غاب التوافق فحضر التحاصص في حكومة الأمر الواقع!

غاب التوافق فحضر التحاصص في حكومة الأمر الواقع!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد اعتقدنا مبكرا ان فرص النجاح للحوار ضئيلة وقد تكون مستحيلة الا اذا حدثت المعجزة! واذا المعجزة لم تحدث فان الفشل كان ويكون نتيجة منطقية وفقا لمعطيات الواقع ومجريات الاحداث، فقد كانت الفجوة بين طرفي الحوار كبيرة ومتسعة، ولم تنجح المحاولات المتعددة في جسرها بالكامل، وخاصة بعد التغيير المفاجيء في ممثلي وفد المؤتمر، فتلك  كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وبدأ واضحا ان الحوار قد اريد له ان يفشل ويتوقف اذ كانت تلك بمثابة مناورة سياسية من المؤتمر الوطني لتمرير الوقت وصولا الى تاريخ 20 -10-2015 وهو موعد نهاية ولاية مجلس النواب حسب الاعلان الدستوري المعدل وفقا للجنة 17 فبراير!

لقد اخطأ ليون حين استخدم موعد 20-10 كورقة ضغط على الطرفين على اساس انهما سيتساويان في الشرعية بعد ذلك الموعد لإجبارهما على التوافق والتوقيع على المسودة، وفاته ان ذلك كان بمثابة اعطاء الضوء الاخضر لمتشددي المؤتمر الوطني لإعادة الاعتبار له حينما يتساوى مع مجلس النواب بعد ذلك التاريخ، وهو ما دفع وفد المؤتمر لمزيد التعنت والتشبث ومحاولة إملاء شروطه، لقد كانت تلك هفوة وقع فيها ليون وهي وللأسف ما دفعت وأكدت على صيرورة فشل الحوار. لقد كان ممكنا التوصل الى توافق بالحد الادنى، لو لم يتبنى ليون ذلك الموعد او انه استمر في تأكيده بالاعتراف بمجلس النواب حتى بعد ذلك الموعد..الامر الذي كان سيكون ورقة ضغط حقيقي يدفع  ولا شك الى مرونة اجبارية من وفد المؤتمر وما كان ممكنا  عندئذ تغيير وفد المؤتمر وبقاء الاعضاء السابقين.

لكن ليون ادرك اخيرا ان التلويح بتاريخ 20-10 وان استخدم كورقة ضاغطة على وفد البرلمان وهو ما دفعه لتقديم بعض التنازلات! الا انه لم يكن كذلك بالنسبة للمؤتمر!، بل ان المؤتمر قد استثمرها قصد تمرير الوقت، لذلك قرر ليون ان يقطع الطريق امام المؤتمر باستباق اعلانه قفل باب الحوار قبل 1-10-2015 وإصراره على ضرورة تسمية الحكومة قبل ذلك التاريخ وهو ما قام به ليلة الجمعة الموافق 9-10-2015 حين تم تسمية حكومة ما يسمى بالوفاق الوطني بدون تقديم اسماء المرشحين من المؤتمر الوطني رسميا! في اشارة واضحة الى التزام المجتمع الدولي بالمهلة التي منحت لأطراف الحوار وعدم القابليه للمماطلة والتأجيل.

ان نتيجة الحوار الليبي قد بينت ولا شك حجم التدخلات الاجنبية على ساحة الصراع الليبي والتي كانت مختلفة ومتباينة وهو ما زاد من تأزم الموقف. لقد كان ممكنا اختصار عمر الازمة الليبية وإيجاد او حتى فرض الحلول لو كانت الدول المتدخلة في الشأن الليبي متوافقة، لكن اختلاف الاطراف الدولية هو الذي دفع الى استمرار الانقسام الليبي، فمثلا كان ممكنا ان تعلن تلك الدول عن موقف واحد حيال اشكالية شرعية اي من البرلمان والمؤتمر، وكان بمقدورها اعلان ذلك وبوضوح ومن ثم التعامل مع الطرف المعترف به ورفض الطرف الآخر، الا ان مساندة بعض الدول لهذا الطرف وبعضها للطرف الاخر حالت دون ذلك واستمرت في تعاملها مع الطرفين وفقا لاجندتها الخاصة دون مراعاة لموقفها الرسمي المعلن من شرعية البرلمان لا المؤتمر ما دفع الى مزيد الانقسام والاختلاف بين الليبيين!!

اذا النتيجة لم تكن مستغربة فالمستغرب هو ذلك الحجم من اللوم والذم للسيد ليون! من قبل كل الاطراف التي شاركت في الحوار بما يثبت انهم جميعا كانوا على قدر كبير من الانانية المفرطة، التي جعلتهم يتوهمون ان مطالبهم يجب ان يؤخذ بها دون اعتبار لمطالب شركائهم الآخرين من بني جلدتهم التي حتما ومنطقيا ستتقاطع مع بعض مطالبهم ويستحيل عندئذ تلبيتها جميعا! الغريب ايضا هو عدم الاقتناع بأنه طالما لم يكتب للتوافق النجاح فأن مهمة ليون كطرف محايد ستكون حتما التعامل مع الواقع ومراعاة كل الاطراف بغض النظر عن هذا وذاك وبما لا يتعارض مع اجندات الدول الكبرى التي هي واقعيا الطرف الثالث الاقوى في احجية الحوار الليبي! لذلك حين فشل الحوار في الوصول الى حالة توافق يكون منطقيا ان ينجح ليون في تسمية حكومة تحاصص سياسي ومناطقي!، انها حكومة الامر الواقع! التي وان اختلف حولها الليبيون اتفق عليها  الكبار لذلك قرروا دعمهم لها ويحثون على قبولها! اذا وهذه الحال، لا خيار امام المؤتمر والبرلمان الا التصديق عليها اوسحب الاعتراف وفقدان الشرعية الدولية!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً