رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم

رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم

د. أحمد معيوف

باحث أكاديمي ليبي

رسالة مفتوحة إلى:

وزير التعليم  الدكتور عثمان عبد الجليل

رئيس المجلس الرئاسي السيد فائز السراج

[su_quote cite=”جيمي كوربن/ رئيس حزب العمال”]من أجل الأغلبية وليس القلة[/su_quote]

السيد الدكتور عثمان عبد الجليل

وزير التعليم/ حكومة الوفاق

تحية طيبة وبعد

لقد اطلعت على قراركم رقم (1047) لعام 2017 بشأن شروط اصدار قرارات الايفاذ للدرسة العليا بالخارج. كما شاهدت اللقاء التلفزيوني الذي استعرضتم فيه هذا القرار وتناولتموه بالشرح. واود ان اصارحك القول باني لا ارى حكمة في اصدار مثل هذه القرارات، كما ان لقائكم التلفزيوني لم يبين الحكمة والمغزى المأمول من اصداره، بإستثناء ما تضنونه تكريس لمبدأ تكافؤ الفرص.

القرار يفتح ابواب من الإنفاق لا تستطيع الحكومة ولا الدولة ان تتحمله في الظرف الراهن، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لن يحقق الكثير مما يرجى منه حتى على افتراض ان الدولة قادرة على تحمل المصاريف التي يتطلبها القرار. ونقطة اخرى، وانتم بحكم منصبكم ربما تدركها اكثر من غيرك، بان الضوابط التي وضعتها متوخيا ان توفر تكافؤ الفرص لا يمكن ان تتحقق، فالمستفيد بالدرجة الاولى سيكون، شئت ام ابيت، اولائك الذين يعرفون من اين تؤكل الكثف.

في نقاط ساحاول ان ابين اوجه اعتراضي وبدئلها:

  1. الوضع السياسي للبلد غير مستقر، وقد يؤدي عدم استقرارها الى عدم الالتزام بمستحقات هذه القرارت، وبالتالي لا يتحقق المرجوء منه، ويؤزم وضع الموفد.
  2. كان على القرار ان يراعي حاجة السوق الليبية للعمل في مختلف التخصصات، وفي حدود ما اعلم لم تعمل الحكومات السابقة للثورة على بحث هذا الامر، ولم تمكن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة على دراسته بعد. لذلك لا اعتقد ان وزارة التعليم قادرة على تحديد اولويات وحاجيات السوق الليبي الى تخصصات بعينها دون اخرى في الوقت الحالي.
  3. الجامعات الليبية اخرجت اعدادا كبيرة من المتحصليين على اجازة جامعية في مختلف التخصصات، ونسبة عالية من الخريجين لم يتم تعينهم بعد. وبالتالي فان سوق العمل الليبي مترهل ولا يستطيع ان يستوعب اعداد اكبر. لذلك فالتفكير في استعاب هؤلاء الخريجين وتطوير قدراتهم افضل من اتخام سوق العمل باضافة اعداد اخرى من الخريجين.
  4. القرار مفتوح لطلبة الدراسات العليا والجامعية، وهذا يعني ان عدد كبير سيتقدم للحصول على هذه المنحة، واذا اعتبرنا نسبة النجاح ومتوسط درجة النجاح للمتقدمين، فالارجح سيكون عدد المستحقين كبيرا جدا. والسؤال: كيف يتم المفاضلة بينهم؟ وكم العدد المستهدف للايفاد لكل المستويات، وفي كل التخصصات؟
  5. متوسط كلفت الدراسة في بريطانيا مثلا لطالب واحد تقدر بحاولي 25 الف جنية استرليني سنويا، متضمة مصاريف الدراسة والاقامة، وعلى ادنى تقدير اتوقع ان يصل عدد المستحقيين للايفاد من كافة الجامعات والمؤسسات الليبية الف طالب. اي ان الكلفة السنوية سترتفع الى ما يزيد عن 25 مليون جنية استرليني سنويا، واذا قدرنا ان متوسط عدد سنوات الدراسة سيكون على احسن تقدير، وبناء على التجارب السابقة، 5 سنوات. اذا سيصل ما سيتم صرفه ما يقرب من 125 مليون جنيه استرليني، لا تتضمن جملة من المصاريف التي تتكفلها الدولة كالضمان الصحي وتذاكر السفر والمعاملات الاخرى.
  6. على افتراض ان الطلبة سيتم قبولهم في جامعات على مستوى عالي، فإن فرص حصولهم على وظائف في دول الدراسة سيكون عالي، وبالتالي فإن نسبة كبيرة ستتمكن من الحصول على وظائف في دول الدراسة او دول اخرى، وبالتالي لن يتم الاستفادة منها، وهو امر ضد ما هو مأمول من القرار.
  7. هذه المبالغ بالامكان، ان استطاعت الوزارة توفيرها، ان يتم صرفها في تحسين الجامعات الموجودة وزيادة قدراتها الاستعابية، وتزويدها باخصائيين من الدول المتقدمة تساهم في تطوير مناهج التعليم والبحث. وستكون فائدة صرف هذه المبالغ محليا اكبر واجدى في توطين العلم والمعرفة ونقل الخبرة.

وفي الختام اود ان اوضح الاتي:

  1. تحتاج الدولة، قبل ان تفكر في فتح باب الايفاد، ان تعمل على وضع اليات صارمة للايفاد بالتعاون مع الجامعات الليبية، وان تطور نظام متابعة الموفوديين عن طريق لجنة البعثات ومكاتب الملحقيات الثقافية بالدول المضيفة.
  2. لقد سبق وان تقدمت بمقترح بهذا الخصوص الى السيد الدكتور محمد حسن أبوبكر وزير التعليم الاسبق في حكومة زيدان، وكذلك الى السيد الدكتور هلال العزابي وزير التعليم السابق في حكومة الوفاق، ورغم ان الوزيريين ابديا ترحيبيهما وتقديريهما للمقترح الا انهما لم يعملا على تفعيله او الاستفادة منه. وقد تضمن المقترح آليات ترشيح المؤفد، وبرنامج تأهيله قبل الافاد، ومتابعة الدارسيين بالخارج.
  3. على الدولة ان تقلل مصاريف الايفاد، وذلك عن طريق التعامل مباشرة مع بعض الجامعات، او عن طريق ايفاد الطلبة الى الدول مجانية التعليم (او ذات الرسوم الرمزية) كما هو الحال في بعض دول اسكندنافيا والمانيا وفرنسا.

ان الدول التي تتأزم اقتصاديا تسعى الى تقليص مصروفاتها والاحجام عن فتح ابوب جديدة للصرف، وفي تسعينيات القرن الماضي عندما مرت فنلندا بازمة اقتصادية كان احد الاساليب التي اتخدتها في تقليص الانفاق هو قفل العديد من سفارتها بالخارج. وليبيا حاليا متأزمة جدا، لذلك ارجوا من السيد الوزير ان يضع هذه النقاط في اعتباره وان يحجم عن فتح هذا الباب لما عليه من مأخد، وما قد يترتب عليه من سلبيات لا تستطيع الدولة تحملها في الوقت الراهن. كما اتمنى من الدولة ان تعمل على تقليص بعثاتها بالخارج حتى تستطيع ان تفي ببعض متطلبات الداخل، وان لا تجعل من الصرف في غير محله استرضاء لفئات محدودة وعب على الجميع. يعجبني الشعار الذي حمله جيمي كوربن في حملته الانتخابية والذي يقول “For the Many Not to The Few”،  والذي يعارض به حكومة المحافظين التي تعمل حسب اعتقاده من اجل قلة.

هذا القرار سيخدم فئة قليلة جدا لن تستفيد منها الدولة، وسيكون عبء على الجميع.

والله من وراء القصد

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. أحمد معيوف

باحث أكاديمي ليبي

اترك تعليقاً