خواطر في النَّقْدِ

خواطر في النَّقْدِ

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ» رواه الترمذي وسنده جيد .

أن يرى الإنسان وجهه في المرآة هذا نوع من النقد.

وهنا لدي وقفات مع لفظ المرآة.

1- أن المرآة هنا صافيه تنعكس فيها الأشياء الموجودة على وجه الإنسان بدقة وأمانة، فهذه المرآة لا يمكن تظهر فيك عيباً ليس منك، إذاً ليس من النقد أن يحاول الإنسان أن يلبس الآخرين بعيوب هم منها برآء وقد يكون هذا بسبب قلة التثبت مثلاً أو بسبب الهوى أو بسبب الحسد أو غير ذلك من المعاني،

2- المرآة متزنة ينعكس فيها الجيد والرديء بمعنى أنه يبين فيها الجوانب الطيبة عند الإنسان والجمال كما يبين فيها القبح يبين فيها الخير كما يبين فيها الشر.

إذاً من الخطأ أن نستدل بهذا الحديث دائماً في جانب المؤاخذة وفي جانب العيب، وإنما يُستدل به في جانب الثناء والإطراء ، وبعض الناس قد يثقل عليه أن يمدح الآخرين ويثني عليهم، بينما هذا من المروءة ومن الإنصاف ومن الدين أن الإنسان يعود لسانه على الثناء على الناس خصوصاً حينما يكون بينه وبينهم نوع من التقارب أو نوع من المنافسة في بعض الأشياء فيثقل على النفس أن يثني عليهم والواجب أن يعوِّد الإنسانُ نفسَه على أن يثني خيراً على إخوانه المسلمين خصوصاً من قد يظن أن في قلبه عليهم شيء أو قد يكون في قلبه عليهم شيء.

3- المرآة كتومة لا يمكن أن تقوم بوشاية أو نقل عيوب الإنسان وهكذا الناقد الصادق البصير لا يمكن أن يحول عيوب الآخرين إلى مجال للتشبع بها في المجالس والحديث والقيل والقال وأن يملأ فمه ويتمضمض بعيب فلان وذم علان وإظهار أشياء كثيرة.

4-المرآة أيضاً تظهر ما ظهر وتترك ما خفي، وهذه من خصال المؤمن أنه لا يتحول إلى عيَّاب يبحث عن الزلات والعثرات والعيوب ويكشف عنها ويتلصص، وإنما يحاول أن يستر على إخوانه المؤمنين وألا يبحث عما ليس بظاهر.

5- المرآة بلا ذاكرة ما يمكن المرآة إذا رأيتها اليوم تقول أنت أمس وقفت أمامي وكان فيك كذا وكان فيك كذا ؛ إنك قد تنتقد شيئاً رأيته اليوم لكن تنساه بكرة، لا تحاول أن تجمع ركاماً من الأخطاء والعيوب والزلات بحيث أنك كلما رأيت إنساناً حاولت أن تحسب عليه ما مضى وما لحق وما سبق من المؤاخذ والعيوب.

هذا المعنى المتزن في النقد الذي يشمل بيان الجوانب الإيجابية وبيان الجوانب السلبية ومحاولة السعي في التصحيح نقد إيجابي بناء وليس نقداً سلبياً هداماً يعني لا يقصد النقد تدمير الآخرين بقدر ما يقصد الإشادة بإنجازهم والمطالبة بالمزيد .

النقد ليس بالضرورة أن الناقد مصيب والمنقود مخطئ قد يكون العكس قد تنتقدني على أمر والصواب معي أو أنتقدك والصواب معك، فهنا النقد يشير إلى قضية الاختلاف ولكن من خلال الاختلاف ينبثق النور في تلاقح وجهات النظر المتعددة ولذلك كما تنتقدني من حقي كذلك أن أنتقدك، والله -سبحانه وتعالى- قال: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:3)، يعني ما قال: (أوصى بعضهم) وإنما (وَتَوَاصَوْا) يعني توصيني وأوصيك وتنتقدني وأنتقدك فالنقد ليس حكراً لفئة معينة تنتقد الآخرين وهي معصومة أو عرية عن النقد أو محفوظة عن النقد ، لا، تَنْتَقد أنت وتُنتَقد والنقد نفسه يحتاج إلى نقد أيضاً .

كذلك فيه جانب التوازن بذكر الجوانب المشرقة والجوانب المظلمة. فعملية التبادل هو جزء من التعاون على البر والتقوى والتناصح في ذات الله -سبحانه وتعالى- .

النقد فيه جانب التجربة والتصحيح لأن الحياة البشرية والأفراد لا يمكن أن يكونوا كاملين ولا يبدءون كاملين الإنسان يبدأ صغيراً ثم يكبر فالنقد هو عملية التجربة والتصحيح والتعاون على هذا المعنى.

طبعاً لو تخيلنا النقد بهذا المفهوم سنجده انجازاً عظيماً يعني أننا جميعاً نسعى إلى بلوغ الغاية وبلوغ القمة من خلال التدافع في هذا السبيل والتعاون والتساعد وكل واحد يأخذ بيد الآخر، لكن لو تخيلنا الناقد بالمفهوم السلبي كل واحد يحاول أن يضع رجله في طريق الآخر حتى يعثر ويسقط فنتيجة لذلك سوف يكون الطريق طويل وصعب والناس يعوق بعضهم بعضاً.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً