خواطر يوم 20 مارس 2016م

خواطر يوم 20 مارس 2016م

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

خواطر اليوم 20 مارس 2016م (نهب السلطة سهل واستخدامها صعب والمحافظة عليها ليس بالسهل… هذا ما يحدث بليبيا)

الكثيرون هذه الأيام يتبجحون بأن القوة والسلطة هما ما يملكونه من سلاح ومال، فالقوة هي عبارة فرض نفسك على الآخرين ورغامهم بأتباع ما تريده لنفسك أو حزبك أو مدينتك أو حتى ايديولوجياتك، أي شخص أو أشخاص يقودن الآخرين بالقوة لأجل هلاكهم وهم لا يعلمون.

هذا ما أقوله أنا عن القوة ولكن ما يقوله الآخرين ربما يختلف، السلطة تحولت من غرف صناعة القرار إلي ميادين المعارك ومن المساجد ودور العبادة إلى الدولة. هذا الحال بداء ينعكس حيث خرجت القوة من المساجد إلى ميادين المعارك وهي تكفر الجميع وتحاول السيطرة على أفكار الناس بأن المرجعية الدينية هي الحل لنيل السلطة الحقيقية وباقي السلطات كلها كفر وكفار من يقومون باستخدامها ويجب أزاحتهم.

لهذا خرج عدد كبير من اللاعبين الجدد والصغار وغير المعروفين واقتنصوا الفرصة واستولوا على السلطة تحت عدة مسميات وخرجوا بها عن الدولة وأعطوها إلي شيوخ الدين وهذا ما حدث بثورات الربيع العربي، وهذا ما يحدث في ليبيا الآن، كذلك هناك محاولات أخري لمنح السلطات إلى شيوخ القبائل والعشائر وشراء ذممهم أم بالمال أو الحماية أو المناصب.

غاب عن السلطة في ليبيا الفاعلين الأساسين من حكومة ومؤسسات مدنية ودينية واجتماعية وشركات، جميعهم أزيحوا وحل بدلهم لاعبين جدد كقوي صغري ومتعددة وموزعة في جميع أنحاء ليبيا وليست تحت قيادة واحدة.  فلهذا أصبح نيل السلطة سهل جداً حيث  أعداد اللاعبين الجدد كثيرون وانتماءاتهم وولاءتهم  تختلف حسب ما هو مطروح بالمكان والزمان.

السلطة نيلها سهل هذه الأيام.

لا أريد أن أذهب بعيد أو أرجع للتاريخ وأحكي قصص نهب السلطة من قبل الجماعات المسلحة والتي تدعي أنها الأقوى على الأرض، أتحدث هنا عن وطني ليبيا وكيف نهبت السلطة بأسهل الطرق في نهاية 2011م، بعد ما نجح الشعب الليبي في قهر ودحر القذافي.

اليوم هو ذكري تدمير رتل القذافي والذي كان سيدمر بنغازي وأهلها. دمره المجتمع الدولي لكي يساعد الليبيين في التخلص من الطاغية وأعوانه. لكنه لم يخلصهم ممن يتربصون على الأبواب لنهب والاستيلاء على السلطة ومند أن عرفوا بأن القذافي هالك، لقد عملوا كل الحيل والفتن وأشعلوها حرب في ليبيا وتحصلوا على السلطة والمتمثلة في المجلس الوطني الانتقالي بعد تحرير طرابلس تم المؤتمر الوطني وحكوماتهم، عندهم الخبرة السياسية والتنظيم الجيد والدهاء والمكر السياسي ومن ورائهم دول تدعمهم.

إنهم الأخوان المسلمين ومن معهم والذين لم يستمروا طويلا وانفضحوا ولم يستطيعوا المحافظة عليها فلجأوا للسلاح ودمروا وقسموا الوطن الي شقين، طبعاً هم جزء من اللعبة ولكن يعتبروا اللاعبين الأساسين في هذا، نفذ لهم ما يريدون بعض من الجماعات المسلحة ولكن انفضحوا في أخر الأمر، كان في مخططهم أن نيل السلطة سهل في وجود الفوضى والتي تتمركز بوجود مئات من الجماعات المسلحة وبقيادتها ولهم نفس التوجه هو الاستيلاء على السلطة. كذلك غياب أي نوع من السلطة العسكرية والمتمثلة في الجيش أو الشرطة.

كذلك سيطرتهم على صنع القرار وبالقوة وأهم شيء هو بسط أيديهم على منابع المال بليبيا.  هؤلاء كلهم لاعبين جدد على الساحة والأخوان ليس جدد واستغلوا هؤلاء، أخد هذا وقت طويل منهم وبانهيار الأخوان في مصر والذين يعتبرون المغذي بالأفكار لهؤلاء سوء بليبيا أو بالدول الأخرى، بعد انهيار الأخوان في مصر أصبح من الصعب المحافظة على السلطة والتي بدأت تتبخر أمام أعينهم في ليبيا ولهذا لجأوا للعنف، بعد هذا وقف الشعب الليبي ضدهم ولم ينجحوا في أي انتخابات برلمانية أو على مستوي البلديات أو لجنة الدستور.

لجأوا مرة أخري للسلاح وحاربوا الليبيين وإلي اليوم لم يكونوا لوحدهم ولكن هناك مجموعات أخري في شرق ليبيا وهي فرع القاعدة والتي استولت على بنغازي ودرنه في حين أن مليشيات أخري استولت على معظم مدن ليبيا وجميعهم يتخذ في الإسلام غطاء لهم، الجظران أعلن حكومته بعد ما أستولي على منابع النفط في وسط وشرق ليبيا، كذلك صراع رهيب بين الزنتان ومصراته في الاستيلاء على العاصمة طرابلس وهذا كله كان سهل المنال ولكنهم جميعهم لم يحافظوا على هذه السلطة ومن بقي مصيره بأن يفقدها قريبا.

السلطة صعب تطبيقها.

عندما اغتصبت السلطة بليبيا منقبلا للاعبين الجدد والمتمثل في المليشيات وهذا بكل مدينة، صعب على مغتصبيها تطبيقها حيث لا وجود لاعتراف محلي أو دولي جدي وأن وجد فهو هزيل جداً ولم يتعاملوا معهم إلا حسب ما تتطلبه المصلحة، لم يكن للمغتصبين أي برامج غير الاستيلاء على منابع صنع القرار والمال فقط، الشعب يريد الديمقراطية والتي هي صعبة المنال وصعبة التطبيق وتتعارض مع أفكار من اغتصبوا ونهبوا السلطة السهلة كما يتصورونها، كذلك الشعب يريد الحرية والتي تتمثل في التداول السلمي للسلطة وهم يريدون أن يطبقوا أيديولوجياتهم الظلامية والرجوع إلى الخلف وحرمان الشعب الليبي من كل شيء إلا ما يسمحون به، هذا من لديهم توجه سياسي ولكن الأغلبية ليس لديهم أي توجهات سياسية غير الهيمنة على تلك المدينة وإرضاخ أهلها لهم وسيطرتهم على جميع مقدرات هذه المدينة والتي أصبحت مرهونة لهم بحكم قوة السلاح.

كانت لا توجد عندهم خطط واستراتيجيات للمرحلة ما بعد نهبهم للسلطة، كانوا يجمعون الأموال وينصبون فيمن يتبعهم بالمناصب ونسوا الشعب وما يريده الشعب الليبي، أرهبوا الشعب ووضعوا كماشة عليه وسدوا إلا فواه بالاغتيالات والخطف والسجن والقتل في عدة مناسبات، هذا كله من اجل الحفاظ على السلطة ومحاولة تطبيقها بالقوة لمن يعارض، هذا كله نتيجة أن مراكز القوة تعددت وصارت كثيرة وكلهم يريدأن يحكم ويريد ان يطبق أفكاره ولا يرضي بالطرف الأخر شريك لهذا.

عندما تتكاثر مراكز القوة يضيع الاتفاق ويضيع التوازن وتصبح الفوضى هي أكثر الأشياء من يلجا اليه هؤلاء لمحاولة البقاء في السلطة وذلك بخلق عدة اشياء. طبعاً هنالك لاعبين اساسين والمتمثل في قادة هذه المجموعات، وهناك من ينفذ ومن هم على الواجهة ليسوا اساسين وأنما هؤلاء مثل الدمي يحركونهم الآخرين مثال ابوسهمين وعقيلة صالح والغويل والثني والقطعاني والجظران وكاره وبادي والسويحلي ودعاب ومادي…..

السلطة سهل فقدانها.

عندما اغتصبوا السلطة وهم الآن لا يستطيعون المحافظة عليها حيث أصبحوا في طريقهم إلى فقدانها والي الأبد كما فقدها القذافي وزمرته بعد 42 سنة من الترهيب والقبضة الحديدية وتهديم النسيج الاجتماعي بليبيا، فقدت بسهولة وفي خلال 6 أشهر تم القضاء على القذافي وزمرته من قبل الشعب الليبي والذي رفع السلاح ضد القذافي. ثم أتي من بعده مجموعات كثيرة ومتشابكة المطالب وجميعهم طلاب للسلطة وباي ثمن وهم م أطلقنا عليهم اللاعبين الجدد، كلهم تحقق لهم ما يريدونه سوء على المستوي المناطقى أو الوطني وبعض الأحيان الدولي.

بعض المليشيات تتحكم في مناطقها وتعير فساداً في كل شيء، تقفل المستشفيات والطرق والأماكن العامة ومن بهذه المليشيات يعتبرون أنفسهم فوق القانون، يتحكمون في مقدرات تلك المدن سوء المالية أو الخدمية ولا يستطيع عميد أي بلدية عمل أي شيء إلا إذا وافقت عليه تلك المليشيات وأغلب الأحيان هو ومجموعته هم من داخل هذه المليشيات وهم من أتي به إلى هذا المنصب.

أي جميعهم استولي على السلطة بكل سهولة ولم تطبق هذه السلطة فعليا فيما يريده الشعب ولكن طبقت حسب ما يريده هؤلاء الأشخاص، عندما شعروا بأنهم سيفقدون هذه السلطة وجاء المجتمع الدولي مرة أخري هذه المرة بحكومة وليس بطائراته وصواريخه ويريد أن يفرض هذه الحكومة والتي هي في نظري الأنسب في هذا الوقت، لجاءت هذه المليشيات والأخوان المسلمين الى أمرين، قليل من وقف مع الشعب والذي يريد هذه الحكومة وكثير يهدد باستعمال القوة وبعدم دخولها الى طرابلس، لقد شعروا بأن السلطة والتي اكتسبوها بالقوة ولم يستطيعوا تطبيقها، سيفقدونها وهذا ما سيحصل بعون الله، لهذا فقدانها أسهل من نيلها والمحافظة عليها.

ما هو الحل اذاً؟

  1. الحل يكمن في أن تأتي هذه الحكومة إلى طرابلس لأن الزخم الشعبي كبير ومن يعارض يجب أن يحاور ويستمع إلى أفكاره ومطالبه وما يريد ولكن ليس على المناصب، وإنما على كيفية تنفيذ ما تريد الحكومة عمله.
  2. يجب قطع المركزية وأن تشرك المدن في تسير نفسها وتحت سلطة الدولة الليبية، حيت يمنع الانفصال والذي ينادي به الكثيرون.
  3. من اغتصبوا السلطة عليهم أن يعرفوا أن وقتهم انتهاء وعفي عما سلف والبداية في صفحة جديدة مع الشعب الليبي ولا داعي للسباحة ضد التيار فحتما سيغرقون.
  4. الجماعات المسلحة والمغتصبة للسلطة على مستوي البلديات عليهم الانصياع للدولة وأن يكونوا نواة لجيش وشرطة تحمي الوطن والمواطن وإذا قادتهم يرغبون في السلطة، عليهم الدخول في العمل من أجل أنجاح الحكومة ومن بعدها سيكون دستور ويتنافسون مع الآخرين على هذه السلطة حسب صناديق الاقتراع.
  5. الأموال المنهوبة لغرض استمرارية السلطة حسب ما تصوره المخططين لهذا، يجب أن تحصي هذه الأموال ومتابعتها وأراجعها للشعب الليبي وخاصة الكثيرون من قادة المليشيات ومن كانوا بمناصب بالدولة بعد تحرير ليبيا وإعلان انتصار ثورة فبراير يوم 23/10/2011م، هذه الأموال يجب أن تحصي ومن أجرم في حق أي ليبي وليبيا سوف يطرح هذا للشعب وتكون هناك عدالة انتقالية ومصالحة وممكن تأخذ وقت طويل وهذا نحتاجه وعلى هذه الحكومة أن تقوم بتخصيص وقت وجهد للبدء في هذا وبأسرع وقت.

إذا كان مستقبل السلطة في ليبيا يتجه نحو الاضمحلال والتدخل من قبل غير اللاعبين الأساسين، ولا وجود للإدارة الجيدة والدمج لجميع اللاعبين على الساحة الليبية حتما ستضمحل هذه السلطة وتستمر الفوضى الفعالة إلى الأبد.

فهل من الممكن والمتوقع أن تتجه ليبيا إلى الاستقرار من جديد وتبدأ عملية بروز الدولة المدنية في ضل كل المعطيات الحالية وخاصة المعطيات الروحانية والقبلية والجهوية وفقدان الانتماء للوطن، القوة دائما تتمحور في عقول طالبي السلطة وهم دائما متوهمون بأن نيل السلطة من أسهل الأشياء ولكنهم لا يعرفون بأن استعمال القوة لتطبيق سلطتهم لن تنفع وسوف تولد تيار عكسي ضدهم لأن الشعوب لا تهزم ولن ترضخ للظلم والقتل والتدنيس وإهدار كرامتهم، لهذا فقدانهم السلطة أسهل بكثير من نيله لأن الاستبداد ومحاولة استعمال العنف ضد الشعوب لن تستمر وهي أسهل الطرق لفقدان السلطة لأن من نهبوها لهم طموحات شخصية ليس إلا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً