فبراير إلى أين؟

فبراير إلى أين؟

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

إلحاقاً إلى مقالتنا الأخيرة: “أين أجسام فبراير المضادة…؟” ومع تأكيدنا على قوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ومع قناعتنا التامة بأن البيئة الخارجية: سياسية، اجتماعية، اقتصادية لها آثارها الإيجابية والسلبية على العقل الجمعي وسلوكيات أي مجتمع، والمجتمع الليبي ليس باستثناء.

تظل إرادة التغيير تنبع من مبادرة التغيير الداخلي فعندما رفضت جموع فبراير في قرارة نفسها ظلم ودكتاتورية النظام الأمني القمعي الكاتم للأصوات المتطلعة لبراح الحرية وفضاء الإبداع والعمل وتحقيق الذات، بدون مناقضة مصلحة نحن، فكانت الانتفاضة وتحقق النصر وتحطم صنم الدكتاتورية.

أما اليوم فالصنم تحول إلى أصنام ومع تعقد عملية التغيير وتحولها لا بد من إعادة ضبط أدواتها، عملية التغيير، ومصطلحاتها لتتناسب وعدد الأصنام المقيدة للحرية والتطلع للتحرر.

لماذا نجحت فبراير في 2011؟

ارتقت إرادة التغير إلى مستوى لا يسمح بالتهاون والرجوع، أو العدول، عن التغيير. وبالنظر في عوامل نجاح فبراير سنجد أنها قد تتلخص في الاتي:

  • توافق العقل الجمعي على مبدأ المواجهة وأنه لا مناص من مواجهة صنم الدكتاتورية والخروج سلمياً، وعندما تجرأت الكتائب الأمنية بمواجهة جموع الشعب برصاص مضادات الطيران (14.50) فكان حمل من استطاع السلاح والنزول لساحة المواجهة المسلحة
  • ساعدت تكنولوجيا التواصل الاجتماعي على تعبئة الناس وتهيئتهم للتوافق على مواجهة طغيان الدكتاتور وكتائبه الأمنية
  • عبثية الدكتاتور وتجاوزه الخطوط الحمراء المرسومة له عجل بقرار المجتمع الدولي إنهاء صلاحيته
  • وقوع ليبيا ضمن مخطط الفوضى الخلاقة التي تستهدف تأمين دولة إسرائيل وأهداف أخرى ربما أهما إعادة التموضع لمواجهة التنين الكونفوشيوسي المتمدد بوسط القارة الأفريقية
  • يظل تأله الدكتاتور وادعائه بأنه الوحيد الذي يرى “لا أريكم إلى ما أرى” سورة غافر أية 29 أخضعه لناموس القصاص الدنيوي

نجحت فبراير في تحطيم صنم دكتاتورية الجماهيرية ووقعت في مصائد مخططات لم تشارك في صياغتها. بل تلك المخططات نظرت إلى فبراير على أنها خادم لمصالحها البعيدة عن الديمقراطية والتحرر من ربق العبودية لصنم دكتاتورية الجماهير. واليوم على أحرار ليبيا مواجهة التحديات التي تعرقل سبيل الوصول إلى أهدافهم النبيلة والمتمثلة في السعي إلى أن يعيش الشعب الليبي في حرية وبمسؤولية.  وللوصول إلى أهداف العدل والقانون وكرامة الإنسان الليبي فقد يحتاج ذلك للخطوات التالية:

  • تجديد النية بالتغيير من الداخل لأنفسنا والحرص على العمل الصالح أولا وليمتد التغيير والعمل الصالح إلى من نصل إليهم ممن حولنا ثانياً
  • إعادة صياغة آليات التغيير، ففي عام 2011 كان هناك صنم واحد وله كهنة ومريدين انتهوا بمجرد سقوط الصنم إلا أن المتاجرين بهذا الصنم مستمرين للحفاظ على مصالحهم فمعظمهم ممن يملكون مفاتح خزائن ليبيا.. واليوم المواجهة ضد عديد الأصنام من كهنة ومريدين رقوا أنفسهم وأصبحوا أصناماً ولهم مريدين وكهنة
  • طبيعة النفاق التي تميز بها أغلب أنصار الدكتاتور الصنم منحت البعض منهم القدرة على لباس رداء انتفاضة فبراير وسذاجة غالبية أنصار فبراير صدقوا هؤلاء المنافقين
  • جناحي ليبيا الغد، العلماني والإسلامي، تذوقوا طعم المصالح الشخصية واليوم لا نستغرب البعض منهم أراد أن يكون هو أيضاً صنماً للحفاظ على مصالح الشخصية
  • تعفف معظم أحرار فبراير من الوصول للسلطة والمشاركة فيها سواءٌ عبر الانتخابات أو بطلبات الترشح لمناصب قيادية
  • العمل على توسيع دائرة التشبيك مع أنصار الحرية والعمل الصالح وتوجيه قدرات الخير لأهداف واضحة تبني مستقبل واعد لليبيا
  • قراءة ما يحصل في العالم وتجنب العزلة والتي تتطلب المشاركة في اعمال الخير الإنسانية فمع كل المخططات المفسدة للعالم هناك من يعمل لينتصر الخير على الشر

الخاتمة:

في لوم لأمريكيا أستدعى الكاتب مقولة  للفيلسوف تولستوي يقول فيها: “الجميع يفكر في تغيير العالم ولكن لا يفكر في تغيير نفسه” وهذا يحتاج منا ومن أحرار فبراير تغيير ليبيا وهذا يتطلب تغيير أنفسنا وصدق ربنا سبحانه وهو يقول: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً