عمليات اغتيال في دمشق وبيروت.. هل خرجت الحرب عن السيطرة؟

يبدو أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة انتقلت بالفعل إلى مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي حدده مسؤول الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان خلال زيارته للمنطقة عندما تحدث عن “العمليات الدقيقة” بدلا من التوغل البري الواسع.

إسرائيل توغلت بريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وحققت دمارا هائلا في قطاع غزة، وكبدت الفلسطينيين خسائر بشرية كبيرة وصلت لقرابة 23 ألف قتيل وقرابة 60 ألف جريح، لكن خلال الاسبوعين الأخيرين لاحظ المراقبون تصاعد في عمليات الإغتيال التي تنفذها إسرائيل وتستهدف شخصيات على صلة مباشرة بالتخطيط و التنفيذ للعمليات التي تنفذها حركة حماس ضد إسرائيل.

الضربة الإسرائيلية الكبيرة كانت في دمشق عندما اغتالت في 24 ديسمبر “رضى موسوي” كبير المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية ، و الذي تربطه علاقة قوية مع حزب الله و حركة حماس و كان له دور كبير حسب التقارير الإعلامية في بناء القوة العسكرية الإيرانية الموجودة في سورية.

إيران امتصت الصدمة حينها واحتفظت بحق الرد، وكذلك فعل حزب الله، لـتأتي الضربة الثانية وبدقة أكبر هذه المرة، حيث تم اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحكة حماس “صالح العاروري” في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله اللبناني، وكان للاغتيال وقع الصدمة لأن الاختراق كان كبيرا وفي منطقة تعتبر محصنة أمنيا، وحينها اعتبر حزب الله أن السكوت ىعلى هذا الخرق سيؤثر على صورة الردع التي رسمها خلال السنوات الماضية، لكن لم يبادر لتوسيع الحرب بل اكتفى بالرد المعنوي و اطلاق رشقة صواريخ على احدى القواعد العسكرية الإسرائيلية في الجليل، وبقي الموضوع ضمن قواعد الإشتباك السابقة و لم يتغير شيء.

في هذا الوقت قالت مصادر مطلعة بشكل مباشر لرويترز إن إسرائيل تنفذ موجة غير مسبوقة من الضربات القاتلة في سوريا، تستهدف شاحنات بضائع وبنية تحتية وأفرادا مشاركين في نقل أسلحة إيران لجماعات متحالفة معها في المنطقة.

وذكرت المصادر، ومن بينها مسؤول بالمخابرات العسكرية السورية وقائد في التحالف الإقليمي الذي يدعم الحكومة السورية، أن إسرائيل غيرت استراتيجياتها في أعقاب الهجوم الذي شنه مسلحو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول وما أعقبه من عمليات القصف الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وأوضحت المصادر أنه على الرغم من أن إسرائيل عمدت إلى ضرب أهداف مرتبطة بإيران في سوريا لسنوات، بما في ذلك المناطق التي تنشط فيها جماعة حزب الله اللبنانية  فإنها تنفذ حاليا غارات جوية أكثر فتكا وتواترا تستهدف عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا.

وقال القائد في التحالف الإقليمي ومصدران آخران مطلعان على تفكير حزب الله إن إسرائيل تخلت عن “قواعد اللعبة” القائمة على التكتم لضرباتها في سوريا في السابق، ويبدو أنها “لم تعد حذرة” إزاء تكبيد حزب الله هناك خسائر فادحة.

وأضاف القائد “لقد اعتادوا إطلاق نيران تحذيرية، كانوا يضربون بالقرب من الشاحنة، فيخرج رجالنا من الشاحنة ثم يضربون الشاحنة”، وأردف قائلا “انتهى ذلك. إسرائيل تشن الآن غارات جوية أكثر فتكا وأكثر تواترا على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا. إنهم يقصفون الجميع مباشرة. إنهم يقصفون من أجل القتل”.

وأدت الحملة الجوية المكثفة إلى مقتل 19 من أعضاء حزب الله في سوريا خلال ثلاثة أشهر حتى الآن، وهو ما يزيد على مثلي العدد في عام 2023 بالكامل قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول، وفقا لمسح لرويترز. كما قُتل أكثر من 130 من مسلحي حزب الله جراء القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان في نفس الفترة.

ويوم أمس أعلن الجيش الإسرائيلي إنه قتل شخصية رئيسية في سوريا مسؤولة عن هجمات حماس الصاروخية على إسرائيل.

وأضاف أنه “قضى على حسن عكاشة في بيت جن في سوريا، الذي كان شخصية رئيسية مسؤولة عن الصواريخ التي أطلقتها حماس من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية”.

وفي نفس التوقيت قال مصدران مطلعان على عمليات حزب الله لرويترز إن ثلاثة أعضاء في الجماعة اللبنانية قُتلوا اليوم الثلاثاء في ضربة استهدفت سيارتهم في بلدة الغندورية بجنوب لبنان.

ولم يحدد المصدران هوية القتلى، وقالت مصادر مطلعة على عمليات الجماعة إن إسرائيل قتلت قائدا كبيرا في حزب الله في ضربة بجنوب لبنان يوم الاثنين هو وسام الطويل القيادي الميداني المعروف بصلته القوية بحسن نصر الله  الامين العام للحرز، ولم تعلق إسرائيل بعد على عملية يوم الاثنين.

وأمام هذا الاستهداف المكثف لكوادر الحزب العسكرية، أعلن حزب الله اليوم الثلاثاء عن شن هجوم بطائرات مسيرة على مقر قيادة عسكري إسرائيلي في إطار الرد على مقتل وسام الطويل القيادي الكبير ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية صالح العاروري.

وأطلق الحزب بحسب بيان “عددا من المسيرات الهجومية الانقضاضية” على المقر العسكري في مدينة صفد الذي استهدفه لأول مرة.

كل هذه التطورات تشير بقوة إلى أن إسرائيل نقلت الحرب إلى خارج حدود فلسطين، وبدأت تتعامل بشكل مباشر مع الطرف الأقوى في المعادلة بعد أن دمرت إمكانيات حماس وحركتها من إمكانيات شن هجوم مباغت آخر على شاكلة هجموم “طوفان الأقصى “في السابع من اكتوبر الماضي.

ربما تريد إسرائيل إيقاف الحرب، لكنها اليوم تبدو أكثر وضوحا في أهدافها، فهي تريد وقف نقل السلاح الإيراني إلى حماس و حزب الله، وتحرص على أن تمنع حزب الله من تعزيز وجوده على الحدود الشمالية، وربما ترى أنها أمام فرصة كبيرة حضرت فيها واشنطن عسكريا في المشهد لأول مرة، من خلال حاملتي الطائرات الأكبر في الأسطول الأمريكي (آيزنهاور وجيرالد فورد) ولذلك ترى إسرائيل أنها محمية تماما و عليها اغتنام الفرصة.  

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً