ثروات ليبيا تستباح، وحكوماتنا تتفرج والجيران يستثمرون

ثروات ليبيا تستباح، وحكوماتنا تتفرج والجيران يستثمرون

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

بكل أسف، منذ احداث انتفاضة فبراير وسقوط النظام السابق، يعيش القطر الليبي حالة من التكالب على ثرواته من الداخل والخارج، في ظل توالي حكومات اقل ما يقال بشأنها انها عابثة!، حيث تقلّدتها شخوص لا تمتلك الخبرة الكافية والحنكة السياسية اللازمة، بل ان بعضها يجهل حتى ابجديات الحكم!، هذا الأمر جعل بعض الحكومات المجاورة لنا تستغل وتستثمر الظروف وتستهتر بسيادة الدولة الليبية من خلال دعمها المباشر والغير مباشر لإجراءات تتعلق بأعمال تهريب الثروات الليبية لبضائع مدعومة من خزانة الليبيين وعلى رأسها المحروقات.

لقد بلغ الاستهتار بالسيادة الليبية حدا تجاوز كل الحدود، وأصبح يصب في خانة الابتزاز السياسي المباشر والغير مباشر، من اجل استمرار عمليات التهريب للبضائع بقصد جلب المنفعة لحكومات تلك الدول المجاورة ولو على حساب قوت الليبيين ومعاناتهم، للأسف تنتهج بعض حكومات الجوار أساليب ابعد ما يكون على أساليب التعامل الاخلاقي الإنساني الذي يراعي المصالح المشتركة، فقد دأبت مستغلة جهل ساستنا الاشاوس! على تمرير الكثير من مصالحها على حساب المصلحة الليبية، وذلك طبعا بفعل حفنة من الحذاق الليبيين الذين يشاركون في جريمة استنزاف ثروة الشعب الليبي وتهريبها للخارج ممن باعوا الوطن بالبطن سواء كانوا مسئولين او مواطنين عاديين، ممن غابت فيهم روح الانتماء للوطن.

الوقائع كثيرة ومتعددة، ويكفي ان اشير هنا الى بعضها كأمثلة صارخة عن مدى الاستهتار بثروات الشعب الليبي، والتمادي في استمرار استنزافها دون وازع من ضمير، والتي ساهمت حكوماتنا وبكل وقاحة فيها، واستغلها الجيران بابتزاز ممنهج لاستحلاب البقرة الليبية السائبة! اجزم ان ما سمي المؤتمر الوطني والمجلس الانتقالي وما قابلهما من حكومتي الكيب وزيدان، كانا سبب البلاء الكبير، ففي عهديهما القصيرين زمنا الثقيلين هما والما، تمت عمليات كبيرة بحجم كوارث استهدفت ثروة الليبيين، تمثلت في استباحة الثروات الليبية علنا وسرا، فهل ننسى مبلغ 2 مليار دولار التي قدمت للرئيس المصري المخلوع مرسي كإعانة اخوانية صريحة من قبل المتخوّنين الليبيين!؟ وهل ننسى مئات الملايين من الدولارات التي قدمت لحكومة تونس والنيجر مقابل جلب بعض رموز النظام السابق؟!

الم تكن تلك مجرد صفقات بيع سياسي رخيص على حساب الليبيين من قوتهم وثروتهم؟! وهو ما ساهم في ازدياد تردي الأوضاع في ليبيا التي تكاد تصل حالة الإفلاس والانهيار، وليتهم اكتفوا بذلك وتوقفوا، بل المؤلم جدا ان يستمر نزيف الثروة الليبية بأشكال متعددة تستهدف تهريب ثروة الليبيين وخاصة السلع المدعومة فيكفينا مؤشرات ان تكتفي الدولتان الجارتان “تشاد والنيجر” من سلعة الدقيق المهربة اليهما من ليبيا!، كما يكفي ان تعلن تونس ان 40% من محروقات الوقود التي تستعملها تأتيها مهربة من ليبيا!

ان حجم ما يتم تهريبه لدول الجوار من السلع يفوق الوصف، وخاصة بعد الهبوط الكبير لسعر العملة الليبية امام العملات الأجنبية، حيث احترفت مجموعة من الحذاق المضاربين بالسلع من الليبيين مهنة التهريب، وتكونت شبكات منظمة مرتبطة مع بعضها البعض، عنقودية التركيب جهنمية التفكير، داخل ليبيا وخارجها، ولقد بلغ الحد سوء عندما دخلت حتى المنتجات الليبية الأساسية من الخضروات والتمور التي كانت تغطي الاحتياج المحلي، أصبحت تهرّب الى دول الجوار، وخاصة تونس التي تستحوذ على نصيب الأسد من حجم تجارة التهريب المنتعشة، في ظل الفوضى وانعدام الامن والسيادة الوطنية، ان أولئك المضاربين لم تسلم منهم حتى الخردة والمخلفات، فهم يتكالبون على استنزاف ثروات البلد  ويدفعون الى افلاسها، و يزرعون نبتة الفقر والافلاس فتبا لهم!

ما احوجنا اليوم الى صحوة ضمير لإيقاف هذه الجرائم في حق الشعب الليبي، حفاظا على ما تبقى من ثروته ومنعا لمزيد الانهيار، وفي سبيل ذلك لابد من مساندة جماهيرية لحملة مكافحة تهريب السلع والوقود التي يقوم بها المخلصين، ودعمهم بكل الإمكانيات المتاحة ولابد من الضغط على حكوماتنا العابثة لتصحو من غفلتها وتنتبه الى ما هو اخطر، وعلى الشعب الليبي ان يرسل رسائل واضحة لحكومات الجوار التي تغض البصر عن جرائم التهريب السلعي التي تضرر منها الليبيون جميعا في زمن الفوضى المشرعنة.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • طارق

    حقا …ليس لدي ما أضيف … بيان موجز يشرح حال الوطن والمواطن … يشرح االداء ويصف الدواء فهل سيجد من الآذان الإصغاء … ؟ إلى المولى شكوانا في عنان السماء …
    بارك الله فيك دكتور اعبيد .. على دورك المتميز الرائد اتجاه و طنك .. فائف تقديري واحترتمي ..

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً