تطور الرؤية الأمنية في ليبيا

تطور الرؤية الأمنية في ليبيا

علي الحاج حسين

كاتب وإعلامي سوري مقيم في المملكة المتحدة

استكمالاً لما سلف في مقالي السابق “مشاهداتي في ليبيا” أكتب اليوم عن الأمن الحاضر الغائب في ليبيا ورجل الأمن العربي الذي عودنا على غلاظته وقلة احترامه للمواطنين وإهانتهم متى شاء دون حسيب أو رقيب، وهذا موضوع ذو شجون سنعود إليه بتفصيل خاص، ونبقى في الشأن الليبي.

بعد ثورة فبراير صار لي عدد كبير من الأصدقاء الليبيين في الوسط الحقوقي والصحافي وأساتذة جامعات.. نتواصل بشكل مستمر. مؤخرا اغتنمت وجودي في طرابلس الغرب ضمن وفد رسمي، ورغم قصر مدة الإقامة تواصلت مع أصدقائي، وزرت برفقتهم معالم سياحية خارج طرابلس. لكن ظل هاجس الأمن مهيمناً على الأذهان، وتمحورت استفساراتي وأسئلتي بالدرجة الأولى في هذا الحقل، ولم ألحظ حرجاً لدى أصدقائي في حديثهم، بل كانوا يجيبون باستفاضة، أضف إلى ذلك أن الجهة الرسمية المناط بها مرافقتنا كانوا عدة شبان من جهاز يسمى “دعم الاستقرار” وعنه سأتحدث كخلاصة لما جمعته من معلومات من الأصدقاء وبالاحتكاك المباشر مع عناصره الذين تميزوا بحسن المعاملة والتصرف مع مواطنيهم، لاحظنا ذلك بوضوح حين يرافقونا في تنقلاتنا. هذا ما جعلني أخصص هذا المقال للقارئ العربي الذي لم يزر ليبيا ليصحح الرؤية عبر شاهد عيان عن ليبيا الجديدة رغم ما بها من جراح وما تروجه وسائل الإعلام التي تعادي ثورات الشعوب الطامحة للحرية والانعتاق.

تطور الرؤية الأمنية في ليبيا

كما يعلم الجميع أنه عقب ثورة 17 فبراير تشكلت مجموعات من القوى الأمنية قوامها الثوار الذين حاربوا على الجبهات إبان الثورة واستشهد بعضهم ويحفظ زملاؤهم أسماءهم ويذكرون شجاعتهم حين يتحدثون مناقبهم. لكن هذه القوى الأمنية الوليدة افتقرت للخبرة والانضباط والتراتبية مما انعكس على أدائها ومجمل مهنيتها. من هنا جاءت الحاجة لتأطير هذه القوى عبر محاولات جادة ومتكررة لمأسستها، بهدف دمج الثوار في المؤسسات الأمنية الحكومية، ولكن أغلبها باءت بالفشل لأسباب عديدة أبرزها عدم قدرة هذه المؤسسات على فرض الانضباط والالتزام الصارم بالتعليمات والأوامر، أضف إلى ذلك الولاءات المختلفة كالاستقطابات السياسية والجهوية والقبلية، ناهيك عن تدخل بعض الأطراف الخارجية التي من مصلحتها استمرار الفراغ الأمني في ليبيا.

الانتقال من الثورة إلى الدولة

مع مرور الوقت تمكنت بعض الجهات من تحقيق نجاح ملحوظ من بعد العديد من التجارب واستوعبت فئة الشباب الثائر وتمكنت من دمجه في مؤسسات أمنية حكومية بشكل فعال. أحد أبرز هذه الأمثلة تجربة “جهاز دعم الاستقرار” الذي أنشئ سنة 2021 بقرار من المجلس الرئاسي الليبي، وكانت معظم قواته من الثوار الذين خاضوا العديد من المعارك، والتي كان آخرها الدفاع عن العاصمة طرابلس ضد هجوم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المعززة بقوات مرتزقة فاغنر الروسية.

استطاع جهاز دعم الاستقرار تطوير أداء منتسبيه وإكسابهم المهارات الانضباطية والعلمية والميدانية اللازمة لأداء مهامهم بحرفية، وذلك عبر سلسلة دورات تدريبية أشرف عليها مجموعة من الضباط الأكفاء امن أصحاب الخبرة الطويلة. وهكذا أصبحت كافة مكاتب وإدارات ووحدات الجهاز تعمل وفق القوانين الليبية وبالتنسيق المتواصل مع مكتب النائب العام.

لقد انعكس النجاح المحقق على النتائج الملموسة على أرض الواقع من خلال ما تم انجازه من قدرة على بسط الأمن والحد من الجريمة المنظمة والحرابة، ومحاربة تجاز المخدرات ومهربي الوقود، ومكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية.  ختاما أعتقد أن تجربة جهاز دعم الاستقرار في ليبيا من التجارب الرائدة التي يمكن الاقتداء بها لتطوير الأداء المهني للمؤسسات الأمنية في أماكن أخرى، وخاصة الدول التي تحول فيها الربيع العربي إلى خريف قاحل كسوريا واليمن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

علي الحاج حسين

كاتب وإعلامي سوري مقيم في المملكة المتحدة

اترك تعليقاً