لم يفز بوشاقور .. ولم يخسر جبريل: لقد انتصرت الديمقراطية

لم يفز بوشاقور .. ولم يخسر جبريل: لقد انتصرت الديمقراطية

تابعت عن كثب وبتأن مختلف الملاحظات والتعليقات التي صدرت من العديد من المدونين والمعلقين على صفحات الفيسبوك حول مجريات وملابسات الاقتراع الذي تم في المؤتمر الوطني العام لاختيار من سوف يكلف بتشكيل الحكومة الانتقالية القادمة، ثم حول ما أسفر عنه ذلك الاقتراع مما حسبه البعض فوزاً للدكتور مصطفى أبو شاقور، وخسارة للدكتور محمود جبريل. واندفع كل متحيز أو متعصب لأحد الطرفين إلى محاولة إيجاد تفسير لما حدث، وما العوامل التي أدت إلى تلك الاصطفافات والتحزبات، فأسفرت عن نتيجة لم يكن كثيرون يتوقعونها، أو بالأحرى يتمنونها أو يرجونها.

ولكني أختلف مع أولئك المعلقين والملاحظين والمدونين في حكمهم وفهمهم لما حدث.. فحسم النتيجة لصالح الدكتور بوشاقور، بفارق جد ضئيل (صوتين فقط)، يعني في الحقيقة أنه لم يفز إلا بفعل الخضوع للمبدأ الديمقراطي الذي يقول إن الفائز هو من يحصل على أغلبية المقترعين، ولو كان ذلك بفارق صوت واحد. ولكن القراءة الصحيحة والموضوعية للنتيجة تقول إنه ليس ثمة في هذا الاقتراع فائز بالمعنى الحقيقي، ولا خاسر بالمعنى الحقيقي. فالدكتور بوشاقور، فاز بتأييد 96 صوتا، وهذا رقم لا يعطيه مطلقاً تلك الأغلبية المريحة التي تمكنه من الحكم أو القرار.. ومن ثم فإنه سوف يظل رهينة لتأييد أو عدم تأييد الفئة الأخرى المنافسة، تلك الفئة التي أعطت أصواتها للدكتور جبريل.. ولن يكون بمقدوره إن يمرر أي قرار مهم دون تأييد هذه الفئة، التي يحق لنا ديمقراطيا أن نسميها من الآن فصاعداً (المعارضة).. وسوف نرى ذلك متجسداً في أول استحقاق سوف يواجهه الدكتور أبوشاقور عندما يقدم حكومته إلى المؤتمر الوطني، ويطلب من أعضائه منحها الثقة اللازمة لاعتمادها وتخويلها بتحمل المسؤولية. ومن المعلوم أن للمؤتمر الوطني حق منح الثقة أو حجبها عن التشكيلة الوزارية التي يطرحها رئيس الحكومة، سواء كلها أو بعضها، وله الحق في قبول ترشيح بعض الوزراء ورفض بعضهم، وإعادة الكرة إلى رئيس الحكومة كي يقترح بدلاء لهم، للمؤتمر أيضاً أن يقبلهم أو يرفضهم.

ودعونا نتأمل ما سوف يحدث في هذا المنظور… سوف يقدم رئيس الحكومة المكلف قائمة بأسماء الوزراء الذين يقترحهم لمختلف الحقائب الوزارية، ثم يدعى كل وزير مقترح لتقديم نفسه وبرنامجه للمؤتمر، فيما يتعلق برؤيته لوزارته: كيف سيديرها، وما خطته لتطويرها وتنمية العمل فيها..إلخ.. وبعد ذلك يطرح الأمر على المؤتمر لقبول الترشيح أو رفضه.. وإذا صحت معلوماتنا عن أن مسألة منح الثقة للحكومة أو للوزير هي من المسائل التي اتفق على أن تطلب فيها تلك الأغلبية الموصوفة التي قررها المؤتمر الوطني، أغبية 120 صوتاً، فإن ترشيحات رئيس الحكومة لن يمكن أن تمر إلا إذا حصلت على 120 صوتا.. وهنا يأتي مغزى حديثنا عن أن بوشاقور لم يفز، وأن جبريل لم يخسر.. فبوشاقور لم يفز لأنه لن يكون له الوزن الكافي (الأغلبية اللازمة) لتمرير قراراته واختياراته، وجبريل لم يخسر لأنه سوف يكون هو مالك القرار المرجح للمسائل المطروحة على النظر. إن بوشاقور سوف يظل بحاجة إلى 24 صوتا لكي يمرر أي قرار من قراراته، بدءاً من اختياراته للوزراء الذين سوف يشكلون حكومته.

وبالطبع أرجو ألا يفهم القارئ المتعجل أني أقول هذا الكلام لأني ضد بوشاقور أو مع جبريل.. وأرجو أن ينتبه هؤلاء إلى معنى العنوان الذي اخترته لهذه المقالة وهو (لم يفز بوشاقور، ولم يخسر جبريل، لقد انتصرت الديمقراطية) .. وهذا هو ما أود تأكيده.. فأنا أرى أن المنتصر الحقيقي في هذه العملية كلها هو خيارنا الديمقراطي.. فنحن الآن يحق لنا أن نفخر بأن لدينا مؤسسة تشريعية تتمتع بشرعية حقيقية، نابعة من إرادة الشعب، وأن هذه المؤسسة تتوزع في داخلها موازين القوة بطريقة متعادلة ومتوازنة… وأننا لأول مرة في تاريخنا، بات بوسعنا التمتع والفخر بأن لنا برلماناً (مؤسسة تشريعية)، هو الذي أفرز لنا بطريقة ديمقراطية شفافة مؤسسة تنفيذية (الحكومة)… وأن برلماننا هذا يضم بين صفوفه طرفي المعادلة الديمقراطية: الحكومة والمعارضة… وبحسب النتيجة التي أفرزها الاقتراع، لا يملك أي من الطرفين الأغلبية المطلقة التي تمكنه من الانفراد بالقرار.. وفي هذا جانب إيجابي، هو عدم منح السلطة التنفيذية (الحكومة) الأغلبية الكاسحة التي تمكنها من الهيمنة المطلقة على القرار. ولكن يمكن أن يكون فيه جانب سلبي، هو تعنت المعارضة، وتوجهها إلى تسقط العيوب والسلبيات للحكومة، بالحق وبالباطل، وممارسة قدرتها على عرقلة قرارات أو اختيارات الحكومة.

وإني أحذر المعارضة من الوقوع في هذا المنزلق الذي أشرت إليه.. فنحن نمر بمرحلة تاريخية بالغة الصعوبة والحساسية، نواجه فيها الحاجة الملحة والعاجلة لإيجاد السبل الكفيلة بتمكين الدولة من فرض سلطتها وهيبتها على مجريات الأمور في البلاد، حتى يمكن أن تبسط الأمن والأمان، وتمهد الطريق لتفرغ أبناء الوطن من المختصين والكفاءات لوضع ما يلزم من خطط وبرامج لتعويض ما فات، وإرساء الدعائم اللازمة لإعادة البناء.

من هذا المنظور أرجو أن تتسم قيادة المعارضة (إن كان لها بالفعل قيادة) بأعلى درجة من الحس الوطني، فتغلب في قراراتها واختياراتها المصلحة الوطنية الاستراتيجية، فتؤيد ما فيه المصلحة، ولا تستهدف إحراز انتصارات هزيلة رخيصة على الحكومة ورئيسها، من خلال عرقلة قرارات أو مشروعات تتقدم بها الحكومة أو تطلب من المؤتمر الوطني إقرارها.

أتمنى مخلصاً وصادقاً التوفيق للدكتور مصطفى أبو شاقور أن يوفق في أداء هذه المهمة التاريخية، وأن يعينه على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة، وأن ينير طريقه لإحسان اختيار الرجال الذين سوف يعتمد عليهم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً