ثورات الربيع العربي ضاعت بين الاسلام السياسي والقوة العسكرية والشعب هو الضحية

ثورات الربيع العربي ضاعت بين الاسلام السياسي والقوة العسكرية والشعب هو الضحية

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

عندما بدأت ثورات الربيع العربي واشعلت اول شرارة بتونس وهروب بن علي ، ثم مصر وهروب مبارك ثم ليبيا وقتل القذافي في مثل هذا اليوم 20 اكتوبر 2013م، واليمن وعزل على عبدالله صالح وسوريا والتي مازال فيها الاسد متمسك بالحكم. كلها ثورات لم يخطط لها ولم يكن بها قادة او قيادات وكانت ثورات شعبية ومن الشعب وبالشعب قامت. ثورة ليبيا وسوريا اخدت طابع العنف والقتال  واستعمال السلاح. نجح الليبيين وبقت نقمت السلاح واستغلاله من بعض الجماعات لفرض أيديولوجياته بالقوة. السوريين مازالوا يعانون ولم يجدوا من يساندهم والبعض بداء يتباعد عنهم ومصير ثورتهم لم يحدد بعد ولكن بعون الله سينتصرون علي الاسد واعوانه. الحل ليس سهل وليس قريب وليس من مصلحة إسرائيل ان يرحل الاسد لأنه ستكون هنالك دولة بها متشددين واسلحة  قريبة منهم وسوف تقوم هذه الجماعات بخلق بعض المشاكل لهم. هذه الثورات نجحت في القضاء على حكم الفرد وغابت المؤسسات، تدهورت الحالة الامنية والاقتصادية والاجتماعية  وكثيرون بدوءا يضيقون من تصرفات بعض الجماعات المتسترة وراء ستار الدين لتسلم السلطة.

تونس بعد ما كانت رائدة في السياحة والمصارف والاستثمارات الخارجية، ها هي تطلب في المساعدات ونسبة البطالة اعلي من قبل الثورة والسائح لا يأتي والاستثمارات تلاشت خوفا من حزب النهضة وخوفا من الجماعات الاسلامية المتشددة والتي ترتع في كل ربوع تونس. اخيرا تونس قامت بتحريك الجيش الى الحدود الليبية لمنع الجماعات الاسلامية المتشددة من الحصول على السلاح وكذلك دخول تونس او ليبيا. من قام بهذا، انه الجيش والذي قال الى بن علي ارحل ونحن نريد ان نحمي الشعب. لقد تحدث مع رئيس الاركان بعد الثورة عندما زرنا تونس وسألته، لماذا قلت الى بن علي هذه الكلمات. قال نحن العسكر اقسمنا اليمين ان نحمي الشعب فقط والوطن. نحن لا نحمي الرؤساء عندما الشعب يطلب منهم الرحيل. الجيش الان يتحرك في تونس ويحمي حدودها ويضمن امن وامان المواطن التونسي والذي يعرف ان لولاء الجيش، ستكون تونس مثل ليبيا وسوف تنشط الجماعات المتطرفة بحجة تكوين دولة الخلافة السادسة كما يريدها البعض. طالما فيه الجيش، والذي سيقول كلمته اذا شعروا بأن تونس ستكون في خطر. لكن يبقي ان الحكم العسكري في العالم العربي من الصعب القضاء عليه اذا بداء وهو دائما لا يمهد لإرساء الحكومات الديموقراطية بل يحارب الديموقراطية. هذا حدث بإسبانيا وتركيا واليونان واخدوا 30 سنة لكي يصلوا الى ما وصلوا اليه اليوم وتخلصوا من الحكام العسكريين وعرف الجنرالات بأن مهمتهم هي حماية الشعب والوطن وليسوا طرفا أساسيا في العملية السياسية. لكن هذا سيأخذ وقت طويل لكي نصل الى هذه القناعة ولكن الان نحتاج الى الجيش لفرض الامن لأن المواطن العربي غير جاهز لهذه الديموقراطية والتي هي حلم كل واحد وستبقي على الورق فقط الى ان يتخلص المواطن من ثقافات عده.

بالنسبة لمصر مثلها مثل تونس ولكن الشعب المصري متعلم وله تفافة وحضارة تجعله يفهم ويتفاهم معاني الديموقراطية اكثر من اي شعب عربي. الشعب المصري لا تهمه السياسة بقدر ما يهمه الامن والاستقرار واكثر من ذلك ان يكون له دخل يعيش منه واسرته وبأقل تكلفه. هذا ما كان يعمل له السادات ونجح في هذا واستمر مبارك في هذا ولكن في العشر سنوات الاخيرة، تدخلت الاسرة والابناء والمقربين والحاشية واصبحت المسافة بين الغني والفقير كبيرة ومع هذا كان المواطن المصري يتحصل على قوت يومه. جاء لسدة الحكم الاخوان المسلمين والذين لم يبقوا سنة وتار عليهم الشعب وطلبوا من الجيش ازاحتهم وطارت احلام الاسلامين في انشاء دولة اسلامية  تنتظر قيام الخلافة السادسة في شمال افريقيا. لقد عرف الشعب المصري ان هذه الحكومة لا يمكن ان تحقق الامن له ولا دخل يومي يعيش منه واسرته وازدادت البطالة والفقر وهروب المستثمرين الأجانب والعرب خوفا من تطبيق قوانين ربما يوما تؤخذ اموالهم وهم لا يعرفون ماهي رؤية حكومة الاخوان واستراتيجياتها لحكم مصر. تدخل الجيش وابعدت حكومة الاخوان وانتهوا الى الابد ولكن هل ستنهض مصر بهؤلاء العسكر. يجب ان لا يستمروا في حكم البلاد ويجب تسليم الدولة لحكومة مدنية وهذا ما قالوا ولكن نحن متأكدين بأنهم لن يفعلوا وان فعلوا سوف يأتون بمن يريدونه ويطبق افكارهم ونرجع الى حكم العسكر مثل اسبانيا وتركيا واليونان وهل ستتخلص منه مصر بعد حين؟

اما بالنسبة لليبيا والليبيين والذين يريدون فقط الامن والامان وحكم عادل وليس حكم فرد او مجموعة معينة تحكمهم باستغلال الدين  في الضحك على الناس. لقد كانت ثورة شعبية عفوائيه ضد الظلم واهدار الكرامة والفقر والمعناة من القذافي وابنائه واللجان الثورة والحاشية الجديدة والتي صاحبت الاصلاح المزيف من قبل ابنه سيف القذافي. لقد كانت ثورة شعبية بكل ربوع ليبيا وبعون الله اولا والثوار والشعب الليبي والناتو، نجحت هذه الثورة ومات القذافي في مثل هذا اليوم وطردت عصابته من سدة الحكم. لكن لم نعي بعد بأن الكثيرون مازالوا في المواقع القيادية وسيطروا على مفاصل الدولة من جديد بحجة انهم ثوار. فعلا اصبح لدينا نصف مليون ثائر والحقيقة ان الثوار ومن حاربوا كتائب القذافي لا يتجاوزون 100الف ثائر. كذلك لا ننسي جماعات الاسلام السياسي والتي تعرقل قيام الجيش لانهم يعرفون ان الجيش هو من يحمي الشعب والوطن ويقف ضد مطامع السلطويون من جماعة الاسلام السياسي. للأسف الاخوان يسيطرون الان على صنع القرار في ليبيا وكذلك يقفون ضد قيام الجيش. الإسلام السياسي له جناح عسكري وتقوده الجماعات الاسلامية المتطرفة امثال انصار الشريعة والقاعدة والليبية المقاتلة واخرون. كذلك بعض من مليشيات الزنتان ومصراته والذين انحرفوا عن مبادي الثوار واصبحوا يتنافسون على من يسيطر على  العاصمة وليبيا . بعضهم يتبع جماعة الاسلام السياسي وبعضهم لا يتبع احد ولهم مطامع اخري. الفدراليين في الشرق وجناحهم العسكري وبدواعي قبلية وجهوية يعرقلون الدولة وقيام الجيش. كل هذه المعطيات واخري كثيرة ومتشعبة، جعلت من ليبيا دولة فاشلة ولن تستطيع عمل اي شيء. سنأخذ وقت كثير وطويل حتي نصل الى قيام الدولة اذا استمرت الحالة كما هي عليها الان. لن يحدث هذا الا بالحوار الوطني للجميع ومع الجميع وتكوين جيش في مدة اقصاها سنتان ليستلم امور الدولة. لا باس في الوقت الحالي في استعمال الثوار الحقيقيون او اعضاء الجيش والشرطة ومن لم تكن ايديهم ملطخة بقتل او تعذيب الليبيين او سارقي المال العام او من اللجان الثورية،  للمساهمة في حفظ الامن والامان للمواطن. كذلك اعطاء تراخيص  للمواطن لحمل السلاح والي شركات اجنبية لحماية الحدود والموانئ والابار النفطية وكذلك منابع المياه والمحطات الرئيسية للكهرباء. الليبيون يريدون امن وامان وحكم مدني فقط وان ينعموا بثرواتهم.

بالنسبة لليمن والذي الان يخوض حوار وطني وقريبا سيدخلون في انتخابات وطنية . مازالت اليمن مهددة بالانقسام ووجود الجماعات الاسلامية المتطرفة، تعرقل في قيام الدولة. لكنها الثورة الوحيدة والتي دخلت  مرحلة الحوار الوطني مبكرا وهذا سينتج عنه الكثير. اليمن بها اسلحة اكثر من ليبيا وقبلية اكثر من ليبيا واي دولة عربية اخري ونسبة الفقر كبيرة جدا والامية ولكن اثبتوا انهم غيورون على وطنهم اكثر من اي شعب عربي وقاموا بأشياء كثيرة من اجل توفير الامن والامان للمواطن وهي مستقرة بعض الشيء وتعتبر اكثر الثورات العربية نجاحا الى حد الان. لكن هنالك ايدي خفية من بعض الدول العربية لتقسيم اليمن وهذا لن يحدث بعون الله.

استعمال الاسلام السياسي في ثورات الربيع العربي ساهم في خلق الفوضى وتعتر قيام الدولة الناجحة. لا نتحدث عن الديموقراطية هنا حيث هي بعيدة كل البعد عن المواطن العربي ويحتاج الى عشرة عقود حتي يفهمها ثم تطبق كما هي موجودة بالعالم الغربي. لا يوجد مانع من العمل ببرامج الديموقراطية ومحاولة تطبيقها الى حين يتم حل معظم المشاكل المتعلقة بالقبلية والجهوية والطائفية والأقليات.  الاسلام بريء من هؤلاء وهم قلة ولكن الشعوب تعرفهم ولا تريدهم وهي تكرهاهم اكثر من قبل. بعضهم يملك السلاح كما في ليبيا وسيكون الصراع قوي وطويل معهم وهم لن يرضخوا الا اذا الشعب وبأجمعه قام ضدهم مرة اخري . الحوار الوطني مهم في كل هذه الثورات وشعوبها يجب ان تجلس مع جماعة التيارات الاسلامية وتفهم ما تريده هذه التيارات في ضل العالم الجديد. لقد دخلت الدول العربية والتي قامت بها ثورات مرحلة جديدة من الفوضى والتي لن نتخلص منها الا اذا جلس الجميع ووضعوا الوطن امامهم وتحقيق مطالب شعوبهم والتي ستقول كلمتها الاخيرة في هذا السياق وهم يعون ذلك. اذا الشعب يوم اراد ان يتخلص من الظلم والظالمين والمتسلقين والمتسترين وراء الدين، ليس من الصعب عليه وخاصة اذا شعر هذا الشعب ان حياته وحياة ابنائه في خطر من هؤلاء وخاصة على المستوي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً