«حنا مينه»، عذراً…

«حنا مينه»، عذراً…

رحل  الأديب والروائي العربي البارز والشهير “حنا مينه” عن عمر يناهز الـ 94 عاماً، لقد فاجأني ما جاء في وصيته: “عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطا في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطا في مماتي”، ويتابع في وصيته: “أعتذر للجميع، أقرباء، أصدقاء، رفاق، قُرّاء، إذا طلبت منهم أن يدعوا نعشي، محمولاً من بيتي إلى عربة الموت، على أكتاف أربعة أشخاصٍ مأجورين من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علي، في أي قبر مُتاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون إلى بيوتهم، فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة. لا حزنٌ، لا بكاءٌ، لا لباسٌ أسود، لا للتعزيات، بأي شكلٍ، ومن أي نوع، في البيت أو خارجه، ثمّ، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، أستغيث بكم جميعا، أن تريحوا عظامي منها”.

عذرا ” حنا مينه”، فبراثن الخوف والمرض والجوع والذل، ماانفكت تخشى كلماتك وأفكارك في أعمالك الأربعين، وأنت تدافع فيها عن الفقراء، والضعفاء، والمظلومين في الأرض.

عذرا يشاركني فيه البحر، الذي كما قلت، كان دائماً مصدر إلهامك، حتى إن معظم أعمالك لاتزال مبللة بمياه موجه الصاخب.

عذرا، تشاركني فيه “غوطة دمشق”، التي كما قلت دائما أنها ربطتك بسلك خفي إليها، وشدتك بقلادة ياسمين إلى ليالي “دمشق” الصيفية الفاتنة.

عذرا، يشاركني فيه “جبل قاسيون”، وأنت من أعلن أنه حارسه المؤتمن.

عذرا، يشاركني فيها “بردى”، وأنت المغرم المتيّم به.

نعم، عذرا، تشاركني فيه “المصابيح الزرق”، و”الشراع والعاصفة”، و”الأبنوسة البيضاء”، وكل “رجل شجاع” مهما كانت نهايته.

عذرا، تشاركني فيه “بقايا صور”، و”المستنقع”، و” المرصد”، و”القطاف”، و”الربيع والخريف”.

عذرا، تشاركني فيه كل “امرأة تجهل انها امرأة”، و”المرأة ذات الثوب الأسود”، و”المرأة في صراع امرأتين”، و”عروس الموجة السوداء”، و”النار بين أصابع امرأة”، و”المرأة الدجاجة” كما سميتها في حواراتك، وغيرها كثير وكثير.

عذرا، نقولها كما فعلنا سابقا، مع الأديب الكبير الراحل “عبد السلام العجيلي” الذي أوصى بأن تقام له جنازة، دون أي مشاركة رسمية أو كلمات تأبين أو قصائد، وأراد جنازة بسيطة لابن “الرقة” البار المتقشف.

نعم عذرا، فما أقسى أن نجهل أو نتجاهل أعلامنا، مهما اختلفنا معهم، فالاعتراف بفضلهم وإسهاماتهم حق من حقوقهم، وواجب من واجباتنا، وإن زهدهم وتواضعهم، ورفضهم لبعض مظاهر التأبين الزائفة، التي تسري في مجتمعنا، لا يعفينا نحن أبناء هذا المجتمع ومثقفيه من تكريمهم وتأبينهم، والزهو بسيرتهم وأعمالهم في خدمة الإنسان والمجتمع، حقا إنها تعلمنا في الحاضر والمستقبل، فالمجتمع الحي هو من يكرم أعلامه، في حياتهم وبعد رحيلهم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً