في زمن الفوضى، ديوان المحاسبة في طرابلس حكومة رابعة

في زمن الفوضى، ديوان المحاسبة في طرابلس حكومة رابعة

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

في زمن الفوضى يصبح كل شيء ممكنا، وعلى المستوى السلطوي يسيل لعاب الكثيرين يدفعهم الطمع والوهم في ان يكونوا في مواقع السلطة السائبة! في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي تقلد المناصب القيادية في الدولة الكثير من “الصبيان” ليس بمقياس العمر ولكن بمفهوم الخبرة والدراية والتأهيل، فهم حديثوا عهد بشئون الحكم ومقتضيات المسئولية حيث لا خبرة ولا كفاءة انما اندفاع مصلحي وطموح متهوّر لا مكان للشعور بحجم المسئولية فيه، ولا تقدير لما قد يترتب في المستقبل من نتائج وانعكاسات منه! تلك هي ولعمري ملامح الحكم اللارشيد، في مناخ مشبع بالفوضى والانفلات في كل الاتجاهات.

في زمن الفوضى ها هي ليبيا اليوم تعاني نتائج خيارات عبثية للمناصب والمواقع، في اغلب مؤسساتها العامة من الوزارات الى الشركات الى الهيئات وكل الوحدات الحكومية، والتي نجدها قد اقحمت فيها مجموعات غير مؤهلة وبدون سابق خبرة لها في مجال العمل الحكومي، فقد زج بها من خلال تدافع سلطوي اعمى، بؤرة تركيزه تنحصر في مفهوم “المناصب مغانم ومكاسب” عبر تكليفات او تعيينات لم تخضع لأبسط قواعد وضوابط ومواصفات الوظائف على مختلف مسمياتها! واكاد اجزم انها جميعا كانت بدوافع جهوية او حزبية او قبلية او دينية! وتحت مبررات ستار الثورة واحقية الثوار!

في زمن الفوضى صرنا نعيش المفارقات والغرائب، فعمداء بلديات يصرّحون في الاعلام وكأنهم صناع قرار، يكوّنون اجساما على وزن الروابط والنقابات للمجالس البلدية! ويجتمعون مع سفراء ووزراء دول اجنبية خارج ليبيا وداخلها! ويتباحثون ويتعاطون السياسة! وهناك العديد من امراء الكتائب والسرايا يصرحون في الاعلام ويتسابقون على القنوات الفضائية ليقولوا ما يعلمون وما لا يعلمون! ويجهلون انهم بحكم القانون العسكري محظور وعليه يعاقبون! والكثير الكثير من المفارقات نسمعها ونشاهدها هنا وهناك من اجسام تنفيذية متعددة تقحم نفسها في شئون السياسة وقضايا السلطات العليا والرأي العام!

في زمن الفوضى تحاول بعض الاجسام التغوّل وتجاوز حدودها الوظيفية وخير مثال على ذلك ما يقوم به رئيس ديوان المحاسبة في طرابلس، من تصريحات لا تمت الى حقيقة عمل الديوان باي صلة ، ديوان المحاسبة الذي يقتصر دوره في الرقابة المالية على مؤسسات الدولة ومتابعة مدى التزامها بالقوانين واللوائح النافذة في جميع المعاملات المالية الداخلية والخارجية، وضبط مدى مطابقتها للتشريعات النافذة، والافصاح على الانحرافات التي تحدث في تلك المعاملات لتصحيحها واحالة مرتكبيها لجهات الاختصاص للمحاسبة،  فهل يدرك السيد رئيس الديوان ان ديوان المحاسبة ليس جهة تشريعية عليا تسن القوانين وتضع التشريعات وانه ليس المصرف المركزي او مجلس الوزراء ولا وزارة التخطيط او وزارة المالية! حتى يصرح بما تختص به هذه السلطات التشريعية والتنفيذية العليا ويدعي سلبها اختصاصها ووظائفها!.

متى ينتهي هذا العبث ويعرف كل قدره ووظيفته ؟! وندرك جميعا ان الخبرة والمعرفة هي أساس نجاح الاعمال لا التمني والطموح الزائد عن الحاجة! متى نعترف بتفاوت القدرات بيننا واحقيّة وجدارة من لهم الخبرة الكافية والتأهيل المناسب؟ متى يقتنع الواهمون من مسئولي الفوضى ان التصريحات الإعلامية الجوفاء عبر وسائل الاعلام لا تبني دولة ولا تحقق نجاحا!؟ متى يعود الضمير ويحرص الجميع على النهوض بالبلد من كبوتها فيزيحون من يتولون المناصب من العاجزين طوعا ا كرها ليفسحوا المجال للمتخصصين من ذوي الخبرة والمعرفة من الليبيين وما اكثرهم لكنهم مغيّبون؟!

لم ترتق الشعوب وتنجح الدول في إدارة شأنها الا من خلال كوادر متخصصة قادرة ومؤهلة ذات رصيد مهني عملي وخبرة سنين طويلة ولم تتقدم الدول الا من خلال منظومة توظيف شفافة تضع الشروط والمعايير الحقيقية لتولي الوظائف والمواقع القيادية وفق توصيف ووصف وظيفي علمي يستند على الشفافية في الاختيار استنادا الى الأعلى تأهيلا والأكثر خبرة من ذوي الكفاءة والجدارة والتميز الذي تظهره سيرهم العملية خلال رحلة عقود من الزمن لا مجرد بضع سنين! لو توفرت   كل او بعض تلك المواصفات والمعايير فيمن يتقلدون المناصب لما وصلنا الى ما نحن فيه من تردي وانهيار اداري وفساد مالي، ولما وجدنا من المسئولين من لا يدرك حقيقة عمله وحدود مسئوليته وسلطاته فيغرد واهما فيما لا يعنيه ولا يخصه وكأنه يسعى جاهدا ليكون الحكومة الرابعة في زمن تعدد الحكومات!

 

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً