كاسترو .. هكتور كوبا

كاسترو .. هكتور كوبا

 

تأمركنا عاطفياً- اعترفنا بهذا أم لم نعترف، ففضائياتنا تفضحنا..!

رغم أن شوارعنا مكتظة حتى التقزز بالجيفاريين مظهراً وتظاهراً، ورغم أن باعة وصناع  باريه “قبعة” تشي جيفارا حققوا أرباحاً كبيرة بعد ابتدأ الربيع العربي وسعدوا بعودة أفخر وأفخم كاريكاتيرات الثورة والنضال وأكثرها ذيوعا – اعتقد لو أن صناعة باريه جيفارا ظلت حكراً على الكوبيين لصارت بمثابة نفظ لهم – وأغلاها ثمناً، إلا أننا تجاهلنا رحيل فيدل كاسترو وأغفلناه عمداً ورمينا برماده في النسيان بأسرع مما يتوقع..!

رحل فيدل كاسترو – هيكتور كوبا – العتيد دن أن نلاحظ رحيله، وأحجم الجميع عن إظهار الأسى أو حتى اصطناعه، وأختفى أولئك الذين أوقفوا الحياة حينما رحلت الليدي “ديانا” وأصيبوا بنوبات عصبية وحاولوا الانتحار أو اقترفوه حينما رحل مغني البوب “مايكل جاكسون”، وأولئك الذين سيتقاطرون على قاهرة المعز حينما يرحل الكوميديان ” عادل إمام” العام المقبل، وأولئك الأولئك الذين شغلتهم انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية وملابس هيلاري كلينتون أكثر مما يشغلهم أبناؤهم  لم يعيروا رحيل فيدل كاسترو أي اعتبار، لا لشيء سوى لأنهم تأمركوا عاطفياً ومزاجياً دون علمهم حتى..!

الامريكيون – اقصد الساسة- رقصوا طرباً عند وفاة كاسترو دون شك، فرحيله يعني الكثير لهم باعتباره خصم أيدلوجي مؤثر في منطقتهم وجار سوء بغيض طالما حاولوا اغتياله وتمنوا موته وغيابه، ولا يمكنهم سوى أن يكنوا له العداء سواء حياً أو ميتاً، ليس لأن لديه وشعبه قدرة وقوة بإمكانها مواجهة الولايات المتحدة بل لأنه كان شوكة في الخاصرة، ونغم نشاز ووتر عصى على انامل ساستها، وقد كان لزمن طويل ظلام ثقيل متاح بمجانية مفرطة لهطول الكوابيس السوفيتية على رأس أمريكا متى داهمتها اغفاءة، ولأنه مع الزمن والأحداث صار شيطاناً على الامريكيين أن يشتموه ويتعوذوا منه كحالنا مع أمريكا نفسها..!

كاسترو  كان أيقونة حقيقية للثورة، فقد نجح ورفاقه في افشاء الثورة بين الكوبيين وجعلوها مشاعاً بينهم، وأخذ الكوبيين إلي الثورة نفسياً وروحياً ولم يحصن الثورة ويتحصن بها عن شعبه، ويحولها إلي جواد أسود يمتطيه ويتبجح به بخيلاء وسط شعبه ويفاخرهم بها ويذلهم بامتطائها ويستعبدهم، بل استطاع فعلاً أن يجعل كل الكوبيين نماذج كاستروية “نسبة لكاسترو” إلي الحد الذي أصبح فيه كاسترو ذاته مجرد كوبي بسيط..!

ارتكاب الثورة ممكن للجميع، ولكن منح الثورة صعب على الجميع عدا كاسترو وزمرته..!

ثورجيونا منذ ناصر إلي اليوم يرتكبون الثورات ليتحصنوا بها، وليرفعوها حاجزاً مسلحاً بوجه الشعب ذاته الذي ارتكبت باسمه ولأجله الثورة، ربما لأننا جبلنا على اصطناع الملوكية وإدماننا فطري لازدواجية التأله والعبودية، ولأننا لا نرتضي إلا أن نكون أحد طرفيها وعن جدارة دائماً، وما أن نفقد صنماً ثورجياً حتى يصيبنا الدوار ونلوذ بهذيانٍ لاإراديٍ ونشقى لنبتكر صنماً جديداً أو نصطنعه ونلتف حوله ونمكنه من رقابنا، ونطلق يده في أموالنا وأعراضنا وأفكارنا وأمانينا وإن لَزِم عناداً نجعله باباً من أبواب الجنان المشتهاة ..!

لم نبكي أو نتفجع أو نتحسر على كاسترو رغم اشتراكنا معه في عداء الولايات المتحدة الأمريكية “ساسة وحكومة” وجدانياً، لأننا اعتدنا أن لا نتلقف إلا ما تمنحنا أمريكا وأوروبا، ولا نهتم إلا بما تفوح منه رائحتهما ولا نتورط في اتجاه فكري عدا اتجاههما..!

ولأن ثورجيونا لم يتعلموا الصراخ الحقيقي من أجل البائسين والمعوزين ويمنعوا طحن عظام الفقراء وامتهان كرامتهم، ولم يتعلموا أن الثورة لا تبيح لأحد أن يضع قدميه على رقاب الناس ويتسلى بمعاناتهم، ولأنهم نسوا أو تناسوا جوهر الثورة ومعناها وتعلقوا بمظاهرها تحولوا إلي طغاة باكرين، وأساءوا إلي ثوراتهم أكثر من أعدائها..!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً