لجنة الستين وتكريس التقسيم!

لجنة الستين وتكريس التقسيم!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

في وضع كالذي تعيشه ليبيا اليوم وهي تنتقل من مرحلة الثورة والفوضى الى مرحلة الدولة والاستقرار, قد يكون ممكنا قبول ماهو اكبر من التوقعات سلبا او ايجابا كاستجابة طبيعية لظروف مرحلة انتقالية يشوبها الخوف والحذر. وحيث انه من ابجديات الثورات الشعبية ان ترسي ثوابت فتصوغها اهدافا وغايات ثورية تشكَل منهاج عمل وخريطة طريق الى المستقبل الواعد. لذلك حين تجد افعالا او اقوالا تناقض روح الثورة وجوهرها فلا يمكنك الا التماس الاعذار محاولا تمويه نفسك عن الحقيقة التي تبدو قاسية ومرة بحجة انها مرحلة مؤقتة وانتقالية!

الكثير من الممارسات الغير مبررة يمكن التغاضي عنها تحت حجة ضرورات المرحلة والثورة لكن هل يمكن السكوت على مخالفات تمس روح الثورة في توجهاتها الوطنية والانسانية؟! بالقطع لا والا فاننا سنسمح لانفسنا ان نكون ادوات تساعد على انحراف الثورة عن مسارها! نعتقد ان من ثوابت الثورات الشعبية هو صون الوحدة الوطنية والحفاظ على وحدة تراب الدولة التي تحتضن الثورة, ونعتقد ان من ثوابت الثورات ان تقطع الطريق على كل المحاولات التي يقوم بها الانتهازيون من اجل سرقة الثورة والانحراف بها عن مسارها الحقيقي.

عن لجنة الستين وما ادراك ما لجنة الستين! يكثر الجدال اليوم ويطول,فيختلفون عن كيفية تشكيلها بالتعيين او الاختيار! لكنهم قد يتجاوزون عن ما هو اهم في نظرنا وهو النوع والكيف لتلك اللجنة! هل يكفي ان نتبرَك بذلك الرقم الستيني ونحن نجتر ماضيا بعيدا تفصلنا عنه عقود من الزمن, لكي نسلَم بان ذلك الرقم واعتبارات تقسيمه العشرينية قدرا لامناص منه؟! او ليس ذلك شدا للوراء وتكريسا للفرقة والانقسام الذي كانت عليه ليبيا قبل العام 1963 بفعل الاجنبي؟ّ! نعم كانت ليبيا مقسمة الى ثلاث ولايات (طرابلس – برقة – فزان) لكل ولاية حدودها وكيانها المستقل بحكم تبعيتها للدول الاجنبية المسيطرة على كل منها عقب الحرب العالمية الثانية وتداعياتها, وحينما وافقت الامم المتحدة على استقلال ليبيا تطلب الامر ان تتشكل لجنة الستين بالتساوي بين الولايات الثلاث نظرا لظروف المرحلة السياسية والادارية لكن ما ان استقرت الامور وفعَل الدستور حتى استشعر الليبيون انذاك اهمية ان تكون ليبيا واحدة موحدة فقرروا الغاء مايسمى بالنظام الفيدرالي واصبحت ليبيا منذ 1963 دولة اتحادية تحت اسم المملكة الليبية المتحدة.

لماذا الآن يحاول البعض تكريس مفهوم الانقسام ويصَر على استنساخ ما يسمى بلجنة الستين؟! برغم اختلاف الظروف والمعطيات, فالاختلاف بين ظروف الامس واليوم جد كبير ولامجال للمقارنة, نحن اليوم نريد ان نؤسس لوضع دستور عصري لدولة عصرية واحدة عمرها يمتد لقرون ابتداء من الحكم العثماني ومرورا بفترة الاحتلال الايطالي وما بعده من الحكم الملكي واخيرا الجمهوري ؟! اذا ما الذي يجبرنا على القبول بمثل هذه الافكار البالية مالم تكن هناك نوايا مبيتة من البعض الداعي للفيدرالية والانقسام؟!. حقا علينا ان نعترف بأن اجدادنا واباؤنا كانوا اكثر حكمة وحبا للوطن وحرصا على وحدته , لذلك يستحقون منا التحية والاكبار والاجلال.

ان احتياجنا اليوم الى تشكيل لجنة لوضع الدستور ينبغي ان يرتكز على محددات تخدم الغرض نفسه وهو الدستور بعيدا عن النزعات الجهوية التي لاتخدم المرحلة بل تعقدها, ما يهم هو ان يتوافق الليبيون على اختيار لجنة وبأي عدد, تكون قادرة على صياغة دستوريلبَي رغبات الشعب في تأسيس دولة ديمقراطية تتجسَد فيها كل الاعتبارات السياسية والاجتماعية والدينية والحقوقية بما يكفل حياة حرة كريمة لكل الليبيين! ان ما ينبغي التركيز عليه هو ان تلبي اللجنة المختارة وبأي عدد متطلبات الدستور القانونية والشرعية بما يحقق توافق شعبي حقيقي يكون سندا رئيسا لعملية الاستفتاء, ذلك في نظري يتطلب ان يكون تمثيل الليبيين عادلا ومنصفا ويحتوي كل الوان الطيف الاجتماعي الليبي. بعيدا عن الحصص العشرينية التي قد تصطدم بواقع اجتماعي لايمكن احتوائه خاصة في المنطقة الغربية!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً