تشكيل لجنة الدستور من عدد غير قابل للقسمة على ثلاثة

تشكيل لجنة الدستور من عدد غير قابل للقسمة على ثلاثة

لقد تابعنا وعايشنا مختلف الملابسات التي أدت بالمجلس الوطني الانتقالي إلى إجراء التعديل الدستوري الأول على المادة 30 من الإعلان الدستوري، في اتجاه النص على تشكيل اللجنة التي سوف تكلف بإعداد الدستور، من ستين عضواً، يمثلون بنسبة متساوية أقاليم ليبيا الثلاثة: برقة وطرابلس وفزان، بواقع عشرين عضواً عن كل إقليم.

وكلنا نعرف أن أهم عامل مؤثر في الاتجاه إلى هذه الفكرة كان الضغوط التي أخذ يمارسها إخواننا المواطنون المؤمنون بأن النظام الفدرالي هو الأنسب لبناء الدولة الجديد، وما رافق ذلك من الدعوة إلى العودة إلى نظام الولايات الثلاث الذي كانت عليه البلاد حتى سنة 1963، وشروعهم في تبني تلك المسميات القديمة، والإلحاح عليها، في خطابهم السياسي والإعلامي، ثم من خلال المؤتمرات التي عقدوها بهذا الخصوص، والمقررات التي أصدروها بتشكيل (مجلس إقليم برقة) ثم تشكيل قوة عسكرية تابعة له سميت (مجلس برقة العسكري)، وما نعرفه جميعنا وعايشناه من ممارسات اتسمت بالتهديد بالعنف واستخدام القوة في فرض آرائهم، ثم بلغت حد الخروج إلى حيز التنفيذ الفعلي.

ولقد فعلت هذه الممارسات والدعوات فعلها في الساحة السياسية، ثم أخذت تتطور وتتصاعد حتى أجبرت المجلس الوطني الانتقالي على الاستجابة لها راغماً، فكان التعديل الدستوري الذي تحدث عن تشكيل لجنة إعداد الدستور من ستين عضواً، على غرار لجنة الستين التي شكلت قبل إعلان استقلال البلاد، ووضعت دستور سنة 1951م.

وفي حين ظن المجلس الوطني الانتقالي أنه جاء بحل لمشكلة، وجدنا مع تطور الأحداث ومساراتها أنه لم يفعل في الحقيقة إلا أن خلق مشكلة، ها نحن أولاء على صعيد الوطن كله نعاني من تداعياتها، ونتجاذب ونتصارع لإيجاد حل لها، أو مخرج منها.

بحديث المجلس الوطني عن لجنة (ستين)، مقسمين بالتساوي على أقاليم ليبيا الثلاثة، لم يفعل في الحقيقة سوى أنه عاد بنا القهقرى إلى ما قبل سنة 1951م، عندما كانت ليبيا في ذلك الوقت مقسمة واقعياً: ديمغرافيا وجغرافيا وسياسياً إلى ثلاثة أقسام، كان كل قسم منها معزولاً ومنفصلاً عن الأخريين فصلاً شبه تام، يجعل من غير المنطقي ولا الواقعي التفكير في ضمها، بمجرد نص في ورقة تسمى الدستور، في كيان واحد. لقد كانت مختلف العوامل التي أشرنا إليها تشير إلى وجود مسافات كبيرة وصعبة التجاوز بين الأقاليم الثلاثة وسكانها، وأن أنسب نظام سياسي كان يمكن أن يستجيب لتلك العوامل والمعطيات هو النظام الاتحادي، الذي يحفظ لكل إقليم كيانه واستقلاله الداخلي، مع ربطه بالإقليمين الآخرين بعلاقة اتحادية، تتمثل في حكومة مركزية وبرلمان منتخب، إضافة إلى جيش واحد وسياسة دفاعية وخارجية واحدة.

ثم رأينا كيف أن المعطيات السياسية والاجتماعية بعد اثني عشر عاماً من تبني النظام الاتحادي كانت قد تطورت كثيراً، في اتجاه التقريب بين أبناء الوطن الواحد، في أقاليمه الثلاثة، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، حتى خفت إلى حد بعيد مختلف الحساسيات والفروق التي كانت تفصل بين الأقاليم وسكانها، فقد اختلط المواطنون بعضهم ببعض من مختلف بقاع الوطن وجهاته، وربطت بينهم مختلف علاقات العمل والدراسة والمنافع الاقتصادية، إضافة إلى مختلف أواصر القربى، من خلال التزاوج والتصاهر، ومن ثم كان التحول إلى النظام المركزي أو الوحدوي نتيجة طبيعية جداً لكل تلك المعطيات.

وإني أزعم، وأحسب أن كثيرين من أبناء الوطن يشاركونني في هذا الزعم، أن المعطيات التي نعيشها اليوم، بعد تجربتنا المريرة تحت حكم الاستبداد والتخلف لمدة 42 عاماً، وتجربتنا الرائعة على مدى السنة والنصف التي مرت على عمر ثورتنا المباركة، لا تبرر مطلقاً أي توجه للتفكير في بلادنا مقسمة إلى ثلاثة أقسام.. إني لا أومن مطلقاً بأن ثمة (شيئاً) متجانساً اسمه (المنطقة الشرقية) مختلفاً عن (شيء) آخر اسمه (المنطقة الغربية) أو (المنطقة الجنوبية). وأحسب أننا عشنا جميعنا وما زلنا نعيش مختلف المواقف التي تجمع بيننا، مواطنين متساوين في المواطنة، في وطن واحد اسمه (ليبيا)، وأن المواقف السياسية والقناعات الفكرية هي التي تجمع أو تفرق بيننا، بمعزل تماماً عن أي انتماءات جهوية أو إقليمية.

وقد قلت سابقاً مراراً أني أجد نفسي في خندق واحد، وطنياً وفكرياً وسياسياً، مع إخوة لي في الوطن، من مختلف القبائل ومختلف الجهات، في حين أني أجد نفسي بعيداً كل البعد، فكرياً وسياسيا، عن إخوة لي في الوطن، يحشرونني وإياهم في هذا الانتماء إلى ما يسمى (برقة).. أعرف أن إخواننا دعاة الفدرالية يسخطون كثيراً على من يعبر مثل تعبيري هذا، ويقولون كيف تقول ما (يسمى برقة) وكأنك تنكر وجودها، وهي موجودة عبر التاريخ والسياسة والجغرافيا، ولكني أقول إن هذه التسمية كانت جزءاً من التاريخ، وأنها لم تعد لها حيثيات في الواقع الذي نعيشه اليوم.. ولم يقنعني إخواننا هؤلاء بحديثهم عن التهميش الذي تعاني منه (برقة) وسكانها، لأني أعرف أن ليبيا كلها كانت ولا تزال مهمشة، وأنها كلها لا تزال تعاني من آثار المركزية القاتلة المدمرة… وأقول لهم إني أومن بأن الحل لمشكلة التهميش والمركزية ممكن جداً في إطار الدولة الواحدة، والحكومة التي تحسن إدارة شؤون البلاد، وتوزيع خطط التطوير والتنمية بعدالة على كل مناطقها وجهاتها.

وإني من هذا المنطلق أرفع هذه الدعوة لأن نعيد النظر في تشكيل لجنة الدستور، بحيث نجعلها تتكون من أي رقم لا يقبل القسمة على ثلاثة، لكي نقطع الطريق لأي تفكير في ليبيا مقسمة إلى ثلاثة أقسام. لنقل إن هذه اللجنة تشكل من 40 أو50 أو70 أو 80 أو 100 عضو، يختارهم الأعضاء المنتخبون في المؤتمر الوطني، وفق معايير محددة، تضمن أن يكونوا ممثلين لمختلف شرائح وفئات الشعب، ومعبرين عن مجمل القناعات والمبادئ التي يتبين أن أغلبية ملموسة من الشعب تؤيدها، ولهذه اللجنة أن تستعين بمختصين في القانون الدستوري من داخل البلاد ومن خارجها، لصياغة تلك القناعات والمبادئ الصياغة القانونية المناسبة.

إن ليبيا واحدة، لا تقبل القسمة على ثلاثة

هاتف: 0925121949 / e-mail: fannushyounis@yahoo.com

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • بهجت الشارف

    شاهدت أمس مقابلة مع الأخ محمد يوسف المقريف على قناة الجزيرة (برنامج بلا حدود)

    يريد الدكتور (وفّقه الله) نظاماً برلمانياً في ليبيا يكون فيه رئيس الحكومة التنفيدية يملك سلطات مُطلقة ويكون فيه رئيس الدولة شرفي رمزيً فقط دون أي سلطات! هل نحن في حاجة لرئيس دولةٍ “طرطور” يتقاضى مُرتّبٌ فقط من أجل أن يقوم بإستقبال رُؤساء الدول الأخرى أو ليستلم أوراق إعتماد سُفرائها؟. لماذا يكون هناك رئيسان ، واحد تنفيذي والآخر عاطل؟.

    أين وجد الدكتور المقريف هذا النظام لحكم المسلمين ، في القرآن أم في سُّنّة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أم في سُنّة خُلفائه الرّاشدين أم في تاريخ المسلمين؟. لماذا نُحاكي أنظمة غربية غريبة لا تستند لحكمة ولا منطق ونحن عندنا شرع الله وسُنّة رسوله وخُلفائه الرّاشدين ونظام حُكمٍ قامت به أكبر وأقوى دولةٍ في تاريخ البشر حكمت بشرع الله وعدله؟ وحين زاغت عن شرع الله زالت.

    بل نُريد نظام حُكمٍ ودولةٍ يكون لها رئيسُ واحد نختاره ثمّ نُسندُ له الأمر ونُطيعه ما أطاع الله ويكون مسؤولاً من كافّة الليبيين ويكون له وزراء يُعينونه على شئون الحكم وتسيير شئون الدولة ، ومجلس شورى (مجلس شيوخ) يُقدّم النُّصح والمشورة الراشدة.

    ويقول السيد المقريف أيضاً أنه سيعالج التهميش الذي طال بعض المناطق الليبية مثل جبل نفوسة و أنه يصحُّ أن نُمارس نوع من “التمييز الإيجابي” لتعويض هؤلاء على تهميشهم!. ألم يعلم الدكتور حفظه الله وسدّد خُطاه أن الشعب الليبي كان مُهمّشاً بكامله ولم تسلم مدينة ولا أحد من إرهابه وظُلمه خاصّةً المُلتزمين بالدين؟ القذافي كان يخشى من يُسمّيهم عامة الناس بالإسلاميين ، لأنهم عارضوه جهاراً وحاولوا الإطاحة بنظامه مراراً ، فاستهدفهم وطاردهم وزج بهم في غياهب السجون ونكّل بهم وقتل منهم الكثير وما مجزرة سجن أبو سليم ببعيد. أم خفيت على زعيم “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” هذه الحقائق لبُعده عن الوطن طوال 31 عاماً الماضية؟ أم هو الرضوخ لضغوط وعواء دُعاة القبلية والطائفية الجهوية و العرقية الإنتهازية الإنفصالية الذين لا يشعرون بالإنتماء وليس عندهم ولاء إلا لطوائفهم….

    وإن إفترضنا تعرُّض بعض الجهات في ليبيا للتهميش فهل ذلك ذنب سائر الليبيين أو يُبرّر إثارة الفتن والبلابل والعُنف وتهديد أمن الوطن والدعوة لتقسيمه؟. الليبيون كانوا في همٍّ القذافي سواء فلا يُزايد أحدُنا على الآخر.

    من المُحزن أن دُعاة الجهوية والإقليمية الضّيقة وذوي التّوجُّه الإنفصالي لم يؤثّروا فقط في الدكتور المقريف بل فرضوا أراءهم المريضة على المجلس الانتقالي من قبل. فقد رضخ أصحاب القرار في المجلس الوطني الانتقالي لضغوطهم وقاموا بتعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري لتنُص على تشكيل لجنة إعداد الدستور من 60 عضواً، يمثلون بنسبة متساوية أقاليم ليبيا الثلاثة: برقة وطرابلس وفزان!. إذاً يُرغم الليبيون على التّفكبر على أساس إقليمي وأن نُخطّط ونُنفّذ سياساتنا حسب تقسيم فيدرالي رغم عدم وجود هذه الولايات الثلاث. ليس هذا فحسب بل ذهبوا لأن فرضوا أن تكون طريقة التصويت في لجنة إعداد الدستور على أساس إقليمي جهوي بحث وأن يكون لكل إقليم حق النقض “الفيتو” على مواد الدستور. فلا تمر مادة دون أن يُصوّت لها جميع الأعضاء من إقليمين + عضو من الإقليم الثالث (20 + 20 + 1)!… أي ديكتاتورية هذه تُمارسها حفنة من مرضى الجهوية وذوي التّفكير الضّيق وأصحاب المصالح الشخصية…ه

    كفانا تخوّفاً من إستبداد رئيس جديد بالحكم أو إنفراد منطقة أو مدينة مُعيّنة بالقرار ولنُزح عُقدة القذافي وظُلمه وعهده المُظلم من عقولنا فهو لم يكن رئيساً مُنتخباً ولم يكن إنساناً طبيعياً على الإطلاق. لننظر إلى المستقبل بتفاؤل وثقة ولنُعطي من نختار لإدارة شئون الوطن الصلاحيات اللازمة وحرية القرار والفرصة لتحقيق تطلّعات الشعب الليبي.

    بالله إقرؤا هذه المقالة الرائعة جزا الله كاتبها أكمل الجزاء

    توزيع مقاعد المؤتمر الوطني العام على الأقاليم بالتساوي من وجهة النظر الدستورية
    http://bit.ly/OnZZgi

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً