لجنة فبراير والمزاج الشرقي

لجنة فبراير والمزاج الشرقي

في الوقت الذي يعيب فيه العلمانيون فقيه المسجد ويتهمونه بتأليب الشارع ضدهم من خلال تعدد رواياته وكثرة تأويلاته فان الفقيه القانوني هو ايضا الب الشارع ولازال واخرجه عن طوره عندما وقع في مطب عدم قدرته على تفسير بنود الاعلان الدستوري والخاص بالمدة القانونية لانتهاء عمل المؤتمر مما يجعل العلمانيين ايضا يدخلون مجال التحريض والتأليب عبر الفقه الذي يخصهم.

للعلمانيين فقهائهم ومشايخهم فكما يعتبر الفقيه الاسلامي هو المسئول عن تنفيذ وشرح الموروث الديني ايضا الفقيه العلماني هو الذي يفسر القوانين الوضعية وبما ان الشعب وقع في غابة الفقهاء من كلا الجانبين فاننا سنكون ضحية ولاشك بينهما الا اذا اتفقا معا على انقاذنا من هذه التجاذبات.

من يجيد استعمال الكلمة السحرية ..لا..هو من سيربح الجولة ….من يقول لا ..هو من له المكانة اليوم ومن يقف في وجه المشروع أي مشروع ويجد عيوبه ويظهر مثالبه هو من ترنو له العيون ويأسر القلوب …كلمة سهلة لاتكلف صاحبها سوى فتح فمه او اشارة من يده او حتى هز رأسه…بها استطاع اصحاب الاجندات من مختلف المشارب الوصول للسلطة بعد ان استحوذوا على قلوب العامة بفضل كلمة لا …للاسف تأخرت الاوطان والشعوب لانها سارت خلف من قال لا …قال لا للاستعمار لا للرجعية لا للتخلف لا للكفر لا للفقر …قالها ونجح في قولها وفشل فشلا ذريعا في تفسير معناها والعمل بمقتضاها …للاسف ان اغلب من يقول لا يقولها دون ان يقدم المشروع الناهض الذي يترجم كلمة لا تلك فعليا من خلال برامج عملية تحول تلك الشعارات لنهضة حقيقية على الارض وبالتالي بدلا من ان تصبح المعادلة مشروع طموح يقابل مشروع مطعون فيه نجد هرطقة تقابل مشروعا وكون المشاريع أي مشاريع تتطلب الالتزام والانضباط والاخلاص ما يعني واجبات لابد من تأديتها وهي امور لاتلتزم بها شعوبنا لاعتبارات تتعلق بتكوينها ووعيها الاجتماعي فإنها تذهب لممارسة المعارضة السلبية المتجسدة في الرفض كونها اربح المهن لاصحابها فهي لاتتطلب سوى الشكوى والتعنت وكلمات عاطفية رنانة فهي شعوب مستهلكة غالبا ما تطلب ولاتعطي تأكل ولاتنتج من هنا فإن المشاريع الوهمية الظلالية هي التي تجد لها سوقا رائجة.

لدينا عروض كثيرة توضح نتيجة قول لا دون القيام باستحقاقاتها فقد فشل عبدالناصر وفشل القذافي وفشل صدام حسين كما فشل حسن نصر الله كما فشل هتلر وموسوليني وكما سيفشل الفيدراليون في ليبيا حتى ولو صدروا النفط… كل ذلك الفشل بالرغم من الزخم الشعبي المساند له مرده الى شي واحد هو العاطفة كل تلك الاحباطات كانت تقف وراءها عاطفة جياشة لاعقل لها مما جعلها عديمة الجدوى.

هذا الكلام يعني ان الشعوب ليست بالمطلق بريئة بل هي مسئولة عن خنوعها وعدم تطوير قدراتها …مسئولة عن صنع الحدث ومسئولة عن صناعة الوهم والاستمرار فيه …شعوب باتت تنخرط في العمل السياسي هربا من مسئولياتها الحقيقية وتقاعسا يرقى لمستوى الخيانة عن اضطلاعها بدورها التاريخي في التوجه نحو بناء الوطن دون انتظار الاخر .

المزاج الشرقي بشكل عام يميل الى الاعجاب بالشخصية القوية المؤثرة يفتتن بها ويحن اليها حتى وان كانت باطشة وعابثة …تأسره لدرجة التفريط في المكتسبات على امل خادع بتحقق المعجزات على يدي تلك الشخصية …هي تريحه تبعث في داخله الاسترخاء عن المتطلبات العاجلة الامر الذي يفرض علينا التمعن جديا في تلك الاراء القائلة ان الدول في الشرق لاتقوم بالديمقراطية بل عن طريق الحكم الفردي.

هذا المزاج الشرقي رأيناه يتجسد في توصيات او بعض توصيات لجنة فبراير فلا ادري هل اللجنة عندما جلست وناقشت اخدت بعين الاعتبار حالة الاحتقان الذي تمر به ليبيا؟ والذي لولاه ما كانت هذه اللجنة …هل تعمقت الى داخل الازمة ؟ ام انها كانت في صراع مع الزمن كي تنجز بضعة اسطر يمكن لاي وراق ان يصوغها وهو مستلقي على قفاه فالانجاز لم يعدو ان يكون نسخ ولصق ليس الا …الطرح جاء سطحيا لم يذهب الى لب الازمة وهي أي اللجنة كانت فرصة ذهبية قبل بدء لجنة الستين لتكون قتطرة الوفاق في لعبة سياسية يبدو ان اطرافها لديهم احكام مسبقة حول نتائجها حتى قبل ان تبدأ ولكن للاسف لم تكن الا لجنة صياغة لخطوط ركيكة قد تسبب مستقبلا حتى وان وافق عليها المؤتمر الوطني مشكلة عويصة فلا ارى من خلال اختيار النظام الرئاسي ما يعطيني اليقين او حتى بعضه ان اللجنة فعلا تدارست الازمة واسبابها وعمقها وتحولها من ارهاصات دولة ثوار الى دولة لصوص وشطار …في المؤتمر الصحفي لاعضائها قالوا بانهم ارادو من الشباب ان يشارك في العملية السياسية فقاموا بتحديد الاعمار بينما اشراك الشباب وخدمتهم تكون في بند يمنع مشاركة ايا من الوجوه السياسية التي اختيرت في السابق من المجلس الانتقالي حتى الان لانها جربت وفشلت فشلا ذريعا فطرح توصيه كهذه ستكون اشارة قد تأخد بها لجنة الستين فتكون عملية المداولة حقيقية وليست صورية .

لجنة فبراير ومن خلال اختيارها الرئاسة كنظام ستفهم على انها محاولة لاسترضاء اطراف على حساب اطراف اكثر منها استرضاء الوطن ومصالحه فالشعب الذي فك اسره حديثا من قبضة بوليسية و يتكلم المنطق القبلي وتحزباته لايمكن التعويل عليه فلن تكون اختياراته خارج هذا المنطق ولهذا هو بحاجة الى ادخال عامل الفكر أي خلق حالة من التوازن تتيح للشعب ان يستدرك مستقبلا أي هفوة وليس كما حدث عند اختياراته الفاشلة لاعضاء المؤتمر الوطني العام حيث غلبت العاطفة والرضوخ للتزييف الاعلامي فكانت خيارات معيبة وهو ماسنشهده يتكرر في الانتخابات القادمة لسبب بسيط ..لاشي تغير ….لايمكن التعاطف مع لجنة فبراير وهي تشيح بوجهها عن حقيقة ان انقساما حدث على مستوى النخب كانعكاس لانقسام الجبهة الداخلية وبالتالي قيام اللجنة بافساح المجال وفي هكذا ظرف امام من يأتي ليمسك بكل الخيوط في يده اعتبره انتكاسة حقيقية وتوجه الى الاحتراب الداخلي وهذا الخطأ اتصوره يرجع لماهية هذه اللجنة التي كانت قانونية اكثر منها سياسية وفكرية لانها لم تراعي التجاذبات الحاصلة في الشارع الخارج لتوه من حرب اهلية والتي يجب مراعاتها في مرحلة انتقالية يحتاج ان يكون الجميع فيها حاضرا ليتحمل مسئوولياته ….. الواقع الليبي لازال هشا من الناحية الديمقراطية والجانب الاجتماعي مشوش بفعل الاحداث ومن ثم فان النظام الرئاسي قد يكون وبالا على الوطن خاصة انه يسبق لجنة الستين التي هي من ستنظر الى هذا الموضوع مما يعطي الانطباع ان الاتجاه العام هو النظام الرئاسي وهذا غير صحيح… كان على اللجنة ان تفتت السلطات وتقسمها بين البرلمان والحكومة لكي تكون هناك رقابة برلمانية حقيقية ولكن على مايبدو ان اختيارات اللجنة جاءت لتحاكي حركة البعض في الشارع وهذا مقتل النخب التي تبحث عن الانجاز وليس رقي وفاعلية المنجز …. اللجنة تغافلت او تغفلت عن كوننا شعب ضربت منظومته الاخلاقية وخربت وان هذا الرئيس الاوحد سيأتي من هذه المنظومة المهترئة التي ترى ان الصلاح يرتبط بشكل وثيق بنسبة تحقيق المصالح الخاصة وليس العامة وهذا ناتج عن تراكمات في الوعي الاجتماعي لدى الشعب كما اسلفنا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المنتصر خلاصة

كاتب ليبي

اترك تعليقاً