حكومة النفاق وبعثة الوفاق

حكومة النفاق وبعثة الوفاق

المهدي هندي

كاتب وباحث ليبي

أسباب كثيرة جعلت من مهمة حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي شبه مستحيلة للعبور بالبلاد الى بر الدولة المستقرة، فها نحن اليوم نشاهد حلقة جديدة من حلقات الاقتتال والتنازع في العاصمة طرابلس، حلقة كانت قادمة لامحالة حتى وان كانت مؤجلة الى حينها حتى تحظى بالأعداد الجيد وتتوفر لها التجهيزات والحشد والزخم المطلوب، نظرا” لسياسات فاشلة لحكومة أطلق عليها أسم “الوفاق”وكان من الأنسب تسميتها حكومة “النفاق” وذلك لأنها لم تجد الوفاق حتى في مجلسها الرئاسي الذي ولد معاقا” ناقص الأطراف منذ أول خطوة ! فكيف ستجلب الوفاق ؟ لدولة تعاني أنقسامات ليست قبلية وجهوية ومناطقية فحسب بل حتي بين أبناء الجهة الواحدة أوحتى المنطقة أو المدينة الواحدة حكومة أبصرت النور في ظل أستقطاب سياسي بين أجسام بائدة مهترئة جاء المجتمع الدولي ممثلا” في البعثة الأممية أو “بعثة الوفاق” لينفخ الروح فيها بعد أن أصبحت رميم.

جاءت حكومة الوفاق لتوحد المؤسسات فلم تستطيع توحيد المؤسسات !! وفي مقدمتها وأبرزها المصرف المركزي جاءت لرئب الصدع بين الليبين وهاهم الليبيون يتقاتلون في العاصمة والقذائف والصواريخ تحصد كل يوم وعلى مرئى ومسمع العالم أرواح الأطفال و المدنيين الأبرياء!! جاءت بترتيبات أمنية لبسط الأمن في العاصمة وحل كل التشكيلات المسلحة وهاهي المليشات تتقاتل في العاصمة مقرحكومة الوفاق نفسها وعلى بعد امتار عنها!! جاءت لحل مشكلة المواطن البسيط وتوفير أحتيجاته الأساسية والقضاء على أرتفاع الأسعار فشاهدنا جميعا” الأرتفاع في الأسعار غير المعقول حتى في الخبز والدقيق الطعام الأساسي لغالبية الليبين ناهيك عن المناظر المؤسفة للطوابير الطويلة على المصارف ومحطات البنزين حكومة لم تستطع حتى حل مشكلة القمامة فشاهدنا بين الفينة والأخرى التكدس الرهيب للقمامة في الشوارع والطرقات والتي تحيط بمقر حكومة السراج نفسها جاءت الحكومة لتمثل كل الليبين لكنها لم تكن سوى بروبا جاندا رخيصة وعلى أرض الواقع تقطعت أوصال البلاد في الشرق والغرب و ترك الجنوب مسكينا” ضائعا” بين السلب والنهب والحرابة والخطف وقوات غازية تمزقه و تعيد رسم خارطته الديموغرافية بشكلا” سافرا” بدون وجود لحراسة حقيقة فعلية تأمن وتحمي الحدود من حكومة “النفاق”  جاءت الحكومة لفترة أنتقالية قد تكون فيها تسيرية مع كافة الصلاحيات لمدة عام واحد أو عامين في أسؤا الأحوال حتى تقود وتهيء الى أجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ولم تفلح حتى هنا وشاهدنا كيف جثمت على صدور الليبين ثلات أعوام كاملة من غير وجه حق الا لأشباع رغبات “الأنا” السياسية والمادية لأعضاء المجلس الرئاسي ورئيس.

راهن المجتمع الدولي والبعثة الدولية للدعم في ليبيا أو بعثة الوفاق على حكومة النفاق وعلى رئيسها فائز السراج تحديداً باعتبارها هي الحل الامثل للعبور بالبلاد من نفق الأزمة ولكنهم لم يضعوا الخطط البدائل المناسبة في حال عدم النجاح وأنسداد الأفق فقد غفلت البعثة الأممية! أوتغافلت على مشكلة أيدولوجية أوسيكولجية ربما في ذهن السياسي الليبى عامة أن جازت لنا تسميتهم بالسياسين لأن التجربة اثبتت لنا بأنهم هواة نفعيين أنتهازيين أقرب الى “الصيع” أحياناً من كونهم سياسيين وممثلين عن الشعب (والأدلة والشواهد كثيرة على ذلك), هذه المشكلة هي مشكلة عدم الأعتراف بالفشل وعدم القدرة على تحمل المسئولية التي كلفوا بها وأعطاء الفرصة وأفساح المجال لغيرهم لربما أستطاعوا أنجاز مالم يستطيعوا هم أنجازه , وماهي الأليات لتقييم مدى نجاحهم وفاعليتهم والأطر القانونية المنبثقة من رحم الأتفاق السياسي نفسه أيضا” غفلت البعثة أو لربما أهملت الجدول الزمني المقرر أساسا” في هذا الأتفاق السياسي لعمر هذه الحكومة والبرلمان ومجلس الدولة المنتهين الصلاحية سيئيين السمعة وأيضا” لم تقدر البعثة الخطر و مدى الضررالذي سيلحق بالمواطن في حال أهملت التقيد والآلتزام بالفترة والمدد المحددة لهذه الحكومة والأجسام المصاحبة لها التي بالفعل كانت جحيم ووبال على المواطن.

من ناحية أخرى راهنت البعثة الأممية على المليشيات المسلحة التي ستسبح بحمد الحكومة أو التي ستقوم بحمايتها وعلى ما أسمته أوما حلمت بتسميته “بالترتيبات الأمنية”! ولكن كالعادة كان الرهان خاسرا”, والحلم أنقلب الى كابوس واقع, فلم نلمس أونرى على أرض الواقع أي خطة ولاحتي خطوة في هذا الأتجاه من جانب الحكومة وراينا كيف أن الأمور سارت على العكس تماما” فقد تغولت المليشيات المكلفة بالتامين وبسط السيطرة وكشرت على أنيابها وأصبحت سيفاً مسلطاً على عنق الحكومة نفسها وعلى ووزاراتها وفرضت مصالحها ورجالاتها على مؤسسات الدولة وجاء هذا بأعتراف رئيس البعثة مؤخراً السيد غسان سلامة, مليشيات أكلت وشربت على ظهرالسراج وحكومته ورائحة فسادها وأعتماداتها المشبوهة النتنة أزكمت الأنوف وذاع صيتها القبيح حتى وصل صداه أروقة الأمم المتحدة وممثلين الدول الكبار.

لم تكن الدول الأقليمية والدول ” الكبار” المرتبطة بالشأن الليبي بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية بمعزل عن غرفة العمليات الليبية , ومن دون شك أن الأختلاف في وجهات النظر والمصالح المشتركة وتقاطعها أحيانا” وتوازيها أحيانا” أخرى كان له عظيم الأثر في عدم وجود فهم وتصور للأزمة الليبية وطرق حلها وعلاجها , فشاهدنا كيف كانت أيطاليا تحاول لعب الشريك الأساسي والأكبر لليبين وكيف دخلت فرنسا بكل قوة على مسرح الأحداث وكان أجتماع باريس الذي لم ينتج عنه شيء الأ أجتماع القادة السمان وتصافح الأيادي واخذ الصور وتبادل الأبتسامات والكلام الرنان الذي لا يشبع بطن ليبي واحد غلبان ولا يشفي وجع إنسان, أختلاف الموقف الفرنسي الأيطالي في ليبيا بين طرف داعم للإنتخابات بدون التصويت على الدستور وطرف اخر يرى أن الدستور والتصويت عليه هو الضامن الأساسي لنجاح الأنتخابات وخروج البلاد من المرحلة الأنتقالية وبين مناكفات صبيانية لزبانية الطرفين في ليبيا وسجالات لاتسمن ولاتغني من جوع ووقوف الولايات المتحدة حتى وقت قريب موقف المتفرج من بعيد اللهم الأ بعض العمليات الجراحية هنا وهناك لبعض أسماء الجماعات الأرهابية المطاردين والمطلوبين من طرفهم هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى تخبط البعثة الأممية نفسها وجمودها لبعض الفترات كل تلك الظروف ساهمت في استمرار الفوضى السياسية في ليبيا وتدهور الأوضاع الأمنية والأقتصادية الا أن التغير في الموقف الأمريكي مؤخراً كانت مفاجأة غير متوقعة وصفعة في وجه عديد الأطراف بما فيها حاكم الأليزيه الشاب فقد أيد الرئيس المريكي ترامب بشكل علني وبكل صراحة ووضوح الموقف الأيطالي بأتجاه ليبيا وأن ايطاليا هي المعني الأول بحل المشكلة الليبية في زيارة رئيس الوزراء الأيطالي الأخيرة الى الولايات المتحدة, وقد أثبت السجل المميز لترامب بأنه يفعل ما يقول وعادة مايفي بألتزاماته, وبالتالي فأنه من المؤكد أن ترامب سيقف بكل قوة خلف موقفه وسيدعم غسان سلامة ونائبته الأمريكية ستيفاني ويليامز بعيون أيطالية وبمباركة فرنسية ولو في الخفاء, وبأن الأنتخابات التشريعية والرئاسية باتت أقرب من أي وقت مضى لكنها لن تكون فاعلة مالم يوجد ضمان دستوري يحظى بموافقة أغلبية الشعب ومالم تفرغ العاصمة طرابلس تماما” من كل التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون وتستبدل بأجهزة أمن وشرطة حقيقية وان يعاد تمركز وحدات الجيش خارج طرابلس , وأذا أستطاعت البعثة الأممية تحقيق ذلك عندها وعندها فقط ستكون بالفعل بعثة وفاق ومن دون ذلك كله فأن فتيل الحرب سيشتعل من جديد وستكون العواقب على كل الليبين أكثر سوءاً وبؤساً من أي وقت مضى.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المهدي هندي

كاتب وباحث ليبي

اترك تعليقاً