تداعيات مذكرة التفاهم التركية الليبية الجديدة

تداعيات مذكرة التفاهم التركية الليبية الجديدة

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

بداية لابد من الإشارة الى أن الأعراف الدولية تقتضي أن تتبع المعاهدات والإتفاقيات الدولية نمطا محددا من الإجراءات حتى تكون قد اكتسبت الصفة الرسمية ومعترف بها محليا ودوليا، ومن هذه الإجراءات أن يتم التصديق على المعاهدات والإتفاقيات بين البلدان من قبل أعلى سلطة تشريعية في طرفي او أطراف الإتفاقية أو المعاهدة، حيث أنه لا تكتسب أي اتفاقية أو معاهدة شرعيتها الآ بعد الموافقة عليها من قبل السلطات  التشريعية في طرفي أو أطراف الإتفاق، وهذا مالم يتوفر للإتفاقية التي وقعت في نوفمبر عام 2019م ثم بنيت عليها مذكرة التفاهم الأخيرة التي تجيز للشركات التركية التنقيب عن النفط والغاز في المياه حصة ليبيا وفقا للإتفاقية السابقة.

ودون الخوض أكثر في شرعية تلك الإتفاقية وما ترتب عنها من اجراءات ومذكرات تفاهم، يهمنا هنا التركيز على الأثر السياسي الذي سينشأ عن توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة التي وقعتها “حكومة الوحدة الوطنية بتاريخ 3 اكتوبر 2022م ، وما قد ينتج عنها من تداعيات على المشهد الليبي، حيث يعلم الجميع أن المشهد الليبي لا يزال يعاني انقساما حادا، خاصة يعد أن سحب مجلس النواب ثقته من حكومة الوحدة الوطنية وكلف حكومة جديدة برئاسة باشاغا والتي لم تتمكن حتى ألان من استلام مهامها في العاصمة نتيجة تمسك الدبيبة وعدم رغبته في التسليم.

إن هذا التوتر الكبير القائم والمتصاعد الآن بين حكومتي الشرق والغرب، يجعل من الصعب منطقيا أن تقبل أي من الحكومتين بإجراء يصدر من الأخرى، وخاصة ما يتعلق بالقرارات السيادية التي تهم كامل البلد، وتوقيع مذكرة التفاهم من طرف حكومة الوحدة الوطنية مع الجانب التركي في هذه الظروف يندرج في هذا الإطار، و يزيد من تعقيد الأمور ويذكي حالة الإنقسام ويؤجج الخلاف، ويفتح الباب واسعا لتداعيات كبيرة على المشهد الليبي قد تحمل تأثيرات خطيرة، تبعا لمجموعة من السيناريوهات المحتملة، غير أن السؤال الكبير الذي يبرز هو: لماذا توقيع المذكرة في هذا التوقيت بالذات؟!.

معلوم أن تركيا سعت للحصول على ضمانات محددة من سلطات الشرق، اهمها اعتراف مجلس النواب بالإتفاقية الأساس الموقعة عام 2019م مقابل اعترافها ومساندتها لحكومة الشرق وهذا ماكان محور نقاشات بين الطرفين، اذا ما استحضرنا تلك الزيارات المتبادلة التي قامت بها وفود تركية للشرق الليبي ووفود ليبية من الشرق  الى تركيا، وفي هذا السياق قد تكون تركيا قصدت توقيع هذه المذكرة في هذا الوقت بالذات لإستعمالها كورقة ضاغطة على سلطات الشرق الليبي لإجبارها على الإعتراف بالإتفاقية الأساس، ومن ثم تكون مذكرة التفاهم الجديدة تحصيل حاصل، ولو نجحت تركيا في ذلك تكون قد حققت مصالحها بدون أي مواجهات عسكرية مع قوات الشرق في مناطق التنقيب، وستضطر حينئذ الى التخلي عن حليفها الدبيبة في الغرب، ويكون هو ضحية سياسة تركية ماكرة.

أول التداعيات على مذكرة التفاهم الجديدة هو رفض مجلس النواب للمذكرة ، فقد قام فعلا بتوجيه رسالة بالخصوص الى الأمين العام للأمم المتحدة، وسيسعى طبعا الى كسب دعم دولي لإبطال مفعول المذكرة، مما يجعل الجانب التركي في وضع محرج : إما القبول بالتخلي عن المذكرة، أو التمسك بها وهو الأقرب، وإذا ما قررت تركيا التمسك بها فإنها ستكون مضطرة لإستعمال اسلوب التعامل بحذر مع خصوم الدبيبة في الشرق ، حاصة وأنها تعلم أن منطقة التنقيب والاستكشاف متاخمة للحدود الشمالية الليبية من جهة برقة لا طرابلس.

من التداعيات ايضا أنه في حال عدم الوصول الى تفاهم مع سلطات الشرق فإن الأمر سيقود الى موقف تصعيدي خطير تبقى فيه احتمالية نشوء صراع مسلح قائمة، وقد تكون الشرارة في احدى نقاط التماس بين قوات الغرب والشرق والمرجح أن تكون بالقرب من مزدة كونها نقطة التماس بين قوات الشرق بالغرب، وستلعب تركيا دورا بارزا في هذه المواجهة وهي تتمتع فعلا بتواجد عسكري كبير في قواعد عسكرية مهمة  في الوطية ومعيتيقة، ولو حدثت المواجهة لا قدر الله ستكون عنيفة جدا حيث ستغذي طرفيها دول اجنبية متعددة تتقاطع مصالحها في ليبيا وستكون ليبيا ساحة حرب مفتوحة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً