حقيقة الابتزاز البلجيكي للمؤسسة الليبية للاستثمار

حقيقة الابتزاز البلجيكي للمؤسسة الليبية للاستثمار

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

تظهر بين فينة وأخرى مطالبات بلجيكية بأموال من الحكومة الليبية تدعي انها لعقود ابرمت مع الحكومة الليبية السابقة قبل 2011م، ويصاحب ذلك حملات مسعورة من بعض الصحف الأجنبية التي تحاول دعم تلك المطالب البلجيكية، وبدعوى أن الأموال مهربة وتخص رموز للنظام السابق، وليست ملكا للشعب الليبي، ونظرا لأهمية الأمر وما تناقلته بعض وسائل الإعلام المحلية بالخصوص فإنه يتوجب اظهار بعض الحقائق المتعلقة بالموضوع حتى يكون الليبيون على علم وإطلاع بما يجري وينتبهون لما هو اخطر، والقصة كلها يمكن ايجازها فيما يلي:

“لوران” أمير بلجيكي كان رئيسا لمنظمة غير حكومية بالتعاون مع الصندوق الاستنمائي العالمي للتنمية المستدامة،  تعاقدت منظمته مبدئيا مع أمانة الزراعة في عهد القذافي، لتنفذ برنامج تشجير في ليبيا ضمن مشروع بيئي، إلا أن الحكومة الليبية آنذاك أُقدمت في العام 2010م على فسخ العقد من طرف واحد، الأمر الذي جعل الأمير البلجيكي يستمر في مطالبته بالحصول على ما يعتبره حقا من الأموال لمنظمته، ونظرا لتغير نظام الحكم في 2011م اتجه الأمير للمطالبة بتحصيل امواله من الودائع التي تخص المؤسسة الليبية للاستثمار والموجودة في بنك يوروكلير ببلجيكا.

وحيث أن تلك الأموال شملها قرار التجميد الذي اصدره مجلس الأمن اتجه الأمير الى الضغط على حكومة بلاده، بغية مساعدته في تحصيل أموال منظمته من الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، ولكن ذلك الطلب اصطدم بالرفض من قبل المؤسسة الليبية للاستثمار التي أكدت على أنها مؤسسة مستقلة، ذات ذمّة مالية وقانونية مستقلة عن الحكومة الليبية وبالتالي عدم قانونية أو شرعية تلك المطالبات، هذا الأمر دفعه الى اللجوء الى القضاء البلجيكي، ففي العام  2014م أيّدت محكمة بلجيكية مطالب الأمير بمبلغ 47 مليون يورو، لكن المؤسسة الليبية للاستثمار بالتنسيق مع الحكومات الليبية المتعاقبة رفضت ذلك الحكم، ولقد سبق للأمير لوران أن قام بمحاولات مماثلة وغير ناجحة لرفع التجميد عن أصول المؤسسة، وقد رفضت في باديء الأمر وزارة الخزانة البلجيكية هذه المحاولة بشدة في العام 2016، وهو القرار الذي أكده المجلس البلجيكي في العام 2018م.

واستنادا إلى سماح وزارة الخزانة البلجيكية  بالإفراج عن الفوائد التي تخص أموال المؤسسة الليبية للاستثمار بين العامين 2012 و 2017 م، فمن المتوقع أن يستغل الأمير هذه الثغرة لتحصيل الأموال وهو ما حدث فعلا، فمع مطلع العام 2021م أعلنت وزارة المالية البلجيكية أنها رفعت التجميد عن جزء من الأرصدة الليبية البنكية المجمدة في بلجيكا، لاقتطاع مستحقات على عاتق الدولة الليبية تُقدر بـ47 مليون يورو لصالح الأمير، فقد صرح وزير المالية البلجيكي فنسنت فان بيتيغيم: إنه لم يعد هناك اعتراض على إخطار لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة باتخاذ هذا الإجراء وفق جريدة “لوسوار” البلجيكية ، وإذا لم تعارض اللجنة ذلك يمكن للمصفّي حينئذ أن يشرع في الإجراءات في بلجيكا لحجز المبالغ المستحقة على الدولة الليبية، ولحسن الحظ فأن لجنة العقوبات رفضت ايضا الطلب البلجيكي واصرت على استمرار تجميد اصول المؤسسة وفوائدها ايضا.

ومعلوم أن بنك «يوروكلير» البلجيكي يحتفظ بمليارات اليوروهات تقدر بحوالي 15 مليار يوروفي حساباته من الأموال المجمدة، التي تعود إلى المؤسسة الليبية للإستثمار، وبرغم أن هذا البنك وفقا للقانون البلجيكي رقم 1999 يجعله آمنا ويوفّر لزبائنه الحصول على حسابات محميّة من الحجز القضائي حتى من قبل الدولة البلجيكية نفسها ، وإن كان ذلك يبعث عن الإطمئنان فالأمر لا يخلو من بعض الهواجس، حول امكانية تجاوز واختراق ذلك والوصول الى الأموال المجمّدة فيه، وخاصة عندما تكون عن طريق حكم محكمة وبدعم من الحكومة البلجيكية كما هو الحال مع الأمير البلجيكي لوران.

خلاصة القول ينبغي على الليبيين أن لا ينجرّوا وراء بعض الشائعات التي تحاول تضليل الرأي العام حول اموال المؤسسة الليبية للاستثمار فهي حتى الآن مازالت محفوظة ومحميّة بفضل قرار التجميد الصادر عن لجنة العقوبات بمجلس الأمن ، وأن محاولة ابتزاز المؤسسة بما يتوارد من صدور قرار من قاضي التحقيق البلجيكي بإيقاف رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي، ينبغي أن يؤخذ بمحمل الجد، لأن ذلك يصب في اتجاه تحصيل ديون الأمير البلجيكي وغيره من المطالبات الدولية التي تستهدف الأموال الليبية بالخارج، بجحة أنها أموال تخص القذافي وعائلته، ولا تخص الدولة الليبية. الأمر جد خطير ويتطلب أن تتظافر جهود السلطات الليبية المعنية في المجلس الرئاسي والحكومة الليبية بالتنسيق مع مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، لمخاطبة مجلس الأمن ولجنة العقوبات الدولية المكلفة لرفض المساعي البلجيكية للتصرف في الأموال الليبية المجمدة في مصارفها والتي تخص المؤسسة الليبية للإستثمار ومتابعة ذلك عن كثب، الأمر في غاية الأهمية وقد أعذر من أنذر.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً