ديمقراطية “رومي وإلا نكسر قرنك” وقانون العقوبات!!

ديمقراطية “رومي وإلا نكسر قرنك” وقانون العقوبات!!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

يبدو أن الثقافة الإقصائية المتجذَرة فينا غير قابلة للانكسار أو حتى للالتواء!! عملا بمفهوم المثل الشعبي “رومي وإلا نكسر قرنك” فمن اجل أن تقبل “معزتنا” بجدي ليس وليدها قد تتعرض لكسر احد قرنيها او الاثنين معا لان قرار “الترويَم” قد أتخذ ولا رجعة فيه!!..هذا وللأسف حالنا بالأمس واليوم وربما غدا, ففي كل تعاملاتنا السياسية لازلنا مقيدين بهذه القاعدة الفقهية الليبية بامتياز! بمعنى انه لامجال للحوار والنقاش وقبول رأي الآخر لأي منا اذا ما تقلَد منصبا او موقعا قياديا في اي مستوى!

بالأمس كان القذافي يقدم رأيه وفكره في الديمقراطية الشعبية ويفرضه على الليبيين دون مراعاة لرؤيتهم او وجهات نظرهم وكان يرفض بل يعاقب كل من يخالفه الرأي معتبرا رأيه هو الصحيح دائما وغيره الخطأ, وبلغ به التشبث بالرأي حدا جعله يرفض حتى رأيا يوافق نظريته في بعض الأمور لمجرد انه صدر من غيره من المواطنين!! واليوم يتكرر المشهد السياسي حين يتمسك الساسة سواء في المؤتمر الوطني أو الحكومة أو من يعارضهم برأيهم ولا يقبلون غيره بنفس الحجة التي كان يستخدمها القذافي: “الحرص على الشعب برؤية تفرديَة شاملة لايبصرها الآخرون!” هذه الروح الأبوية هي تراكمات ثقافة سلبية تعيشها المنطقة العربية عموما وليبيا على وجه الخصوص, فهل نحن دائما محتاجون لرعاية وقيادة الأب أو الأخ الأكبر!؟

لقد حكم القذافي ليبيا طيلة أربعة عقود ضاربا عرض الحائط بالقوانين المدنية والعسكرية التي منها ما عطلت ومنها ما ألغيت ومنها ما بقيت لكنها بدون تفعيل. واستمر يحكمنا بمزاجه الشخصي ورؤيته الخاصة ولو تطلب ذلك تعديل القوانين او حتى إلغائها. وحين جاءت ثورة فبراير وأحس بحجم الخطر الذي أصبح يهدد عرشه بعدما فقد السيطرة على المنطقة الشرقية تماما أراد أن يقدم رسالة إنذار الى الليبيين في المنطقة الغربية ولان الموقف مراقب ومكشوف عالميا أدرك انه بالإمكان توجيه تلك الرسالة من خلال مسار شرعي يتمثل في استحضار قانون العقوبات الليبي واستغلال بعض مواده في صالحه لمعالجة الموقف والقصاص من الثائرين المطالبين برحيله لردعهم وتخويفهم فكان ان قرأ على الهواء مباشرة نصوص بعض المواد ومنها المادة رقم 195

السؤال هو لماذا يحدث التعديل الآن تحديدا في ظل وضع محتقن ومطالب شعبية برحيل المؤتمر؟! هل أدركتم معي مدى التشابه في الحالتين؟! وهل لاحظتم ان كلمة “الرحيل” هي العامل المشترك في هذه المعادلة السياسية؟! فيا للسخرية هاهو مؤتمرنا الوطني يكرر نفس السيناريو علينا اليوم حين يتكئ على نفس القانون شاهرا نفس المادة 195 بعد تعديلها انتقائيا في وجه من يطالب برحيله! لقد استفزني الأمر لدرجة حسبت فيها إنني في حلم!. فما أشبه اليوم بالأمس حين تستخدم نصوص القوانين أداة لتمرير وفرض الرؤى بالقوة لكبح حقوق الشعب المشروعة في التعبير ومطالب التغيير السلمي وهنا يتجسد مثلنا الشعبي “رومي وإلا نكسر قرنك” فأما أن يرضى الجميع بما يريده المؤتمر وأما فان كسر قرون او رؤوس الشعب يصبح أمرا مشروعا بحكم القانون!! فهل هذه هي الديمقراطية التي نريد؟!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً