حرية العبادة وأنواعها أساس في توحيد وتعظيم الله سبحانه وتعالى

حرية العبادة وأنواعها أساس في توحيد وتعظيم الله سبحانه وتعالى

د. علي الصلابي

مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي ليبي

إن تعظيم الله وتوحيده هو معنى قول: (لا إله إلا الله)، أيّ لا معبود بحقِّ إلا الله، ومما يدلُّ على أهمية التوحيدُ الذي أَرْسَلَ الله به الرُّسلَ من أولهم إلى آخرهم، واتفقتْ دعوةُ الرسلِ من أوّل رسولٍ بعثه الله إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، اتفقتْ دعوتهم إلى البَدْءِ بدعوة أقوامهم إلى إخلاص العبادةِ لله، ونبذ الشرك بكل صوره وأسبابه ووسائله المؤدية إليه، وتكون العبادة لله بأنواع وردت في الشرع لا عد لها يتجول المسلم خلالها في سياحية إيمانية ليتعرف أكثر على عظمة الخالق ورعة هذا الدين القويم.

النوع الأول ـ الدعاء:

وهو لغةً: الرغبةُ إلى الله، وجاء في نصوص القرآن والسنة بمعنى العبادة، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ *} [غافر :60] وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *} [غافر :54] وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *}.

ومن أسباب قَبولِ الدّعاءِ: المطعمُ الحلالُ، وألاّ يستبطىءَ الإجابةَ، وألاّ يدعو بإثمٍ ولا قطيعةِ رحمٍ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكر، والجَزْمُ في الدّعاء، وحضورُ القلبِ وسلامتُه من الغفلةِ والخشوعِ، والابتعاد عن المعاصي، والإخلاص في الدعاء لله عز وجل .ويمكن أن يقترنَ الدعاءُ بتوسُّلٍ مشروع، كالتوسّلِ بأسماء الله الحسنى، أو بصفةٍ من صفاته العُلى، أو أنْ يتوسّل العبدُ إلى اللهِ بأعماله الصالحة التي يرجو قبولها عند الله، أو يطلبَ الدعاءَ ممّن يظنُّ صلاحهم، أو بالتوسّل بهم بشرط أن يكونوا أحياء أي: يُتَوَسَّل بدعائهم.وقد تحدّث العلماءُ عن أنواع التوسل المشروعة ومنها:

أ ـ التوسُّل إلى الله بأسمائه الحسنى، أو بصفةٍ من صفاته العُلَى:

والدليلُ على هذا النوع من أنواع التوسُّلِ قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الاعراف :180]، كأنْ يقولَ المسلمُ في دعائه: اللهمَّ إنِّي أسالُكَ بأنَّكَ أنتَ الرحمنُ الرحيمُ، اللطيفُ الخبيرُ، أن تعافيني، أو يقول: أسألُكَ برحمتِكَ التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ أنْ ترحمَني، وتغفرَ لي.

ب ـ التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة التي يقومُ بها العبد:

كأنْ يتوسَّلَ إلى الله تعالى بالإيمانِ به وطاعتهِ، واتباع رسولِهِ صلى الله عليه وسلم ومحبَّته، ومن هذا النوع قولُ الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *} [آل عمران: 16] فيمكِنُ للعبدِ أن يقولَ: اللهمَّ بإيماني بكَ، أو محبّتي لكَ، أو اتبّاعي لرسولكَ صلى الله عليه وسلم اغفر لي، أو يقول: اللهمّ إنِّي أسالُكَ بمحبَّتي لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وإيماني به أنْ تفرِّج عنِّي. ومن ذلك أنْ يذكرَ الداعي عملاً صالحاً ذا بالٍ، فيه خوفُه مِنَ اللهِ سبحانه وتقواه إياه، وإيثارُه رضاه على كلِّ شيءٍ، وطاعتُه له جلَّ شأنه، ثم يتوسَّلُ به إلى الله في دعائه، ليكونَ أرجى لقبوله وإجابته.

ج ـ التوسُّل إلى الله تعالى بدعاءِ الصالحين الأحياء:

بأنْ يَطْلُبَ المسلمُ من أخيه الحيِّ الحاضرِ أن يدعوَ الله له، فهذا النوعُ من التوسُّلِ مشروعٌ، لثبوته عن بعض الصحابةِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيثُ كان بعضُهم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فيطلب منه الدعاءَ له أو لعموم المسلمين، ومن ذلك ما ثبت في «الصحيحين» عن أنسِ بنِ مالك رضي الله عنه أنَّ أعرابياً قامَ يومَ الجمعة والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطبُ فقال: يا رسول الله: هلكَ المالُ، وجاعَ العيالُ، فادعُ اللهَ لنا.

ومثله كذلك توسُّلِ الصحابةِ رضي الله عنهم بدعاءِ العبّاس رضي الله عنه، وهو في «صحيح البخاري» من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحَطُوا استسقى بالعباسِ بنِ عبدِ المطلب، فقال: اللهمَّ إنّا كنّا نتوسُّل إليكَ بنبيّنا صلى الله عليه وسلم فتسقِيَنا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسْقِنا، قال: فيُسْقَون والمراد بقوله: إنّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبِّينا، أي: بدعائه.

النوع الثاني ـ النذر:

تعريفه: هو التزامُ قربةٍ غيرِ لازمةٍ في أصلِ الشرعِ بلفظٍ يُشْعِرُ بذلك، مثل أَنْ يقولَ: للهِ عليَّ أنْ أصومَ ثلاثةَ أيام.

حكمه: حكمُ النذرِ الكراهةُ، بل حرّمه بعضُ العلماء، لعدم تحمُّل المسلم ما قَدْ يعجزُ عن الوفاءِ به، ولكنْ إذا نذرَ المسلمُ وجبَ عليه الوفاءُ بهذا النذر، وذلك ما لم يكنْ في معصيةِ الله، فأصبحَ هذا النذرُ معلَّقاً في رقبته، ودَيْناً عليه، حتى يوفّيه. قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *} [الإنسان :7] وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ *} [البقرة :270] وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *} [الحج :29] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نذَرَ أَنْ يطيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أَنْ يعصيَ اللهَ فلا يَعْصِه».

شروط النذر:

أ ـ أن يكونَ طاعةً لله: لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نذرَ في معصيةِ الربِّ، أو في قطيعةِ رَحِمٍ، وفيما لا يملك».

ب ـ أن يكون مما يطيقه العبد: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، إذ هو برجـلٍ قـائمٍ، فسـأل عنه، فقـالـوا: أبو إسرائيل، نـذرَ أَنْ يقـومَ ولا يقعدَ، ولا يستظـلَّ، ولا يتكّلمَ، ويصـومَ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مره فليتكلّمْ، وليستظلَّ، وليقعدْ، وليتمَّ صومَه».

ج ـ أن يكونَ فيما يملكُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وفاءَ لنذرٍ في معصية اللهِ، ولا فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدم».

د ـ ألاّ يعتقدَ الناذِرُ تأثيرَ النذر في حصولِ الشيءِ وعدمِهِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ النذرَ لا يقدِّمُ شيئاً، ولا يؤخِّرُهُ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بالنذرِ مِنَ البخيلِ».

وإذا كان النذرُ للهِ تعالى عبادةً ونوعاً من أنواعِ التقرّب إلى الله، فإنَّ صرفه لغير اللهِ تعالى شِرْكٌ أكبرُ، يخرِجُ من الملّة، ويوجِبُ لصاحبه النار، لأنَّ كلَّ ما شأنُه عبادةً لا يجوزُ بحالٍ من الأحوالِ أن يُصرَفَ لغير الله تعالى. ومن المؤسفِ حقّاً أن نرى مثلَ هذه العباداتِ تُصْرَفُ لغيرِ الله تعالى، وهذا جهلُ عظيمُ بالإسلام، ولا علاجَ له إلا نشرُ العلمِ وإحياءُ الإيمانِ بالله عزّ وجلّ في القلوب.

النوع الثالث ـ الذبح:

معنى الذبح هنا: هو كُلُّ ما ذُبِحَ هَدْياً أو عقيقةً وغيرها لله تعالى، بقصدِ التعبّدِ للهِ والتقرّبِ إليه، قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *} [الكوثر :1 ـ 2]، أي: أخلص له صلاتَك وذبْحَك، وقال تعالى: (قل إن صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ} [الانعام :162 ـ 163]، والنسك: الذبح.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدّثني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأربع كلماتٍ: «لعنَ اللهُ مَنْ ذبحَ لغيرِ اللهِ، ولعنَ اللهُ مَنْ لعنَ والديه، ولَعَنَ اللهُ مَنْ اوى مُحْدِثاً، ولعنَ اللهُ مَنْ غيَّر منارَ الأرضِ».

أمّا لعنُ الوالدِ والوالدةِ فهو من الكبائر، وأمّا الذبحُ لغير الله، فالمرادُ به أن يذبحَ باسمٍ غيرِ اسم الله تعالى، كمن ذبحَ للصنم، أو الصليبِ، أو لموسى، أو لعيسى عليه السلام، أو للكعبة، ونحو ذلك، فكلُّ هذا حرامٌ، ولا تحلُّ هذه الذبيحةُ سواءٌ كان الذابحُ مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً. إنَّ الذَّبحَ قربةٌ وعبادةٌ يُتقرَّبُ بها إلى اللهِ تعالى، ويتعبّد بها، ولذلك وجبَ صرفُها لله تعالى.

النوع الرابع ـ التوكل:

وهو الثقةُ بما عندَ اللهِ، واليأسُ عمّا في أيدي الناس، وقيل: هو اعتمادُ القلبِ على اللهِ، وثقتُه به، وأنّه كفايةٌ. والتوكّلُ عبادةٌ، ويجبُ صرفُها لله تعالى، حتّى يتمَّ توحيدُ العبدِ، ويخلو مِنْ شوائبِ الشركِ وأدرانِ الجاهليةِ، والله سبحانه وتعالى يأمرُنا بالتوكّل عليه وحدَه لا على غيره. قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا*} [الفرقان :58]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّكُم تتوكّلونَ على اللهِ حَقَّ توكُّلِهِ لرزقَكُم كَما يَرْزُقُ الطيرَ، تغدو خِمَاصاً، وتروحُ بِطاناً».

النوع الخامس ـ الاستعانة:

وهي طلبُ العونِ من الله تعالى على سبيلِ التعبُّد للهِ، وهي من أنواع العبادة، ولذلك يجبُ الاستعانة بالله وحدَه. قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*} [الفاتحة :5] أيّ: لا نعبدُ إلاّ إيّاك، ولا نستعينُ إلاّ بكَ، ونبرأُ مِنْ كلِّ معبودٍ دونك ومن عابديه، ونبرأُ مِنَ الحولِ والقوّةِ إلا بك، فلا حولَ لأحدٍ عن معصيتك، ولا قوَّة على طاعتِكَ إلا بتوفيقك ومعونتك. وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَانُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ*} [الانبياء :112].

النوع السادس ـ الاستغاثة:

وهي طلبُ الغوثِ، وهو إزالةُ الشدّةِ، كالاستنصار طلب النصرة، والاستغاثة، طلب الغوث والفرق بين الاستغاثة والدعاء أنّ الاستغاثة لا تكونُ إلاّ من المكروبِ، والدعاءُ أعمُّ، فيكونُ من المكروبِ وغيرهِ.

فالاستغاثةُ نوعٌ من العبادةِ يجبُ صرفُها لله تعالى، فلا يُستغاثُ إلاّ بالله عز وجل، ولقد ذكر الله تعالى الاستغاثـة في كتابـه العزيز، فلم تصرفْ إلا له سبحانه قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ*} [الانفال :9]. وكان من دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يا حيُّ يا قيومُ برحمتِكَ أستغيثُ». وعن ثابتِ بن الضحّاك: أنّه كان في زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منافِقٌ يُؤذي المؤمنين، فقال بعضُهم: قوموا بنا نستغيثُ برسولِ اللهِ من هذا المنافق. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنّه لا يستغاثُ بي، وإنّما يستغاثُ بالله».

النوع السابع ـ الخشية:

الخشية التعبُّد، وهي خضوعُ القلبِ والجوارحِ لله تعالى طاعةً وخشوعاً وخوفاً من مقامه ووعيده، على سبيل التعبُّد لله تعالى قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*} [آل عمران: 173].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «…أَمَا واللهِ، إنِّي لأخشاكم لله، وأتقاكُم له، لكنِّي أصومُ وأفطِرُ، وأصلِّي وأرقدُ، وأتزوُّج النساءَ، فَمَنْ رغَب عَنْ سُنَّتي فليسَ مِنِّي».

والخشيةُ نوع من أنواعِ العبادةِ التي يجبُ ألاّ تصرفَ إلا للهِ تعالى، وصرفُها لغير الله يُعدُّ شركاً ينقضُ ويهدِمُ الإيمان، وكلّما زادَ إيمانُ العبدِ بربِّه وخلصَ، كلّما زادتْ خشيتهُ منه.

النوع الثامن ـ الخوف:

وهو اضطراب القلبِ وحركتُه من تذكُّر المَخوف، وهو أفضلُ مقاماتِ الدين وأجلُّها، وأجمعُ أنواعِ العبادة التي يجبُ إخلاصُها لله تعالى قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*} [آل عمران: 175]. وعن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اتقّوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ». فالنافعُ والضارُّ هو الله، فلا خوفَ إلاّ منه وحدَه سبحانه وتعالى.

النوع التاسع ـ المحبة:

يعدُّ خُلُقُ المحبّةِ من أجلِّ الأخلاق الإيمانية، لأنّها أصلُ كلِّ فعلٍ ومبدؤه، فلا يكونُ الفعلُ إلاّ عن محبةِ وإرادةٍ، وكذلك التَّرْكُ، لا يكونُ إلا عنها، ولهذا كانَ رأسُ الإيمانِ الحبُّ في الله والبغضُ في الله، وكانَ مِنْ أحبَّ للهِ، ومَنْ أبغضَ للهِ، وأعطى لله، ومنعَ لله، قد استكمل الإيمان. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ*} [التوبة :24] . فإنّ هذه الاية تحمِلُ وعيداً شديداً على تقديم محبّةِ أيِّ شيءٍ من أمورِ الدنيا على محبّةِ الله تعالى ورسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وأنّه يجبُ إيثارُهما في المحبّةِ على مَنْ سواهما، وهذه المحبّةُ تقتضي إيثارَ طاعتهما واتّباع أمرِهما على إيثارِ مَنْ ذَكَرَ اللهُ مِنَ الأقاربِ والأموالِ وغيرِهما ممّا قد تريدُ النفسُ تقديمها. وقد بيّنَ القرآن الكريمُ علامات المحبّة لله تعالى، فجعلَ من ذلك اتباعَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والذِّلةِ للمؤمنين، والعزّةِ على الكافرين، والجهادِ في سبيله، وعدم الخوفِ مِنْ لَوْمِ لائمٍ، ومعاداةِ أعدائه. وأمّا الاتباعُ لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقد دلَّ عليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فإنّ هذه الايةَ تسمّى ايةَ المحبّة، فهذه الآية الكريمةُ حاكمةٌ على كلِّ مَنِ ادّعى محبّةَ الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنّه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر، حتّى يتبعَ الشرعَ المحمدي والدينَ النبويَّ في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في «الصحيح» عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليسَ عليه أمرُنا فهو رَدٌّ».

 

مراجع المقال:

  1. أحمد بن العزيز الحداد، أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في القران والسنة، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1999، 1 / 204.
  2. سيد سعيد السيد عبد الغنى، العقيدة الصافية للفرقة الناجية، دار ابن تيمية، الرياض، 1996، 274.
  3. علي محمّد الصّلابيّ، الإيمان بالله جلّ جلاله، دار المعرفة، بيروت. لبنان، ط 1، 2011م، ص (117-127).
  4. محمد يوسف الربيدي، اللباب في شرح العقيدة على ضوء السنة والكتاب، دار الزمان، المدينة المنورة، 2004، ص 54.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. علي الصلابي

مؤرخ وفقيه ومفكر سياسي ليبي

التعليقات: 2

  • الدستور السري لدي العرب خاصة والمسلمين عامة

    الدستور السري لدي العرب خاصة والمسلمين عامة
    الدستور السري لهذه الامة التي تتشدق علينا بالاسلام وتفتخر علينا بأنها امة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تتخذ الموبقات السبعة دستوراً سرياً لحياتها اليومية ويعمل بها الملوك والحكام والقادة والعلماء والشيوخ والرجال والنساء والبنات والشباب والجهلاء والمتعلمين كلهم بنفس التفكير .. والمستوى ويعملون بهذا الدستور بشكل سري بعيداً عيون البشر ولكن نسوا الله فانساهم انفسهم .. ويقولون لنا نحن امة الاسلام وهي تتخذ من هذه الكبائر دستورا وشعائر يومية في حياتها .. كل شخص يحكم على نفسه ويحدد موقعه من هذه الموبقات السبع التي حذرنا رسول الله من ارتكابها؟
    – ماهي الموبقات السبع التي حذرنا رسول الله من ارتكابها؟
    من المعروف أنّ الكبائر كل ما ورد فيه تحريم أو نهي أو أمر بالبعد عنه، ولكن هل كل كبيره مهلك أو موبقه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لقد حدد صلى الله عليه وسلم الموبقات بالحديث الشريف الصحيح حيث قال (اجتنبوا السبع الموبقات (المهلكات) قلنا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
    لو تأمّلنا في كل أمر على حدة لوجدنا كل منهما تمس إمّا الشخص وعقيدته مثل الشّرك أو فساد للمجتمع سواء بالعلاقات الإجتماعيّة كالسّحر والقتل والاكل مال اليتيم وقذف المحصنات أو بالنّفس البشريّة أو بالأمور الماديّة أو أمور الجهاد وضرر التولّي والهرب خلال الحرب على الجيش الإسلامي والمقاتلين وما يتركه من آثار إنهزاميّة في نفوسهم وما يتبعه من أضرار.
    البند الاول : أوّلها وأكبرها كما قال عليه السّلام هو الشّرك بالله والآية الكريمة توضح (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) الشّرك فيه فساد للعقيدة للشخص نفسه حيث الشرك أنواع شرك أكبر وشرك أصغر.
    البند الثاني : السّحر من الكفر حيث وضحت الآية الكريمة في سورة البقره رقم 102 أنّ السّحر من الكفر حيث قال تعالى ( واتّبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا…)ولا شك أنّ أثر السّحر معروف في دمار وتفكيك المجتمعات والأسر والأشخاص لما فيه من ضرر وتعامل مع الجن في إيذاء النّاس وتغيّير طبيعة الحياة التي منحها سبحانه وتعالى لعباده وكذلك هو اعتراض على حكم الله في استخدام السّحر لتغيير بعض الأمور، وحكم السّاحر تعزيراً هو القتل حيث لم يرد نصّاً أمر بقتل السّاحر، – والله أعلم- .
    البند الثالث : قتل النّفس التي حرّم الله حيث قال صلّى الله عليه وسلّم ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث النّفس بالنّفس والثيّب الزّاني والتّارك لدينه المفارق للجماعة) أو كما قال عليه السّلام.

    فالقتل من الكبائر الموبقات حيث قال تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ومن المعروف أنّ أوّل جريمة قتل كانت في تاريخ البشريّة هي قتل قابيل لأخيه هابيل وحيث ورد معنى الآية (ومن قتل نفساً فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً).
    البند الرابع : أكل الرّبا،حيث قال تعالى (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فالرّبا فيه فساد مادّي للمجتمع لما فيه من استغلال لأحوال النّاس وظروفهم والرّبا أنواع، وضرر الرّبا والتّعامل فيه من أخطر الأمور الماديّة والتي هي تمس جميع النّاس حيث أنّ الأموال هي مطلب للجميع والتحكّم في الأموال واستغلال الظّروف الماديّة الصّعبة للنّاس من أخطر أنواع الفساد في المجتمع، وعلى الصّعيد العملي فإنّ الخبراء الإقتصاديين في بريطاني وبعد الإنهيار الإقتصادي العالمي عام 2008 وبعد دراسة الأسباب المؤدّية إلى هذا الإنهيار وجدوا أنّ من أفضل الطّرق للتخلّص من المشاكل الإقتصاديّة جميعها وخصوصاً في القطاع المصرفي هو التّعامل بنسبة فائدة صفر ( أي البعد عن الرّبا تماماً) وقد قام فعليّاً بعض البنوك بتطبيق هذه النظريّه عمليّاً في بريطانيا حسب موقع اربيابيسينس الإخباري الإقتصادي.
    البند الخامس : أكل مال اليتيم وهو أيضاً من أنواع الفساد المادّي للمجتمع حيث أنّ اليتيم وهو الشّخص المتوفّى والده قبل سن البلوغ الرّسمي وهو 18 عام غير مؤهّل وغير قادر على تدبّر أموره بنفسه ويتم تعيّين وصي عليه غالباً ويكون من أقاربه وهذا الشخص موكل بأموال اليتيم، والله أمرنا أن نستعفف عن أموال الأيتام إلا ذي الحاجة فإن له أن يأخذ منها أو يأكل منها بالمعروف ولا يجوز له بأي حال من الأحوال استغلال أحوال اليتيم وضعفه والاستيلاء على أمواله.
    البند السادس : التولّي يوم الزّحف أي الهروب من المعركة في وقت التقاء جيش المسلمين بجيش العدو لأنّ لذلك الأثر الأكبر في معنويّات بقيّة الجيش حيث لو أنّ الأمر ترك هكذا ورأى المجاهدين بعضهم ينسحبون فإنّ ذلك سيدب الرّعب في صفوف الجيش وينسحب أيضاًضعفاء الإيمان والقلوب وهذا كان عمل المنافقين في الحروب حيث أنّهم كانو يتظاهرون بالخروج للقتال مع المسلمين ولكن بهدف تفريق صفوفهم وأضعفاهم حيث قال تعالى (لأوضعو خلالكم) ( يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) وهذا أمر خطير جداً على نتيجة الحرب وعلى سلامة المسلمين المقاتلين وحتى المدنيين في بيوتهم لما له من أثر في إضعاف قوة الدّفاع عن المسلمين وهي الجيش.
    البند السابع: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) لو تأمّلنا قليلاً لوجدنا اتّهام المؤمنات بالزنا هو من الكبائر المهلكات ولي الزنا!!
    البند الثامن: الزّنا من الكبائر ولكنّه لم يرد بالحديث أنّه من المهلكات حيث أنّ القذف بالزنا فيه فساد عظيم للمجتمع وهو مجرد كلام أي يسهل على أي شخص التلفظ به واتّهام غيره به سواء نساء أو رجال وللأسف إنّه منتشر وبكثرة هذه الأيّام على صور مختلفة، ولكن الزنا ومن وجهة نظر شخصيّة هو جريمة وفيه فساد أيضاً للمجتمع حيث تختلط الأنساب وتضيع الحقوق وتفسد الأسرة وعقوبة فاعله المتزوّج أو الذي سبق له الزّواج هي القتل وذلك لأنّه جرّب معنى الأسرة وتكوينها وما يجب أن تكون عليه الأسرة المسلمة وما يتبعها من تربية للابناء على الأخلاق الحميدة، ولكنّي أرى أنّ الإتّهام بالزّنا فيه فساد أكبر للمجتمع حيث أنّ سمعة الشخص هي شيء مهم جداً في حياته وإن كان بإمكان أي شخص أن يتكلّم في عرض أخيه بكل سهولة فإنّ النّتيجة هي ضياع للأخلاق ولها آثار سيّئة جدّاً على الشخص المتّهم، وأنّ الكلام أمر هيّن يستيطعه كل النّاس فإن ترك بدون عقاب رادع وشديد فسيؤدّي إلى ضياع الحق.
    عاشت امة الاسلام والمسلمين وخاصة بالدول العربية الاسلامية من المحيط الى الخليج مبروك عليكم الموضة والتطور والخضارة الماسونية .

  • عرباوى

    شيوخ الضلالة والإرهاب وتجار الدين هم سبب تخلف الامة العربية بين سائر الأمم…وهم سبب كل هذا البؤس الذي تعيشه الشعوب العربية اليوم …فهم اول من حارب العلم واتهم علماء الامة في علوم الفلك والطب والمنطق والرياضيات والفلسفة …بالزندقة والكفر…وأفتوا بقتلهم ونفيهم…وهم اول من امتهن الكذب والنفاق وخلق الفتاوى لأثارة الفتن والقلاقل التي لا تخدم الا أعداء الامة… وها هو احد هؤلاء الشيوخ الصلابي يحاول مره اخري ترويج بضاعته المزيفة…مستغلا عواطف المسلمين وحبهم لدينهم… فهذا المنافق لا تهمه الحقيقة وكل ما يهمه هو الشهرة وجمع المال حتى وان كان ذلك بنشر الأكاذيب وبيع الأوهام للسذج والبسطاء من الناس…فاذا كان الله فعلا يستجيب دعوة الداعي اذا دعاه كما يريد ان يوهمكم هذا الدجال…فلماذا لم يستجيب الى دعاء كل الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأطفال اليتامى الذين قتل أبنائهم وازواجهم وابائهم بدم بارد باسم هذا الدين…لماذا لم يستجيب لسبعين سنه من دعاء المسلمين على إسرائيل؟ هل تعرفون لماذا؟ … لان الله الذي تعبدونه هو وهم يعيش في عقولكم…ولا وجود له في عالم الواقع…اصحوا يا بشر…واسالوا أنفسكم ماذا سيستفيد الله من حرق مليارات البشر في جهنم نتيجة اعمال وافعال كتبها هو عليهم مقدما قبل ان يولدوا؟ اصحوا يا بشر…واسالوا أنفسكم هل يعقل ان يطلب من خلق خمس مليار مجرة وفى كل مجرة خمسين مليار نجم من عبده الضعيف ان يذبح له كبش؟ اصحوا يا بشر واسالوا أنفسكم هل يعقل ان ينزل خالق هذا الكون الذي لا نهاية له… آية يقول فيها ” فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ” او آية يقول فيها ” وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ” اصحوا يا ناس واسالوا أنفسكم هل يعقل ان ينسى خالق هذا الكون ان يذكر فرائض الصلاة في كتابه ولا ينسى ان يكتب على النكاح؟ … اصحوا يا غفاه البشر واسالوا انفسكم كيف لخالق هذا الكون ان ينسى إذ هو خلق السماء قبل الأرض او خلق الأرض قبل السماء؟ حيت يقول لنا في سورة البقرة انه خلق الأرض قبل السماء ” هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا تم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئي عليم” ثم ينسى ويناقض نفسه ويقول لنا في سورة النازعات ” اانتم اشد خلقا ام السماء بناها رفع سمكها وسواها واغطش ليلها واخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها اخرج منها ماءها ومرعها”

    فال أحد المفكرين العرب” لو عرف المسلمين حقيقة دينهم وكل التناقض في قرآنهم…لا رفرفت رايات الالحاد من اندونيسيا الى المغرب”

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً