ايها الليبيون انقذوا بلدكم..تحاوروا فتصالحوا ثم تعاونوا

ايها الليبيون انقذوا بلدكم..تحاوروا فتصالحوا ثم تعاونوا

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

هذا المشهد الذي نجده يتكرر في بعض مناطق ليبيا بين حين وآخر حين توجه المدافع والراجمات والصواريخ الى اجساد ابناء الوطن الواحد وتوغل قتلا وتخريبا ودمارا اسودا,  أليست مظهرا من مظاهر التحدي الكبير الذي يجب الوقوف عنده ومحاولة  قراءته وتفسيره بتركيز واهتمام عميقين!؟..أليس جديرا الاهتمام بهذه الظواهر المتكررة وتحليلها ودراستها بكل تجرد وموضوعية بغية الوصول الى نتائج تفيدنا في إيجاد طرق للمعالجة الناجحة؟ طرق نستطيع بها المحافظة على زخم الثورة وتحفظ لنا دماء وأرواح شعبنا ثم تدفعنا إلى تضميد جراحنا ورتق نسيج لحمتنا الوطنية من خلال رؤية واقعية تضع مصلحة الشعب والوطن في قمة الاهتمام وبؤرة التركيز آخذين في الاعتبار تبعات الواقع الحالي من الانفلات الأمني وعجز الحكومات على فرض هيبتها وبسط الامن برغم مرور اكثر من ثلاث سنوات..

هل سألنا أنفسنا لماذا يحدث ذلك بعد مضي اكثر من ثلاث سنوات على رحيل القذافي!؟ بكل بساطة أن هشاشة الوضع الأمني والفوضى وعدم الاستقرار الناتجة عن غياب فعلي للجيش والشرطة على الأرض وراء ذلك كله ولا شك!!. أن يستمر تقاتل الإخوة فيما بينهم فتسفك الدماء وتزهق الأرواح يجعلنا نتساءل بمرارة وحزن!..هل هذه مخلَفات ثقافة عنف سابقة لدى الليبيين كانت مكبوتة بقوة الحاكم الجبار خلال العقود الماضية؟! أم هي ردود أفعال عكسية ترتبت عن حالة الفوضى وانعدام الأمن خلال هذه المرحلة المفصليَة؟! الإجابة ولعمري مركبة من الحالتين معا وهذه الحقيقة لكنها موجعة ومرَة! الحقيقة ان نرى الليبيين ينحدرون إلى هذا المستوى من العداوات والتفكك ! إلى حد التدافع التعصبي لخوض معارك أهلية تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة بدون هوادة!!

بعيون الواقع لا ينبغي ان نعامل كل الليبيين من منظور واحد وفي مرتبة واحدة من الوعي السياسي وهذا هو الخطأ الكبير الذي للأسف يقع فيه بعض ساسة المرحلة الآن! السياسي قد تتوفر لديه قناعة بأنه من اجل التغيير لابد من تضحيات بينما المواطن البسيط لا يهمه التغيير وقد لا يقبله حتى بأدنى تضحيات! وهنا نقطة الاختلاف وهذا ما حصل فعليا على الواقع في ليبيا خلال الثورة. هناك من تجشَم التغيير مقتنعا بالتضحيات.. وهناك من فضل الحياد لارفضا للتغيير ولا تمسكا بنظام القدافي ولكن طلبا للسلامة وبعدا عن المخاطر!.. وهناك من تمسك بنظام القذافي رافضا التغيير ومستعدا للتضحية. هكذا انقسم الليبيون إلى ثلاثة أقسام خلال الثورة ( مؤيد – محايد – ومعارض)  والمؤسف هو استمرار وتأكيد ذلك الانقسام حتى بعد انتهاء نظام القذافي من خلال جوقة الثوار والأزلام!..لا احد ينكر أن الشعب الليبي جميعه كان يتمنى التغيير, لكن فرق بين تمني التغيير وفعل التغيير!!. عامة الشعب يبنون مواقفهم على مدى ما يجنونه من التغيير مباشرة فان كان موجبا قبلوه وان كان سلبيا رفضوه.. عامة الشعب يستعجلون نتائج التغيير فان تأخرت يجترون الماضي ويقارنونه بالحاضر ثم يبنون مواقفهم وفقا لرؤيتهم البسيطة.

المتتبع للشأن الليبي بعيون الواقع يجد في ان العامة من أهلنا الليبيين قد ملَوا مشاهد سفك الدماء وإزهاق الأرواح والاختطاف وقطع الطرق..الخ من الأفعال التي لم يتعودوها!.. فهم يريدون أمنا وأمانا في مناطقهم افتقدوه خلال أحداث الثورة ليستمر بعد سقوط القذافي بل وتتعاظم عمليات الترهيب من قتل وخطف وحرابة من المارقين والمجرمين حتى من أبناء المنطقة او القبيلة نفسها في غياب تام لسلطات الدولة.. هذا الوضع المتردي امنيا يدفع الناس مجبرين إلى اجترار الماضي ومقارنته بالحاضر فيجدوا في الماضي بالمقارنة بواعث تفضيل تبدو بائنة لهم. لقد عانى الناس كثيرا وصبروا لكن السلطات الجديدة لم تقدم أي شيء يعزز امن المواطن وطال الانتظار حتى وصلت محطة السنة الرابعة والأمور تزداد سوء مما راكم الحنق والغضب لديهم ودفعهم لرفض الواقع المؤلم ولو بالتعبير عن رفع رايات القذافي علنا كرد فعل لحالة يأس وإحباط شديدين!

علينا ان ندرك ان من يختزل وطنا في شخص حاكم بفهمه البسيط ليس محصنا ضد تيارات ينفخ فيها أصحاب المطامع السياسية الذين قذفت بهم الثورة إلى ما وراء الحدود ولا يزالون يحنَون الى ماض قد طويت صفحته وأودعت في خزانة الأمس!. ولهذا يكون لزاما من باب الحرص على ليبيا واستقرارها أن يسعى الجميع جاهدين لقطع الطريق على كل المتآمرين في الداخل والخارج من أصحاب الأجندات السياسية والحول بينهم وبين شبابنا من خلال لغة حوار جاد وتوعية سياسية مدعومة بجهود مخلصة تسرع في بناء منظومة الأمن المتكاملة (جيش وشرطة وأجهزة أمنية) على أسس وطنية مخلصة بعيدة كل البعد عن الاتجاهات والأجندات الحزبية والقبلية والمناطقية كأولوية مطلقة تستوجب تركيز الجهود عليها قبل غيرها. ولن يجدي أبدا استخدام القوة خاصة في ظل تململ شعبي كبير بالنظر إلى ان أدوات تلك القوة ليسوا جيشا وطنيا بل هم كتائب جهوية وقبلية محسوبة على أجزاء من ليبيا الأمر الذي قد يؤجج الموقف ويكرس حالة الانقسام السائدة الآن وقد ينفخ في جمر التقاتل ليطول أمده وينتشر مداه وهو ما يجعل ليبيا في خطر كبير نسأل الله ان يحفظ الجميع منه .

للخروج من هذا المأزق ليس هناك من طريق سوى طريق الحوار والمصالحة والجلوس على طاولة واحدة من كل الفرقاء يجمعهم عامل واحد مشترك وهو المواطنة وقبول كل الأطراف للآخر بغض النظر عن أفكاره وتوجهاته الفكرية أو السياسية..لم يعد هناك مجالا لتصنيف الناس على أساس تأييدهم للثورة او معارضتهم.. ذلك زمن وقد ولَى والمجال اليوم فقط للحوار ومناقشة ما يخرج البلد من المأزق وبمشاركة كل الليبيين..أصبح لزاما التضحية من اجل الوطن بالمواقف والاتجاهات والتنازل عن كل ما يبعد ويفرق وتبنَي كل ما يجمع ويقرب مهما كان الثمن..بالحوار والتصالح والتسامح يمكن إعادة بناء ليبيا الدولة كما حلمنا وبدون ذلك فإننا سنضيع فرصة تاريخية قد نندم جميعا على فوتها!!.. الى الذين يخافون على ليبيا ويحسون بليبيا ويحبون ليبيا هلمَوا الى طاولة حوار وطني.. هلمَوا الى تثبيت ركائز بيتكم من الداخل ! لن تبنى ليبيا ونحن مختلفون لن تقوم قائمة لدولة ليبيا ونحن منقسمون متخاصمون! اذا لماذا نطيل عمر اللادولة؟! .. هيا لنبادر جميعا.. نتحاور..نتوافق ثم نتسامح ..نتصالح..فنتعاون ونضع اليد في اليد لنبني جميعا دولة ليبيا الجديدة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • هارون الشتيوي

    =الحرية الحمراء=
    هل أصبح الليبيين بصدد أن يرفعوا شعار(أن نعود للقيود) بعد المعاناة مع الحرية الحمراء وبعد أن أصبح الحسم في الحالة الليبية على طريقة القطيع والبقاء للأقوى والاصلح . هل مازال هناك مساحة للعقل والحكمة للنظر من خلال الامر الواقع وأن يقر الليبيين بالمعادلة التي تفرض نفسها في أطراف الصراع وأنه شاء من شاءأو أباء من أباء أن هناك شركاء في ملكية الوطن لا يمكن تجاهلهم، منهم من هم محسوبين على النظام السابق حتى وان خرجوا من السلطة فلن يخرجوا من الشراكة في الوطن وانهم الان يدافعون من أجل البقاء والعودة الى أرضهم ولن تهنى البلاد بالامن من ورائهم حتى وان لزم الامر للتحالف مع اعدائهم ومع من تقاطعت معهم المصالح لافساد الوطن وتقسيمه تحث شعار عليّ وعلى أعدائي ولهم كل العذر في ذلك . وان من الشركاء أيضا من هم محسوبين على الجماعات باسم الدين وأنهم طرف قوي في معادلة الصراع،يدافعون من أجل البقاء،ومحسوم عندهم سلفا أن مصيرهم العودة للسجون والتهجير اذا لم ينتصروا ويقودوا زمام الامور . وان من الشركاءأيضا من هم محسوبين على التيار اللبرالي والعلماني ولهم قوة مؤثرة على أرض الواقع تحضى بتأيد فعّال من قبل المجتمع الدولي وخاصة عندما تكون في مواجهة الجماعات الدينية ويدركون تماما بأنهم وهده الجماعات نقيضان لا يجتمعان. هل هناك مجال للسعي الجاد من أصحاب العقل والحكمة لطرح فكرة ان الملكية التاريخية للوطن هي ملكية الشعوب والقبائل وان ملكية الملوك والزعماء تسقط بسقوط عرشها مثل ما سقطت ملكية الدين بسقوط دولة الخلافة عندما اختارت الشعوب ذلك ورفضت أن تحكمهم دولة باسم الدين .هل حان الأوان ان تدرك الجماعات المحسوبة على الدين ان دولة الاسلام والخلافة لا تعود بالانقلابات والتفجير والجهاد وأن الجهاد في الاسلام لايأتي لاقامة دولة الدين ولاكن يأتي لحماية هذه الدولة بعد وجودها وبعد أن تختار الشعوب هدا الدين بدون اكراه، وان قضيةالاسلام الان هي قضية شعوب رافضة لحكم للدين وليست قضية إزالة من يحكم هذه الشعوب وماهذه الانظمة والحكومات الموجودة الان الا تعبير عن إرادة شعوبها وما هيَ وشعوبها إلا وجهان لعملة واحدة.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً