قانون ساكسونيا يحكم لبنان

قانون ساكسونيا يحكم لبنان

حسن أحمد عبد الله

كاتب وصحفي لبناني

هل بقي في لبنان أي مؤسسات يمكن التعويل عليها، وهل للسلطة التشريعية حق في تأدية دور رئيس الجمهورية والحكومة معا، وتفويض نفسها مكانهما؟.

هذا السؤال طرح مع انعقاد الجلسة التشريعية للبرلمان اللبناني لإقرار جملة من القوانين، رغم فراغ سدة رئاسة الجمهورية الذي استنادا إلى المادة 75 من الدستور، فـ” إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر”.

إذ رغم أن قاعدة الضرورات تبيح المحظورات فإن الصواب العمل على انتخاب رئيس للجمهورية الذي معه تنتظم المؤسسات، لكن سلطة الأمر الواقع والكيدية التي يتعامل بها الطاقم السياسي مجتمعا، أخرجت البلاد عن كل عرف، ورمت النص الدستوري في سلة المهملات، وبالتالي أصبحت الممارسة السياسية والتشريعية خارجة عن المألوف، لذلك مارس مجلس النواب صلاحيات غير دستورية.

وهذا في رأي الخبير الدستوري بول مرقص “عدم جواز التشريع في ظل الخلو في سدة الرئاسة، حتى إنه يمتنع على مجلس النواب القيام بأي عمل آخر قبل انتخاب الرئيس”.

وأضاف: “وُضع هذا النص لترميم حالة موقتة. وتالياً يصحّ هذا التفسير الحرفي في حالات الشغور القصير المدّة في سدة الرئاسة، لأن المشرع الدستوري لم يتصوّر ولا يُعقل أن يتصوّر خلوًّا يدوم شهوراً لأنه لا يُعقل عدم وجود مرشّح لتبوؤ هذه السدة”، كذلك رفض الخبير الدستوري حسن الرفاعي تقديم التشريع على انتخاب رئيس الجمهورية، لأن الأولى هو الانتخاب في حال شغور سدة الرئاسة الأولى.

عباقرة السياسة اللبنانية، أو بالأحرى شياطين التفاصيل، ابتدعوا أعرفا لا علاقة بها بالنص، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، أو يعملون بـ”قانون ساكسونيا” في العصور الوسطى الذي كان ينص على “معاقبة أفراد الطبقة الفقيرة عامة الشعب بتنفيذ عقوبة القاتل بقطع رأسه وفصلها عن جسده، أما النبلاء الأغنياء فيتم قطع رأس ظل القاتل بعد وقوفه في الشمس”، لهذا هم يبيحون المحرم لأنفسهم، ويعاقبون الشعب على صبره عليهم، بالمزيد من التجويع والقهر وغياب المؤسسات.

وإذا أخذنا بالنظرية التي اعتمدت في السابق، وهي بدعة “تشريع الضرورة” نجد أن هناك قوانين أقرت لفائدة أشخاص معينين، منها رفع “سعر صرف الدولار الجمركي” على السيارات المستوردة، والذي أقر بعد أن استفادت عائلة شخصية سياسية، من استيراد آلاف السيارات من الخارج على أساس سعر صرف الدولار الرسمي الذي كان 1500 ليرة لبنانية، وبعد استكمال الإجراءات رفع رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي الدولار إلى 86 ألف ليرة لبنانية، وهو ما رفع معه سعر السيارات إلى أكثر من ألف في المئة، وزاد أرباح قلة من المستوردين إلى عشرة أضعاف سعرها.

هذه الخطوة اعتبرت تخريبا للاقتصاد الوطني، رغم خرابه، لكن لا أحد أبدى أي اعتراض لا من النواب ولا الوزراء، بل مر الأمر مرور الكرام، وبالتالي على هذا النهج سارت بقية الصفقات، ومنها عدم محاكمة حاكم المصرف المركزي اللبناني عن المخالفات التي أدت إلى انهيار القطاع المالي في البلاد.

هذه الممارسات الخارجة عن أي قانون ودستور تجري علنا لأن ليس هناك من يحاسب الطبقة السياسية التي استباحت كل المحرمات، بل اعتبرتها حق له، وشرعية طالما تخدم مصالحها، أما لبنان الوطن والشعب والمؤسسات باتت في نظر هذه الطبقة عدة شغل، ليس أكثر.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

حسن أحمد عبد الله

كاتب وصحفي لبناني

اترك تعليقاً