الوقود.. أزمة ليبية وإجراءات دولية

الوقود.. أزمة ليبية وإجراءات دولية

المهدي هندي

كاتب وباحث ليبي

أكد خبراء البنك الدولي في تقرير مؤخراً أن خسائر ليبيا من تهريب الوقود إلى تونس مايعادل 500 مليون دولار سنوياً وهو ما يعادل 17% من ميزانية الدولة، وتعتبر تجارة الوقود من أهم الأنشطة غير الشرعية في المنطقة الحدودية بين ليبيا وتونس، الأمر الذي سبب في نقص البنزين بين الحين والأخر.

ومنذ 8 سنوات وأحداث ثورة 17 من فبراير وخلال فترات متقطعة طفت مشكلة نقص البنزين وغاز الطهي على السطح في ليبيا، فانتشرت طوابير السيارات على محطات البنزين بشكل مربك أو مخيف لدرجة أنه من الممكن أن تبقى في المحطة لأكثر من يوم لتعبئة سيارتك بالوقود، في بلد يعتبر من أهم الدول المصدرة للبترول في العالم حيث صنفت ليبيا ثالث أكبر منتج للنفط في أفريقيا، ولكن بعد الثورة عادت الأمور إلى مجاريها، فأختفت مشكلة العجز في البنزين ولكن وبسبب سياسة الحكومات المتعاقبة عمت الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات المسلحة أحياناً في مناطق متفرقة من البلاد، ولأن المحتجين والذين اختلفت انتماءاتهم ومشاربهم وأهدافهم سواءاً أكانت سياسية أم مالية وحتى من حرس المنشآت النفطية أنفسهم، يدركون أهمية النفط لأنه الدخل الرئيسي للدولة، فحاولوا الاحتجاج في أهم المنشآت النفطية وأوقفوا العمل بها حتى يرغموا الدولة على تلبية مطالبهم، في حين اندلعت الحروب والمواجهات فعلاً في بعض المرافق النفطية الأخرى لعل أهمها وآخرها كان هجوم قوات (ابراهيم الجضران) الأمر السابق لحرس المنشآت النفطية على منطقة الهلال النفطي المسيطر عليه من قوات تابعة للجيش الليبي في المنطقة الشرقية.

تمتلك ليبيا 3 مصافي أساسية لتكرير النفط وهي مصفاة الزاوية في الغرب ومصفاة البريقة ومصفاة الحريقة في المنطقة الشرقية، وتعتبر مصفاة الزاوية أكبر منتج للبنزين في ليبيا، وبحسب تقارير شركة البريقة لتسويق النفط المسوق الرئيسي والوحيد للنفط والغاز في ليبيا فأن المصفاة تنتج حوالي 80 ألف لتر مكعب من البنزين شهرياً تضخها إلى كل ربوع ليبيا أضافة اإلى ذلك تستورد الشركة أربع بواخر شهرياً من إيطاليا تضخ حوالي 135 ألف لتر بنزين لتغطية العجز.

أيضاً تجدر الإشارة إلى أنه لدينا في ليبيا 4 شركات لتوزيع الوقود هي: شركة الراحلة، شركة الشرارة، شركة أويل ليبيا بالإضافة إلى شركة خدمات الطرق السريعة وعلى سبيل المثال فإن شركة خدمات الطرق السريعة تستلم 65 ألف لتر بنزين شهرياً من شركة البريقة التي توزعها على 73 محطة في جميع مدن ليبيا، بحسب مسئولين من الشركة.

حاولت الحكومات المتعاقبة السيطرة على موضوع تجارة وتهريب الوقود في السوق السوداء ولعل آخرها حكومة الوفاق الوطني التي سعت بشكل بطيء ربما في موضوع تهريب الوقود وأزمة الوقود وخصوصاً في الجنوب الليبي الذي كان المتضرر الأكبر من الأزمة، حيث قامت حكومة الوفاق بإنشاء وتمكين لجنة أزمة الوقود والغاز، أيضا”ً طالبت المؤسسة الوطنية للنفط البعثة البحرية للاتحاد الأوروبي بالتصدي للمهربين واحتجاز سفنهم، وقامت بتقديم اسماء مهربين للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الذي بالفعل أصدر قرار بفرض عقوبات على شخصيات ليبية وأجنبية ذات صلة، ولكن كل ذلك لم يحل عن ظهور الأزمة أحياناً.

أما في الشارع فلسان حال المواطن “أن الدولة هي المسؤول الأول عن هذه المشكلة وأن من واجب المسؤولين عن هذا القطاع عند حدوث أي خلل أو عرقلة التحدث للناس وتطمينهم بأنهم قادرين على تغطية العجز”، لأن المخيلة لمعظم الناس لا زالت تستحضر المعاناة الكبيرة والمريرة التي مروا بها إبان انتفاضة فبراير والطوابير الطويلة التي كانت تظل لأيام وأيام على المحطات.

وخلاصة القول نحن ندرك مدى التداعيات التي أفرزتها الثورة وأهمية قطاع الطاقة عموماً والوقود والغاز خصوصاً بالنسبة لحياة المواطن الاعتيادية، ولكننا أيضاً نحمل المسؤولية إلى ضعف الأداء الحكومي، التي يتحتم عليها اتخاذ الإجراءات العاجلة لتلافي القصور الناجم في حال حصلت الاحتجاجات والانقطاعات وأن تكون دائماً مستعدة لتغطية العجز بخطط بديلة معدة مسبقاً وبسلاسة كبيرة حتى تبدد مخاوف الناس وتلبي حاجاتهم، أيضاً يجب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية للدولة والتي من أهمها رفع الدعم عن الوقود والمحروقات واستبدالها بالدعم النقدي ومحاربة المهربين والمفسدين من قطاع الطرق واللصوص.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المهدي هندي

كاتب وباحث ليبي

اترك تعليقاً