حبل انقسام الفلسطينيين فأنجب دويلة

حبل انقسام الفلسطينيين فأنجب دويلة

16 عاما مرت على انفراد حماس بحكم غزة والتي كانت بمثابة الحلقة الأولى من مسلسل طويل الأجزاء سمي بـ”الانقسام الفلسطيني” واليوم بعد أن تعزز هذا الانقسام وفشلت جميع المحاولات في إنهاءه بل أصبح هذه الحالة واقعا يتعايش معه الفلسطينيون رغم مرارته، تتعلى الأصوات اليوم ويبرز مصطلح جديدا أكثر خطورة من مصطلح الانقسام وهو “الانفصال”.

بعد خطة “فك الارتباط” التي أخلت بموجبها سلطة الاحتلال جميع المستوطنات في قطاع غزة سنة 2005، حاولت حماس أن تقطف ثمار ذلك الانسحاب بنفس الطريقة التي تصرف بها حزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان سنة 2000 وذلك من خلال تعزيز الدور العسكري وتكثيف الهجمات الصاروخية على محيط غلاف غزة، وقد لعب ذلك دورا كبيرا في تعزيز الحاضنة الشعبية للحركة التي كانت تحت حكم “فتح” الملزمة بتنفيذ دور من أدوار السلطة المتعارف عليه عالميا والمتمثل في تكريس سيادة القانون وترتيب النظام العام، وقد قادت محاولة السلطة لإخضاع حماس لسلطة القانون وإجبارها على كف التصعيد العسكري مع الاحتلال إلى أول تصعيد فلسطيني فلسطيني شهده أهل القطاع وانتهى بتوقيع بيان بين الطرفين بنهي الصدامات والمظاهر المسلحة بين الطرفين في الشوارع، لكن حركة حماس استثمرت في ذلك من خلف الستار وحاولت كسب تأييد الرأي العام في غزة من خلال وضع السلطة الفلسطينية في حرج بعد مناداتها لوقف أشكال التصعيد مع الاحتلال ورفض المظاهر المسلحة في القطاع وهو ما يعني نزع سلاح الفصائل الفلسطينية بما فيها أجنحة حماس والجهاد الإسلامي المسلحة.

إن سرد هذه الجزئية مهم لفهم كيف بدأت بوادر الانفصال الفعلي وكيف مهدت حماس لفوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي خاضتها ضد فتح والتي كانت مواجهة أيديولوجية تحت غطاء سياسي ديمقراطي فحماس التي استفادت من الانسحاب الإسرائيلي الذي عزز من موقعها في غزة، وجدت نفسها في صدام مباشر مع فتح والفصائل الأخرى حول شروط الرباعية الدولية المتعلقة في الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال وجعلت من ذلك سببا لرفض إجراء انتخابات مبكرة واختارت أن فكرة الانفصال الأيديولوجي عن الضفة الذي أندلع بأعمال مسلحة وانتهى بالاستيلاء على غزة بقوة السلاح ولأن الحاضنة الشعبية هناك كانت متشبعة بالبروباغندا الذي نشرتها حماس قد فتح سار ذلك الانقلاب من دون معارضة شعبية بل أنه قد لقي دعما في البداية.

لم يشفع بيان دمشق سنة 2005 والذي جمع الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس على مبدأ حرمة الدم الفلسطيني ومنع الانزلاق إلى الاقتتال الداخلي في أن يجنب الفلسطينيين مرحلة من أخطر المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، ولم تنجح محاولات السعودية ومصر والجزائر في لم شمل الفرقاء لإيجاد مخرج من هذا المأزق السياسي العميق.

وفي ظل فشل العرب في احتواء هذا الانقسام نجحت إيران في ضم غزة إلى محورها بعد أن أصبحت أجندة حماس والجهاد الإسلامي تتقاطع مع أجندة طهران في مواجهة إسرائيل وخاضت غزة التصعيد تلو الآخر بعد أن أصبحت إيران الداعم الأساسي والوحيد بالمال والسلاح فلم تعد قضية الانقسام الفلسطيني مسألة داخلية بحثه يمكن أن تفضي المشاورات فيها إلى وفاق وطني شامل يعيد ترتيب البيت الفلسطيني ويدمج حماس والجهاد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية بل أصبح لطهران تأثير فيها حتى وإن كان بشكل غير مباشر من خلال استعمال أسلوب المقايضة والدعم المالي المشروط.

مع حجم المعاناة التي تكبدها ويتكبدها الفلسطينيون في غزة من جراء الحروب المتكررة والحصار الاقتصادي المطبق الذي يمارسه الاحتلال أصبح خيار المقاومة الذي تتبناه حماس خاضعا لحسابات تفرض ضرورة عدم الانسياق لتصعيد عسكري سيأتي بالمزيد من الأعباء الإضافية على قطاع تفوق حاجياته الاقتصادية والاجتماعية إمكانيات الحركة بأضعاف مضاعفة، وحتى وإن كانت حماس قد أصبحت أكثر عقلانية بعد معركة سيف القدس وأكثر حاجة إلى هدنة طويلة الأمد من حاجة الاحتلال له، إلا أنها تبدو غير مستعدة للتنازل على غزة بأي شكل من الأشكال، بل أنها أكثر قابلية لإبقاء الوضع على ما هو عليه حتى وإن تطلب الأمر أن تصبح غزة كيانا شبيها بالإمارة كي لا تخضع لسلطة منظمة التحرير الفلسطينية أو لسلطة خصومها من فتح وحتى، ومع أن حماس قد تظهر في العلن مباركتها في العلن لدعوات الحوار الوطني إلا أنها تستمر في الخفاء في وصف سلطة رام الله بالسلطة الخاضعة وترى في سقوطها حلا وحيدا يمكنها من ملأ الفراغ في الضفة، في المقابل تستمر إسرائيل في استغلال هذا الشرخ في البيت الفلسطيني إيما استغلال فهي ترى في ذلك فصلا للجبهتين جغرافيا وسياسيا واستمرارا لغياب العمل الموحد الذي يقف بحزم ضد مخططها الطويل المدى في ضم ما تبقى من الضفة الغربية…. وإلى أن يستفيق الفلسطينيون من سباتهم العميق ويدركوا بأن استمرار انقسامهم هو بمثابة هدية بدون مقابل لإسرائيل فإن الوضع باق على ما هو عليه فالضفة تواجه خطر الضم وغزة تتحول إلى دويلة والفلسطينيون يحلمون بوطن.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فاضل المناصفة

كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً