومُن إلا أنفسكم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

نوري الرزيقي

كاتب ليبي

اترك تعليقاً