ايها الليبيون تصالحوا قبل ان تبكوا على أطلالها!

ايها الليبيون تصالحوا قبل ان تبكوا على أطلالها!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لا ننكر على الليبيين انتفاضتهم  ضد نظام حكم القذافي، وهم يطالبون بتحسين ظروفهم وأحوالهم، فقد كانت مطالبهم عادلة ومحقة وهم ينشدون التغيير للأفضل، ولم يكن سقف مطالبهم يتجاوز اجراء تغييرات وتحسينات تمس حياتهم اليومية ماليا واقتصاديا ومعيشيا، في مستوى مقبول من الخدمات في التعليم والصحة وغيرها مستنكرين مثلا رحلاتهم للعلاج الى كل من  تونس ومصر او الاردن برغم فارق الامكانات المتاحة لهم قياسا على تلك الدول التي انتفض شعبها واسقط حكامه.!

الا ان المتربصين وجدوا ضالتهم في تلك الانتفاضة، داخليا وهم المتشددون الدينيون الذين قاتلهم النظام والجم حركتهم، وخارجيا اولئك الرهط من المعارضين الذي جمعتهم عداوة القذافي، وعاشوا مهاجرين خارج ليبيا طيلة عقود ثلاثة. المتربصون كذلك كانوا اعداء القذافي من سياسي وحكام الغرب مثل امريكا وبريطانيا وفرنسا، والذين استطاعوا ان يضموا اليهم الكثير من الدول الاخرى بما فيها بعض الدول العربية! ان ما جرى في ليبيا لم يكن مخططا له في نظري كما يدعي البعض، لكنه كان استغلال للفرص في الزمان والمكان المحددين! فمن الطبيعي بحكم المنطق ان ينتهز المتربصون الفرصة حين تاتي ولا يتركوها! ان انتفاضة الشعوب العربية فاجأت الجميع بدءا من تونس مرورا بمصر ثم ليبيا واليمن وسوريا ولم يكن احد يتوقعها فالظروف كانت مهيأة والحكام انفسهم من هيأها!

لقد افرز الوضع الليبي بعد فبراير الكثير من المعطيات التي تفرض نفسها، لذلك يستوجب التعامل معها كما هي وعدم الانجرار وراء عبث الاقصاء والعناد الدافع الى أحقية وهمية بسيطرة هذا الطرف او ذاك!، علينا ان نعترف ان الشعب الليبي انقسم على نفسه بين مؤيد للنظام السابق ومؤيد لفبراير، وان حجم الطرفين ليس بالسهولة تجاهله او اقصائه كما يتوهم البعض!، واهم كذلك من يظن انه بالإمكان عودة نظام القذافي بعلمه الاخضر ونشيده من جديد!، وواهم كذلك من يظن ان بمقدور مؤيدي فبراير حكم الشعب الليبي بعلمهم ونشيدهم وان كان مرتبطا بالاستقلال!، فما حدث من اقتتال اهلي بين الاخوة الاشقاء خلال احداث فبراير وما بعدها، طمس كل معالم مملكة ادريس المتحدة وعلمها ونشيدها!، كما طمس ايضا جماهيرية القذافي العظمى وعلمها ونشيدها!. فانقطعت كل وشائج القبول الطوعي بواقع التغيير الذي جاء معاكسا بالأسوأ بدلا عن الأحسن الموعود!

بعيدا عن سياسة المغالبة والإقصاء وشعورا بالمسئولية الوطنية لليبيين، لم يعد ممكنا الا القبول بوضع توافقي يشمل كل الليبيين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية واحتوائهم في مشهد سياسي شامل، يستوعب الجميع دون تمييز من منطلق الشراكة الوطنية والمواطنة، فلا مجال بعدئذ الى التشبث بأي رموز لهذا الطرف او ذاك! ان الخطر الداهم الذي يواجه ليبيا اليوم لا يستثني اخضرا او مخططا! فهو اكبر من اعتبارات الرمزية في قطعة قماش اونشيد تردده الالسن! . انه الخطر القادم من وراء الحدود الدينية والسياسية والوطنية، انه التطرف والغلو والتشدد الذي  لا يميز بين غث او سمين  وبين صغير او كبير او بين سبتمبري وفبرايري!

انه لا مندوحة امام الليبيين اليوم الا التنازل عن عنادهم ووهمهم، والركون الى التصالح الفوري وبدون شروط، اجل التصالح ولا شيء غيره ينقذ ما تبقى من ليبيا التي تتآكل مطلع كل يوم جديد!، التصالح ذلك  البلسم الذي يضمد الجراح و الاكسير الذي يبعث الحياة في جسد انهكته الخطوب حتى قارب عن الاندثار! التصالح الذي يأتي امتثالا لقول الله سبحانه وتعالى  (… والصلح خير .. وقوله … فمن عفى واصلح فأجره على الله)، التصالح الذي يطوي صفحة سوداء قاتمة من تاريخ ليبيا المعاصر، ارادها المتربصون بنا فتلا وتشريدا وتهجيرا، مظلمة كظلام عقولهم الدامس البهيم!

ان المصالحة التي يحتاجها الليبيون الآن هي المصالحة الوطنية الصادقة، التي تطوي صفحة هذا الواقع المؤلم وتفتح صفحة جديدة تبدأ بتغليب مصلحة الوطن العليا، والتنازل بشجاعة من كل الاطراف عن جملة من المظالم التي ارتكبت من هذا الطرف او ذاك لصالح الالتقاء حول نقاط توافق وطني تجمع ولا تفرق تلم ولا تشتت، بؤرتها وطن واحد اسمه ليبيا ومركزها انتماء واحد وعقيدة اسلامية واحدة وحدودها مصير واحد مشترك، بعيدا عن العناد ليس عسيرا ان تلتقي القيادات الفاعلة من كل اطياف الليبيين تحت سقف الوطن وفوق بساطه، تضمد جراحها وتشمر سواعدها لخوض معركة الوطن السامية اعمارا وبناء فالمصالحة الوطنية الليبية هي السهل الممتنع، فقط نريد شجاعة الكرماء ومروءة النبلاء، وإذا  لم ترتقوا بتفكيركم وتسموا بعواطفكم وتتصالحوا، فاستعدوا ايها الليبيون  لتبكوا على اطلالها!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً