صيف تركيا بنكهة الربيع العربي!

صيف تركيا بنكهة الربيع العربي!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

أزهرت بعض ثورات الربيع العربي مبكرا في تونس ومصر ولم يتأكد بعد ما إذا كانت الزهور حرشفية او ناعمة! وذلك بالطبع متروك للزمن وما تخبئه الأيام القادمة, لقد ترعرعت ثمار بعض تلك الثورات غضة خلال بضعة أسابيع فكان ان غادر بن علي تونس هاربا! وغادر مبارك السلطة متنازلا تحت ضغط الشعب. وطالت سجالات الأطراف بين مؤيد ومعارض في اليمن! الى ان نضجت طبخة تنحي علي عبد الله صالح وتولي نائبه كرسي الرئاسة. في ليبيا كانت فترة الإزهار معقدة وصعبة, حيث تقاتل الأخوة في معارك طاحنة أسفرت عن آلاف القتلى والجرحى وخلفت بذلك حالة من الاحتقان والكره المتبادل بين طرفي النزاع لذلك كانت الثمار بطعم مرارة الهزيمة من طرف ممزوجة بطعم حلاوة الانتصار للطرف الآخر!

وفي سوريا لم تنضج الثمار بعد برغم توالي فصول السنة وتكرار مجيء الربيع للعام الثالث على التوالي! الآمر الذي لا أجد فيه حسما بالنتيجة لمجريات الأحداث في سوريا ومن يدري فقد تكون الثمار في سوريا مختلفة عن باقي دول الربيع العربي! اذا لم يكن هناك مجالا إلا لثمرة من النوع القديم الجديد بلون ورائحة بشار الأسد! الذي لا يزال صامدا ممسكا بتلابيب السلطة! وفي ذلك سيختلف المحللون بين راض ومتأسف! الرضا ومصدره تمكن سوريا من اجتياز محنتها برغم هذا الكم من الضحايا من الطرفين وعدم انفلات الأمور وانتشار الفوضى وبالتالي إمكانية إعادة الأمن والاستقرار في ظل مؤسسات قائمة أصلا وان أنهكتها الحرب! ومتأسف على تلك التضحيات التي ذهبت دون ان يقع التغيير بالمفهوم الثوري المباشر والذي يعني الإطاحة بنظام بشار وإحلال بديلا عنه!

قد لا يوافقني البعض إذا قلت انه بالنظر إلى الحالة الليبية وما تمخض عنها من فوضى وعمليات انتقام وانفلات امني ان من لطف الله بالسوريين ان لا يسقط نظام بشار تحت فعل القوة – لاعتبارات طائفية ودينية لم تكن في ليبيا- وان يكون ذلك من خلال الحوار والمفاوضات بما يوفر بيئة مناسبة لتغيير سلمي للسلطة لا مهزوم فيه ولا منتصر بل الجميع إخوة شركاء في الوطن وصنع القرار وان يغادر بشار السلطة كما غادرها علي صالح بهدوء في حالة توافق وطني يضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات العرقية او الطائفية او الدينية! ليشرع الباب أمام عملية إصلاح جوهري خال من القطبية محوره الشعب الواحد الموحد في دولة محورية تتقاذفها سياسات العالم كله!.

الربيع السوري الذي طال أمده ويزداد سخونة ربما يكون سببا في نقل الأحداث الى ما وراء الحدود لنجد صيفا يلفح بحرارته الجارة تركيا والتي لم تدخر حكومتها جهدا من اجل مؤازرة الثوار ضد نظام بشار! فهل تمكن النظام السوري من تحويل رياح الثورة الى الجارة تركيا بنكهة صيفية ليجد النظام التركي نفسه مشدوها مما يجري وكأني به يعيد مشهد كل الأنظمة التي شملتها رياح التغيير من خلال نسيم الربيع الذي كان عربيا بامتياز! ولهذا كانت تصريحات الحكومة التركية بأن من وراء أعمال الاعتصامات والتظاهر الذي تشهده تركيا هذه الأيام عناصر أجنبية! قيل أنهم قبضوا على بعضهم وبنفس جوقة الأنظمة في تونس ومصر ثم ليبيا واليمن وسوريا! أليس ذلك تكرار باهت لمسرحية هزلية لا يمكن لأحد تصديقها؟!

ترى هل سنشهد في الأيام القادمة تفعيلا قويا للصيف التركي يهز كيان النظام القائم ويجبره على التنحي ام ان الحنكة الاردوجانية ستكون قادرة على احتواء الموقف ومعالجة الأمور! الأيام حبلى بالجديد الذي قد نشهد فيه استخدام للقوة العسكرية ونزول للجيش في الشوارع لحسم الأمور, لننتظر ونعرف هل يقوى اردوجان على تحمل رياح الصيف الحارة وهي تلفح وجه تركيا الرطب الندي!؟ أم أن الرياح ستعصف بكل من يعترضها وستتهاوى أمامها كل الصروح التي حسبناها راسخة ومتجذرة , لنصل إلى نتيجة فحواها أن الشعوب وان كانت وحدها القادرة على التغيير وتمتلك القوة الكامنة لذلك لكنها قد تعجز على قيادة التغيير في الاتجاه الصحيح فتبقى تتفرج على مسرح الأحداث الذي صنعته بدمها وعرقها!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً