فشل القذافي ونجحت قطر في اشعال الحرب القبلية في ليبيا!

فشل القذافي ونجحت قطر في اشعال الحرب القبلية في ليبيا!

ما من قوة في العالم تستطيع السيطرة والهيمنة على شعب يتمتع بالوحدة الوطنية وتماسك بنيته الاجتماعية والسياسية. فزرع حالة الانقسام والإقتتال الداخلي من أقوى وأنجع الوسائل للسيطرة على أي بلد في العالم مهما كانت قوته.

فلولا حالة الانقسام والتشردم الفلسطيني لما استطاعت اسرائيل بناء دولة احتلال قوية ومتماسكة … ولولا حالة الانقسام والصراع الإثني والأيديولوجي لما استطاعت أمريكا هزيمة أقوى خصومها ممثلاً بالإتحاد السوفييتي وتفتيته الى دويلات … والحال ذاته ينطبق على العراق وأفغانستان والصومال وليبيا… وقريبا السعودية والبحرين وسوريا …الخ!

ولذلك لم نستغرب أن يتم اللجوء أخيراً لورقة الفتنة القبلية ما بين مصراتة وقبائل ورفلة بعد أن فشل الإخوان في التنافس السياسي والاطاحة بخصمهم اللذوذ وذلك بعد أن فشلت فزاعة العلمانية والليبرالية في كسب ود الناخب الليبي وترهيبه من الخصم الملحد والكافر حسب وصفهم وكذلك فشل فزاعة “الأزلام” وعودة نظام القذافي في أن تؤثر بإختيارات الناخب الليبي وتأليب الرأي العام على تحالف القوى الوطنية…!

وما نشهده من حصار وقصف لمدينة بني وليد بعد المظاهرة التي قادها من يوصفون بأنهم قادة ثوار مصراتة الذين تظاهروا أمام مقر المؤتمر الوطني العام والذين لم يجدوا حرجاً بأن يصرخ أحدهم أمام عدسات التصوير “بأنهم لن يرجعوا حتى ينالوا “الشرعية” بإقتحام مدينة بني وليد من (هؤلاء الأوباش) ويقصد بـ (الأوباش) أعضاء المؤتمر الوطني العام حسب وصفه” وبالفعل كان لهم ما يريدون وقد تم منحهم “الشرعية” التي يبتغون…! وما من أحد توقف عند وصف أعضاء المؤتمر الوطني العام بـ “الأوباش” .. فما بيد المؤتمر حيلة… وليس بوسع “المؤتمر” المغلوب على أمره أن يرفض ما يمليه عليه قادة المليشيات الثورية المدججة بالسلاح… فهي صاحبة القرار في ليبيا الجديدة.

كما أنه لم يكن عبثاً اختيار مدينة مصراتة لتكون معقل الإخوان المسلمين في ليبيا … بحيث اصبح الانتماء للحزب واجباً يمليه الولاء والانتماء للمدينة وصارت الأخونة دليلاً على مقدار ولائك القبلي والاجتماعي … وما من خيار وإلا تعرضت للنبذ والاقصاء ..!

ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة كذلك أن يتم اختيار محمد صوان وهو من مدينة “مصراتة” ليكون على رأس حزب جماعة الاخوان المسلمين وكذلك اختيار السيد عبد الرحمن السويحلي على رأس حزب الاتحاد من أجل الوطن – والذي ثبتوا على رأسه جزرة رئاسة الوزراء منذ سبتمبر2011- وليكونوا المعسكر المناهض لتحالف القوى الوطنية الذي يترأسه محمود جبريل والذي لا يروق لجماعة الاخوان إلا دعوته بـ “الورفلي” مثلما حدث تحت قبة المؤتمر الوطني العام أثناء عرضه لبرنامجه الانتخابي محاولين استفزاز الرجل بدعوته علناً بـ “الورفلي” للتأكيد على انتمائه القبلي.

تحت دوي الرصاص يبقى الخيار الديمقراطي الحر حلم بعيد المنال في ليبيا. والاختلاف في الرأي داخل مدينة مدججة بالسلاح الخارج عن القانون يعد انتحاراً حقيقياً. فقد انقلب شعار من تحزب خان إلى من لم يتأخون خان. والخائن يقتل ولن يدري به أحد. لذلك لن تملك الأغلبية إلا الصمت أو السير في الاتجاه الذي تحدده فوهات البنادق.

وكان هذا التوجه مدعوماً بالطبع بآلة اعلامية شرسة تقودها قطر عبر قناة الجزيرة والألة الاعلامية القوية لجماعة الأخوان متمثلة بالقنوات الرسمية للدولة وقناة “ليبيا الحرة” و”ليبيا تي في” لرجل الاعمال المعروف علي الدبيبة، وفي الوقت الذي اقتصر فيه دور القناة القطرية “ليبيا الأحرار” التي تبث من الدوحة ويديرها الاعلامي محمود شمام، على حشد الرأي العام ضد بني وليد واعتبارها معقلاً لأنصار القذافي وهذا ما نفاه كل من زار “بني وليد” من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس المؤتمر الوطني العام والذي وصف الادعاءات ضد بني وليد بأنها مجرد تضخيم اعلامي. ولكن عبثاً يحاول أمام المال والسلاح والاعلام القطري.

وقد أشرت في مقال سابق بعنوان: الجزيرة، بعد اخفاق مشروعها، تلجأ للفتنة القبلية في ليبيا في يوليو الماضي كيف أن قناة الجزيرة القطرية قد لجأت صراحة للخطاب الجهوي والقبلي وإثارة الفتنة القبلية ضد تحالف القوى الوطنية ومما ورد بالمقال “بأننا كنا نتوقع رد الفعل الهستيري حول النتائج الأولية للإنتخابات من الجانب القطري عبر “قناتها الجزيرة”، ولكن، ما لم يكن في الحسبان هو أن تنجر “قطر” لإثارة الفتنة القبلية وفتح النار على القبائل الليبية، سواء المشاركة في الانتخابات أو ما اعتبرتها بأنها مكونة “لتحالف القوى الوطنية” والذي وصفته اجحافاً بـ “التحالف القبلي” واعتبارها قبائل مؤيدة للقذافي, وقبائل مدعومة من الغرب ويعلم الليبيون كما تعلم قطر جيداً عدم صحة ما تدعيه وبأن هذه الثورة أبدا لم تكن ثورة قبلية ولم تتحرك على أساس جهوي أو قبلي..! ولم تكن القبائل الليبية يوما عميلة للغرب وغيره..!”

ولكن … وفي ظل مساعي الأمير القطري وهوسه في تحقيق أحلام الزعامة والريادة العربية والاسلامية، وركوبه صهوة الثورات العربية لم نستغرب أبداً لجوءه لكل السبل والوسائل لتحقيق طموحاته ومنها استغلاله للدين وتوظيف الأئمة والمشائخ وشراء ذمم كثير ممن يوصفون بقادة الثوار وهذا بإعتراف عدد منهم وبإعتراف مصطفى عبد الجليل بأن الأمير قد أغدق على قادة المليشيات بالمال والسلاح وكذلك لم يفوت الأمير استخدام ورقة الفتنة القبلية. التي نجح بإستخدامها محققاً تفوقه على معلمه وصديقه القديم القذافي، الذي اتقلب عليه كما انقلب على أبيه من قبله.

وبالطبع لن ننسى محاولات القذافي المستميتة لإثارة الفتنة القبلية ما بين الليبيين وقد كانت إحدى آخر أوراقه لإنقاذ نظامه من الإنهيار وكانت رسالته الصوتية إلى قبائل ورفلة صريحة ومباشرة بطلبه من شباب ورجال ورفلة بالهجوم على مدينة مصراتة. والموقف الذي يسجله التاريخ لأبناء ورفلة بأنهم رفضوا الانصياع لمطالب القذافي ورفضوا أن يقاتلوا اخوانهم في مصراتة رغم الضغوط السياسية والعسكرية من قبل نظام القذافي آنذاك…! ولكن الأمير استفاد من أخطاء رفيقه القديم القذافي ولعب الدور بشكل أفضل وأكثر كفاءة.

من منا كان يتخيل أن تحدث مثل هذه الحالة من الانقسام والتشردم والاقتتال القبلي وكذلك الديني في دولة مثل ليبيا ! ولكن طالما هناك من هم مهووسون بالسلطة والمال في أي مجتمع فإن العناصر الخارجية لن تعدم الحيلة في تفتيت أي مجتمع بل وتفتيت الأسرة الواحدة طالما هناك رجال ونساء قابلون للبيع في سوق النخاسة السياسي.

ولاندري أي مستقبل ترسمه لليبيا هذه النخبة المأجورة لأطراف مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء والتي جعلت من ليبيا ساحة صراع ايديولوجي واقتصادي لمصالح مجلس التآمر الخليجي … وكأن الطريق الوحيد للعرش الليبي الشاغر لن يتم الوصول إليه إلا عبر جسر خليجي…! لأن صناديق الإقتراع واختيارات الشعب الليبي ثبت أنها مجرد مسرحية هزلية وواجهة اعلامية كاذبة. فالأحتكام أولاً وأخيراً للسلاح وما تقرره ثلة من البيادق ممن يوصفون بـ “قادة الثوار” زعماء المليشيات القبلية المسلحة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً