قرصان الكتاب الأخضر

قرصان الكتاب الأخضر

ينهل المفكرون والفلاسفة والكتاب الشرفاء من بحور العلم، يقرؤون الكتب والمراجع، يستخلصون العبرة، ويعصورون الفكرة، فتأتي معبرة عنهم، ومن حقهم أن تنشر بأسمائهم. أما من يقوم بالسطو علي المبحرين، ويسرق أفكارهم، وينسبها لشخصه افتراءً، فتلك هي السرقة الأدبية والقرصنة الفكرية. والمصيبة أشد عندما يكون هذا الفعل من شخص بمستوى رئيس دولة، أولعلها لا شي يذكر لمن له باع طويل في السطو والسرقة، حيث سَطأ فى ليلة سوداء على دولة كاملة، فسرق كما يقال “الجمل بما حمل”، السلطة والثروة والسلاح.

أما لماذا فعلها؟ أى قرصنة الفكر، فالجواب بسيط وهو ليس لأن النرجسى لا يرى الجمال إلا فى ذاته، والأناني لا يحب الخير إلا لنفسه فحسب، بل وجد فيها القفل والمفتاح لثلاثة أبواب، أولها غلق باب تداول السلطة “الباب اللى إجيك منه الريح سده واستريح”، وجمع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى السلطة الرابعة في قبضته، ووضع كل المراكز الحساسة والفاعلة في يد عشيرته، وترك الشعب يتصارع فى المؤتمرات على لا شئ. يُعيين بنفسه بيادق ودمى على تلك السلطات لنهج سياساته وتمرير قراراته ولعق حذائه، وهم لم يتعدوا المئة بديق طيلة مدة استلائه على السلطة، والشرط الوحيد للبيدق أن تكون يده ملطخة بدم الشعب قولاً أو فعلاً ، وهم نكرة لا تذكر أسمائهم حتى في نشرة أخبارالبلد (المسلوب والمنكوب)، في حين ذريته تذكر بالاسم الثلاثى تسبقه أحياناً ثلاثة من الالقاب الرنانةً. والباب الثانى، الركن الإقتصادى فتح باب “فرق تسود”، وزرع الفتنة والشقاق والخلافات بين الشعب، وشَرَعَ السرقة والسطو بمقولاته المهترية، التي لايقبلها عاقل ولا يحللها دين، كالبيت لساكنه والسيارة لمن يقودها والأرض ليست ملكا لأحد. والباب الثالث “فصل الدين عن الدولة”، فالفصل الثالث يقرر بأن العامل ألإجتماعي أي القومى هو المحرك للتاريخ والدين عامل منافس، فحتى المقولة المنشورة والمنتشرة “القرآن شريعة المجتمع”، ليست موجودة نصاً في الكتاب الأخضر، وإنما في الفصل الأول يُقر بالشريعة ولا يعترف بالدستور، وأيّ شريعة؟ “الشريعة الطبيعية لأي مجتمع هى العرف أو الدين”، وتبقى المقولة السالفة مقصوفة الجناحين، أولاً لأن الشريعة والشرع (حسب علمى المتواضع فى هذا المجال) هو القران والسنه والإجماع و القياس. وثانياً ركائز الدولة لا تنحصر في المجتمع والمعاملات الاجتماعية فقط وإنما هناك أُمورأخرى إقتصادية وسياسية، فمن يشرع لها؟

أما كيف فعلها؟ فذلك سَيوُضْح في نطاق وسياق الحدثين التاليين، الأول مرئي والثاني شفهى (مع التحفظ علي مصدرالثاني، خوفا من نزول الغضب على صاحبه، فيفقد لا سامح الله حياته أو تجارته). الحدث الأول في أوائل السبعينات بث التليفزيون الليبي (بث مباشر) ندوات في الكتاب الأخضر، يحاور فيها رئيس الجلسة معمرأبومنيار مجموعة من المثقفين، وأكثرهم من حواريه أمثال فوزيه شلابي. ما إنطبع في ذاكرة كثير من المشاهدين هو ذلك النقاش الحاد الذي دار بين الرئيس وشاب من مدينة بنغازي، ويبدو إنه قد فرغ لتوه من دراسته العليا وفي نفس المجال. كان يفيض علماً ودراية مصحوبة بشجاعة وجرأة، تختلف عن نفاق وتملق بقية المجموعة. فحاصر الرئيس ووضعه في الركن الرابع! ركن الجاهل، ووجه له بتعبير الفكر الأخضر”الصفعات واللكمات والرفسات” بأسئلة فندت معرفة الرئيس بمصدر المقولات الواردة في الكتاب الاخضر، ولم يبخل عليه بالإجابة، فهذه المقولة نادى بها فلان، وتلك فشلت في ذاك المكان، وثالثه طبقت في غابر الزمان! واخري خرجت وماتت مع إرهاصات الثورة الفرنسية والخ. مما أثار غضب الرئيس وحنقة، فرمى بالفوطة البيضاء وأضمر الحقد والعداء، وصاح بنرفزة ظاهرة “أني ما قولت تنزل عليا، هذه خلاصة الفكر الإنساني”. وبعد فترة قصيرة أشيع وللأسف بأن ذلك الشاب إنتقل الي رحمة الله في حادث سيارة أليم.

وقبل ان نتطرق للحدث الثاني، علينا أن لا ننسى بأن معمرأبومنيار قد أمضى أربعة ألاف يوم من العمل السري للإعداد للثورة كما يقول، ولا ننسى إعترافه الأخر بأنه قد التحق بالمدرسة وهوكبير السن، يكبررفاقه في الفصل بثلاث سنوات، معنى ذلك إنه إنخرط في العمل السري (قولت قال وبره وتعالى، وجند هذا وشوف هذا) منذ السنة الأولي من دراسته الإعدادية!!؟ وعليه ليس له الوقت ولا الدماغ لمطالعة كتب الفكر والفلسفة والسياسة، (يا دوبك كتاب أو اثنبن عن الناصرية) اما الرويات والقصص فتدخل في عمله السري حيث يقول: “ذلك العمل السري الذي كانت حياتنا فيه تشبه قصص ارسين لوبين”[1]، ويا لسذاجة وغرابة وقلة إطلاع شخص يتأمر لزلزلة أركان دولة فيشبه عمله بمغامرات اللص الظريف، لعله يقصد بأن الهدف واحد وهواللصوصية، وفي النهاية مؤلف تلك القصص البوليسية ومفكري الثورة الفرنسية من بلد واحد!

ما نخشاه هو أن يخرج علينا هذا العام بكذبة أخرى كما يفعل كل سنة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:{ما زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتي يكتب عند الله كذابا}. وهذه المرة قد يقول بأنه قضى 1999 يوم وليلة من ذلك العمل السري في دراسة وتمحيص كل مطبوعة وجدت على وجه البسيطة، عصرها جميعاً كالليمونة (القارصة!) واستخرج منها الكتاب الأخضر، وفي النهاية يقول العبرة باللون لا بالطعم. ومن هذه الصورة وما على شاكلتها من صور أخرى لشخصية معمرابومنيار، رُسم إنطباع لدى الكثير من الناس وبوجه الخصوص لدى المفكرين والكتاب بأن معمر أبومنيار غير أهل لأن يكون صاحب الكتاب الأخضر.

كما هو واضح في هذا المقطع لأحد الكتاب العرب: ((وكي يكون صاحب فكر ومؤلفات كان لا بد ان يؤلف كتابا يصبح نظريته العالمية الثالثة بعد الرأسمالية والماركسية وكيف يتأتى له ذلك وهو الطالب الفاشل الذي لا يجيد كتابة موضوع الانشاء واخيرا اهتدى الى ضالته في الكاتب والمفكر السوداني المرحوم (ابو بكر كرار) فكتب له دراسة عبثية سماها (الكتاب الاخضر- النظرية العالمية الثالثة) وكانت لا تزيد عن مائة صفحة فكان لا بد ان تطبع بالحجم الصغير وفي كل صفحة ما لا يزيد عن عشرة سطور وعرض السطر لا يزيد على ستة سنتيمترات كي يمكن توزيعه على عدة اجزاء فكان الكتاب الاخضر في اجزائه الثلاثة ويومها نكت الليبيون – الذين لا يجيدون النكتة☺- فقالوا: سبحان الله كيف ملأ هذا الكتاب ثلاثة دفاتر وهو في الاصل لا يملأ دفتر سجائر!!))[2]. المقال جيد وأتفق مع كاتبه في كل ما جاء فيه إلا صاحب الكتاب الأخضر، ولسبب سأذكره لاحقاً. ومع ذلك فمن الجائز أن يكون الكاتب والمفكر السوداني قد كتب بعض المؤلفات الأخرى التى نسبها معمر أبومنيار لنفسه، كتأليفة تحيا دولة الثوار (الحقراء).

وبتحليل منطقى أخرشكك كذلك أحد الكتاب الليبيين في نسبة الكتاب الأخضر لمعمر أبومنيار وأشار إلى الإحتمال التالى: ((هناك لغط وشائعات ترددت منذ عقدين أو يزيد لا يخفى أمرها عن الكثير من الليبيين حول هذا الموضوع فهناك من يقول أن الكتاب الأخضر كله من تأليف وصياغة الصادق النيهوم !!؟؟.. وهناك من يقول أن النيهوم قام فقط بالإطلاع على مسودة الكتاب الأخضر ووضع عليها بعض الملاحظات من ناحية الفكرة أو من ناحية الصياغة!. وهناك من ينفي أية علاقة للنيهوم بل وأي علم له بنية معمر القذافي في إصدار الكتاب الأخضر !)) [3]. ولنفس السبب استبعد القول الأول وأرجح جداً القول الثاني، ويعزز ذلك المنصب الحكومى الذي تولاه النيهوم في تلك الفترة (أمين الفكر)، ورغد العيش (المليونيري) الذي عاش فيه خارج ليبيا بعدها[4].

معمر أبومنيار له من الخبث وعدم الثقة بالناس ما يمنعه من أن يطلب من مفكر أو كاتب مشهور أن يكتب له كتاباً أو قصة ليصدرها بإسمه، فيصبح تحت رحمته أدبياً ويخاف من إبتزازه والتشهير به إعلامياً، ولكن لا مانع لديه من تقديم مسودة كتاب لأى إنسان للنظر والتعقيب والتعديل، مع بقاء الكتاب في الظاهر بإسمه. ومن الجائز إن المسودة مرت على الكثيرين، أمثال أبودبوس، الفزاني، شلقم، التليسى، خشيم وغيرهم، ليبدوا ملاحظاتهم عليها، ونظرا لأن أكثرهم متملقون ومنافقون لم يجد منهم إلا الإطراء والتبجيل، وهو ما لم يكن ينشده على الأقل فى تلك الفترة أي قبل إصدار الكتاب، ومن الأرجح إنه وجد ضالته فى النيهوم، الذى كان أكثر منهم جرأة إن لم يكن فكراً، وقد كان ذلك واضحا في ندوة الغربال (ندوة الفكر الثوري).

ويبقى السؤال إذن من هو صاحب مسودة الكتاب؟ وهنا نأتى للحدث الثاني (الشفوي)، وهو بحث القرصان (المتعب والمرهق، 4000 يوم من العمل السري المتواصل) عن سفينة سهلة، تكون لقمة سائغة (لامن شاف ولا من دري). شخص محجوب عن الأنظار، لايهم كثيرا إن سكت أو قال،.متبحراً في نفس المجال، وله ميول يسارية وإتجاه في نفس المسار. فوجدوا له ضالته (ويا رايس عندك بحاره!) في مدرس مادتى الفلسفة وعلم الإجتماع بمدرسه طرابلس الثانوية، والتى كان نائب مديرها في تلك الفترة السيد أبوزيد دورده. المدرس لبناني من أصل فلسطينى، علماني ملحد (الكتاب الأخضر، ليس به ذكر اسم الله ولا كتبه ولا رسله، أما كلإم معمرأبومنيار خطابة أوتأليف فلا يخلو أبداً من ذلك، بغض النظر إن كان سلباً أوإيجاباً)، ويقال إن هذا المدرس كان مبحراً إلي حد الجنون في مجاله (فلتة)، ويتفاخر أمام هيئة التدريس والطلبة بأنه يعطي في دروس خصوصية لمعمر القذافي في معسكر باب العزيزية، فهل هذه الدروس لم تكن دروسا بالمفهوم التقليدى، وإنما كتابة لمسودة الكتاب الأخضر، وما يعزز هذا الضن هو إن تلك الدروس كانت في أوائل سنة 1971م، أوج نشاط معمر أبومنيار العلني في تصفية منافسيه وتوطيد (أو تفكيك) أركان الدولة. ويا للأسف ليس هناك من معلومة لما حدث بعد ذلك لهذا المدرس، هل نال أجره وغادر ليبيا سالماً غانماً، ام نال جزاء سنمار؟ وفر إلي جهنم للمرة الثالثة ولم يعود[5].

وحيث انه من الصعب إثبات جرم القرصنة والسرقة بالاغتصاب بالدليل المادى وأقوال الشهود، حيث منهم المتوفي والمفقود والميت العائش على إختلاسات توقيع العقود، وأخرخائف على رأسه قبل منصبه من العقاب المعهود. تبقى السرقة ألأدبية المتعارف عليها بين العلماء والمفكرين والأدباء والكتاب وهى الرجوع للمصادرأو ما يسمى المراجع من عدمه، فحتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أبلغنا عن مصدر ومرجعية القرآن الكريم (كتاب الله) في سورة الواقعة الآية 80 وسورة الحاقة الآية 43 بأنه {تَنزيلٌ مّن رَّبِّ العالمينَ}، وسبحان الله القرآن ذاته به أكثر من الف موضع لمصدر القول (قال وقالت وقالوا). صاحب الكتاب الأخضر لو قال لنا بأنه تنزل عليه الشياطين لصدقناه واكتفينا. وذلك لخلوه من أى مرجع أخر، ماعدا إشارة تحولت إلي فكاهة يتندر بها الجميع: المرأة تحيض والرجل لا يحيض، إنتهى شرح الطبيب! وعليه حتى لو أخذنا الكتاب مثلا كأطروحة يتقدم بها طالب دراسات عليا “ماجستر” لرسب هذا الطالب وأتهم بالغش وطرد من الجامعة، وهذا ليس بالغريب على الطالب معمر ابومنيار الرسوب والغش والطرد. ورغم ذلك تمنح له عشرات من الدكتوراه الفخرية! وهو الذي لا يستحق ولا يستحي في الطلب، أفلا يستحى مسؤوليّ تلك الجامعات، يمنحون شهادة لا تساوي إلا ثمن الورقة التي طبعت عليها، ويسرقون من خزينة الشعب “اليتيم” ذهبا يفوق وزن من منحت له، أم هي عادة جرت علي القراصنة عندما ينزلون البر يوزعون الهبات وللجامعات نصيب!؟

المراجع والهوامش:

[1] “قصة الثورة..بقلم القائد معمرالقذافي” 31/8/2007 – المنشوره بموقع “اللجنة الشعبية العامة – للإتصال الخارجي والتعاون الدولي” الإلكتروني – أغسطس 2009م.
[2] “الكافي الوافي في فك طلاسم القذافي”، الحلقة الأولى – بقلم د. أحمد أبومطر- عرب تايمز أكتوبر1992م – والمعاد نشره بموقع “ليبيا المستقبل ” الإلكتروني – نوفمبر 2005م.
[3] “هل ساهم النيهوم في تأليف أو صياغة الكتاب الأخضر!!؟؟” – سليم نصر الرقعى – المنشور بموقع “ليبيا المستقبل” الإلكتروني- أبريل 2009م.
[4] “صورة قلمية لصادق النيهوم” بقلم د. أحمد إبراهيم الفقي – المنشوره بموقع “إبراهيم إغنيوه” الإلكتروني – يونيو 2009م.
[5] “نصوص أديب.. أم ترهات العقيد”، تأليفة الفرار إلى الجحيم (جهنم) – عبد الباري اسماعيل – المنشوره بموقع “ليبيا المستقبل” الإلكتروني – يوليو 2009م.

[su_note note_color=”#414e5a” text_color=”#ffffff” radius=”0″]تنويه: نُشرت هذا المقالة في موقع ليبيا المستقبل بتاريخ 7 أغسطس 2009[/su_note]

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 3

  • علي عبدالله

    تمنيت أن جاء هذا المقال فكرياً ومنصبّا موضوع تطرقه أي ما يسمى ( الكتاب الأخضر ) كي يليق التحاور معه ( وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف ) مع أفكاره ، لكن المؤسف أنه جاء مثقلاً بحمولة من المتواترات غير الموثقة ، ناهيك عن المعلومات التي تفتقر إلى الدليل كمثل القول أن أبازيد دوردة كان يدرس الفلسفة في مدرسة طرابلس الثانوية ( وموقعها في شارع النصر خلف مستشفى الأطفال ) والواقع أن دوردة الذي كان نائباً لمدير المدرسة الشرعي ( الاستاذ الفاضل أحمد الرعوبي ذكره الله بالخير حياً أو ميتاً ) لم يكن يدرس الفلسفة بل كان متخصصا في التاريخ ، وهذا مثال ، يمكن سرد غيره من الأمثلة ، لكن ما يهم القارئ ليس في ذلك الاتجاه بل في الاتجاه المغاير ، اتجاه الدراسة الفكرية المعمقة والمقارنة مثلاً بين الثورة الثقافية الصينية وما أدعى القذافي أنه ثورة ثقافية وبين الحرس الأحمر الصيني وما كان يسمى اللجان الثورية والممارسات النزقة اللاعقلانية واللامسؤولة للشرذمتين ، والأهم هو البحث عن الدوافع النفسية المغلفة بأطر فكرية باهرة لخداع البسطاء .

  • للااالل

    هذا ليس بمقال كاتب هذا كلام واحد متحامل ومليان علي واحد

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً