فزاعة عدم العدالة في توزيع مقاعد المؤتمر الوطني: عملية خداع كبرى

فزاعة عدم العدالة في توزيع مقاعد المؤتمر الوطني: عملية خداع كبرى

بعد أن استنفذت حجج المركزية والتهميش التي ظل دعاة الفدرالية يرفعونها تأثيراتها في إقناع الناس بالفكرة، ظنوا أنهم وجدوا ضالتهم في مسألة (توزيع مقاعد المؤتمر الوطني)، وما يروجون له من دعوى أن هذا التوزيع غير عادل، لأنه يعطي (إقليم) طرابلس 100 مقعد، ويعطي (برقة) 60 مقعداً، ويعطي (فزان) 40، ويظنون أنهم يجدون دعماً قوياً لدعواهم بإجراء عملية حسابية بدائية، حصيلتها أن ممثلي إقليم طرابلس سوف يمتلكون ما يسمى (الثلث المعطل) أو حق (الفيتو)، ومن ثم فلا يمكن أن يمر أي قرار إلا بموافقتهم.

والحقيقة أن في هذا الطرح عملية خداع كبرى مقصودة، تهدف إلى جذب أنظار المواطنين للتركيز على هذه الحجة، وشغلهم بها عن الالتفات إلى ما يكمن وراء هذه الدعوى من خلفيات وأبعاد، يحرص دعاة الفدرالية على إخفائها وعدم المجاهرة بها.

وتستند هذه الدعوى إلى استثمار الحجة التي منحها لهم المجلس الوطني الانتقالي بتبني معيار توزيع المقاعد على أساس تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم.. وفي تقديري أن المسألة برمتها نشأت من هذه النقطة.. فلا شك أننا عندما ننطلق من التقسيم الثلاثي للبلاد، سوف نصطدم بالضرورة بإشكالية المعيار الذي سوف نتبعه كيلا يجور، أو إذا تبنينا المصطلح الذي بات أثيراً لدى الفدراليين، كيلا يتغول إقليم على آخر، بسبب اختلاف الكثافة السكانية. وبالطبع سوف نصطدم بفكرة أن الكثافة السكانية الكبرى تتركز في ما يسمى إقليم طرابلس، التي تعادل إن لم تتفوق في الواقع على مجمل سكان الإقليمين الآخرين: برقة وفزان.

وكما أسلفت لقد لقي الفدراليون ضالتهم في هذه الغلطة التي ارتكبها المجلس الوطني، ولم يدخروا جهدا لاستثمارها واللعب بها على عقول وعواطف بعض المواطنين.

وأنا أبادر إلى القول بأني لا أحجر على أحد أن يرى الرأي الذي يقتنع به، ويذهب المذهب الذي يروق له، ويكفل له النظام الديمقراطي حرية التعبير عن هذا الرأي بكل الطرق السلمية المشروعة، ولكني أحتفظ بحقي في التعبير عن رأيي في هذه المسألة، وحقي في أن أصورها بالصورة التي أقدرها..

وقد عنونت المقالة بقولي إن في رفع هذه الدعوى؛ دعوى عدم العدالة في توزيع المقاعد، عملية خداع كبرى، تلعب على إبراز مسألة الفارق في عدد المقاعد المخصصة لكل إقليم، وتتغافل تماماً عن حقيقة جوهرية هي أن أهم مسألة سوف تعرض على المؤتمر الوطني العام، وهي وضع الدستور الدائم للبلاد، هي مسألة سوف يتحدد القرار والاختيار بشأنها من منطلق القناعات الفكرية والسياسية، ولا علاقة لها مطلقا بالمنطلق الجهوي الذي يتحدث عنه الفدراليون.

وأزيد المسألة توضيحاً بالقول إن ما ينتظر أن يقع حوله الخلاف أو يدور الجدل هي مسائل سياسية وفكرية محددة، يأتي على رأسها اختيار نظام الحكم والتعبير عن علاقة الدين بالدولة وموقع الشريعة الإسلامية من مسألة التشريع، وربما يضاف إليها مسألة المطالب التي يرفعها إخواننا في الوطن من الأمازيغ والطوارق والتبو.. وأنا أقول إنه عندما تطرح هذه المسائل على الحوار والنقاش، ثم على التصويت في المؤتمر الوطني، لن نجد أعضاء المؤتمر يختارون أو يصوتون لأنهم طرابلسيون أو برقاويون أو فزانيون، ولكن لأنهم يؤمنون بهذا النظام أو ذاك، ويذهبون هذا المذهب السياسي أو ذاك. وهنا سوف نجد على سبيل المثال أن من يؤيدون تبني النظام الملكي، لا ينتمون إلى إقليم بعينه، بل هم من كل أنحاء الوطن، من طرابلس وبرقة وفزان، وبالمثل سوف نجد مؤيدي النظام الجمهوري البرلماني، أو الجمهوري الرئاسي ينحدرون من مختلف أنحاء الوطن ومختلف قبائله.. سوف نجد في هذا المعسكر أو ذاك الطرابلسي والبرقاوي والفزاني، وسوف نجد الزواري والترهوني والعبيدي والبرعصي، ولن يكون هناك أي أثر للانتماء الجهوي أو القبلي في تحديد الخيارات السياسية المطروحة على النظر والاختيار.

وإني أنطلق في هذا القول من موقفي الشخصي؛ إذ أجد أن ثمة ما يربطني على الصعيد الفكري والسياسي بإخوة لي في الوطن من زوارة غرباً إلى طبرق شرقا إلى الكفرة وسبها جنوبا، أقوى وأكبر مما يربطني بإخوة لي لا صلة بيني وبينهم سوى هذا الوجود الذي فرضته صدفة الميلاد أو ظروف الدراسة والعمل وكسب العيش، ومنهم من قد أشترك معه في السكنى لا في المدينة نفسها، بل ربما في الشارع نفسه.
ولعلي أزيد على هذا فأقول، إني أجد نفسي عند طرح بعض المسائل الفكرية والسياسية أختلف مع أخي شقيقي الذي أسكن معه في البيت نفسه.. ولو أننا وجدنا معاً أعضاء في المؤتمر الوطني، وطرحت مسألة ما، فمن المرجح أن ينحاز كل منا إلى جانب مختلف، يلتقي فيه مع من يتفقون وإياه في الموقف والتقدير السياسي، ولو كانوا من أقصى بقع الوطن وجهاته.

أخلص إلى القول بأن رفع هذه الفزاعة، فزاعة التوزيع غير العادل لمقاعد المؤتمر الوطني العام هو نموذج كلمة الحق التي يراد بها باطل.. فلا جدال أننا إذا ذهبنا وراء تقسيم الوطن إلى ثلاث ولايات أو ثلاثة أقاليم، فسوف نجد أنفسنا بالضرورة نصطدم بفكرة الاختلاف في التوزيع بين الأقاليم، ونصطدم بمعضلة إيجاد المعيار الذي نتبناه كيلا يجور إقليم على إقليم، وسوف نصطدم بمعضلة الخضوع أو عدم الخضوع لمعيار الكثافة السكانية، ولكن المسألة المطروحة في المؤتمر الوطني هي مسألة لا علاقة لها البتة بهذا التقسيم الجهوي للوطن إلى ولايات وأقاليم. وإني أرى أن إخواننا دعاة الفدرالية، لا يفعلون سوى إحداث مزيد من الإرباك والخلط والبلبلة. أما تبنيهم أسلوب التهديد باستخدام قوة السلاح، وتكوينهم للمجالس العسكرية التي تعلن انتماءها إلى جزء من الوطن، ثم بلوغهم حد الزحف على المنطقة التي يريدون أن يكرسوا فيها العودة إلى تقسيم البلاد إلى شرق وغرب، إلى طرابلس وبرقة، فهو أمر مؤسف أولاً، وهو مرفوض تماماً ثانياً.. وإني لآمل أن يوجد من العقلاء في الجانبين من يطفئ هذه النار التي توشك أن تشتغل فتحرق الوطن كله.
ـــــــــــــــــــــــــــ
د. يونس عمر فنوش
رئيس تجمع ليبيا الديمقراطية
هاتف: 0925121949 / e-mail: fannushyounis@yahoo.com

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً