ليبيا في حاجة إلى توافق أساسي لا عزل سياسي!

ليبيا في حاجة إلى توافق أساسي لا عزل سياسي!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

كثر الحديث هذه الأيام عن مشروع قانون ما يسمى بالعزل السياسي, وكأنه السحر الذي سيخلَص ليبيا مما تعانيه من مشاكل وصعوبات! خلَفها نظام ألقذافي وتعاظمت بعد سقوطه ولا تزال بالرغم من مضي قرابة العام والنصف على موته وانهيار نظامه.هناك مجموعات حزبية تحركهم دوافع إيديولوجية هم طليعة من يسعى إلى ذلك ويصرَ عليه, وهناك أفرادا جرَتهم عواطفهم لدعم ذلك المشروع دون تفكير! ترى ما الذي سيترتب على استصدار قانون للعزل السياسي في ليبيا اليوم ؟! وما النتائج المرجوة من ذلك مستقبلا؟

للإجابة على ذلك لابد من معرفة رأي الشعب الليبي في ذلك, ومدى دعم الشعب من عدمه. ديمقراطيا لا يجوز إملاء قوانين تمس الشعب الليبي من فئة قليلة مهما كانت الاعتبارات, وديمقراطيا على الذين يسعون إلى ذلك أن يقنعوا الشعب الليبي لكي يحققوا الأغلبية في دعم مشروع القرار.الشعب الليبي لن يقبل أبدا أن تنوب عنه فئة أو مجموعة في تمرير أي مشروع وتلك هي مبادئ الديمقراطية, ليس ممكنا الآن فرض أي شيء عن الشعب بالقوة أو بالحيلة! فالليبيون واعون سياسيا وليس بمقدور احد استغفالهم بعد أن انتفضوا في 17 فبراير وقدَموا الأرواح والدماء, لن يسمح الشعب الليبي الذي سبكته التجارب لأي مدعي أن يتقمَص دور المرشد أو الموجَه لخيارات هذا الشعب, لقد ولَى زمن التوجيه والإرشاد السياسي الممنهج وكفانا من المهاترات التي كانت تلوَث سمع وعقول الليبيين خلال عقود أربعة.

لا افهم بالتحديد كيف ينظر دعاة ذلك القانون إلى الشعب الليبي! وهل ينكرون أو يتجاهلون واقع الانقسام السياسي وحتى الاجتماعي بين الليبيين؟!. فهل يعقل وهذه الحال أن نطالب الشعب وهو منقسما على نفسه أن يعزل بعضه البعض الآخر بدون ضوابط يتفق عليها الجميع! إن الظروف المنطقية لتفعيل هكذا قوانين غير متوفرة وان المعطيات الحالية لا تصب في مصلحة عزل وإقصاء أي كان من الليبيين لمجرد انتماء أو عمل في مؤسسات كانت قائمة في دولة اسمها الجماهيرية الليبية حتى 23 أكتوبر 2011.

بدلا من هذه الحملات الإعلامية المركَزة المدفوعة بأجندات حزبية تتخذ من الشعارات الوطنية مطايا لتمرير رؤاها, فتضخَم الاعتصامات التي لا يتجاوز أفرادها العشرات! بدلا من ذلك انزلوا إلى الشارع وتحاوروا مع الليبيين وأقنعوهم أولا بما تنوون, وان لم تقدروا فانسحبوا وجرجروا ورائكم مشاريعكم الوهمية التي لاتسمن ولا تغني من جوع!. بدلا من كل ذلك الهرج يكفي أن تتبنى الحكومة الليبية والمؤتمر الوطني العام إصدار قرار وليس قانون يقضي بتخويل رئيس المؤتمر ورئيس الحكومة بإبعاد من يرون إبعاده في حالات التكليف للوظائف العليا التي يتم تحديدها في القرار.

بكل عقلانية, لسنا في حاجة إلى ما يزيد الاحتقان ويقدح شرر الفتنة الذي ينفخ فيها الحاقدون بين حين وآخر. الليبيون يريدون قانونا لمحاسبة من ارتكب جرائم في حقهم قبل وبعد القذافي لا مجرد عزله سياسيا لكنهم يعرفون جيدا من هم الأفراد الذين أجرموا في حقهم ومن الذين استغلوا مناصبهم فأجرموا واختلسوا الثروة وعاثوا في البلد فسادا! الليبيون في ذلك لا يريدون الاحتكام للعواطف وسوء النوايا! بقدر ما يصرَون على أن الفيصل في تحديد من يجب أن يحاسب من الإفراد هو القضاء العادل النزيه الذي يفصل في كل الدعاوى التي سترفع ضد المتهمين فمن تثبت إدانته يحاسب وفق القانون, ومن يبرأ يحتضنه الليبيون مواطنا له ماله من الحقوق وعليه ما عليه من الواجبات.

دعونا من الخوف المغلَف بالأحقاد الدفينة, فلن تبنى دول وفي قلوب أبنائها غلَ وحقد يتجذَر! ليبيا يا سادة في حاجة ماسة وملحة لحوار وطني أساسي لا لعزل سياسي! ليبيا في حاجة إلى توثيق عرى اللحمة الوطنية من خلال الحوار الديمقراطي الراقي لا إلى فصمها وتمزيقها من خلال العزل والإقصاء السياسي! ليبيا يا سادة في حاجة ماسة لكل أبنائها, واختلاف الرؤى والأفكار ظاهرة صحيَة ومؤشرا ايجابيا للديمقراطية, ليبيا أم… والأم لا يمكنها إلاَ أن تحضن كل أبنائها حتى أولئك الذين أجحفوا في حقها!. ليبيا الآن في حاجة إلى جهود أي ليبي وكل ليبي.. وأي محاولة لإقصاء إي جهد مهما صغر, هي في الواقع خذلان للوطن ونكوص عن الواجب, هذه هي حقيقة ليبيا الوطن والثورة .. فهل يقبلها الساسة وصناع القرار!؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً