ليبيا والاضطراب الدولي المستمر

ليبيا والاضطراب الدولي المستمر

عن دار صفصافة للنشر، صدرت الترجمة العربية لكتاب (ليبيا في ظل الاضطراب المستمر على مستوى العالم) للباحث والخبير في الشأن الليبي الأمريكي جايسون باك.

ينطلق الكاتب من فرضية انهيار نظام ما بعد الحرب الباردة، وولوج العالم اليوم مرحلة انتقالية من أبرز سماتها الاضطراب المستمر، ذلك لأن الانتقال من قوة مهيمنة عالميا إلى قوة أخرى يؤدي إلى فترة من التعددية القطبية، ولا يمكن للمنافسة المتعددة الأقطاب أن تحل، إلا بظهور قوة مهيمنة عالمية جديدة مستعدة للعب هذا الدور، أو الوصول لحالة من توازن قوى منظم.

في الاضطراب المستمر تفتقد القوى الرئيسية التنسيق لعمل منهجي، يحقق أهداف تصب في مصلحة الجميع، فأمريكا تخسر خلال هذه المرحلة الحالية قوتها المهيمنة بشكل جزئي، بالمنافسة مع الصين وروسيا.

يسمي الكاتب هذه المرحلة بخلو العرش، لأن أمريكا في حالة تراجع، والصين تفشل في قيادة العالم أو لا ترغب في ذلك، وعدم وجود اقطاب حقيقية توازن النظام، وهذا يجعل العالم يعيش حالة الاضطراب المستمر، وليبيا من أكثر الدول تأثرا بهذا الاضطراب.

ويرى الكاتب أنه بقدر تأثر ليبيا بحالة الاضطراب بالمزيد من الانهيار الداخلي، فهي أيضا تؤثر فيها بالقدر نفسه، معتبرا أن ليبيا كانت جزءا من أسباب بعض الأحداث العالمية الرئيسية، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب ترامب، وصعود اليمين في إيطاليا.

من الأحداث التي اكتنفها بعض الغموض في الشأن الليبي، وعرض الكتاب كافة تفاصيلها، كانت مكالمة ترامب لحفتر بعد أيام من هجومه على طرابلس، يشير الكاتب إلى أنها تمت بطلب من الرئيس المصري السيسي، الذي طلب أيضا منح حفتر اعتراف أمريكي يمنحه صفة صاحب السيادة في ليبيا، ولكن ترامب رفض بناء على نصيحة من مستشاريه في فترة الاستراحة.

فسرت المكالمة من المراقبين والمتابعين الأمريكيين، على أنها تأييد من البيت الأبيض لهجوم حفتر على العاصمة، واعتبر الكاتب أن هذا التفسير السهل كان فخا لم يقع فيه المعلقون العرب، مستشهدا بما ورد في صحيفة “عين ليبيا” على لسان محلل عسكري قال “المكالمة تمت قبل 4 أيام، ولم يعلن عنها في بيان رسمي للبيت الأبيض حينها، ولم يعلن عنها حفتر على الفور رغم حاجته لدعم حملته، ما يعني أن فحواها لا يصب في مصلحة هجوم قواته على العاصمة”.

البحوث والدراسات حول تطورات الأزمة الليبية، وكذلك والمشاريع التي عمل فيها الكاتب خلال السنوات الماضية، منحته خبرة كبيرة في فهم الخريطة السياسية، ومراكز القوى محليا واقليميا ودوليا، ومختلف المصالح والعلل، التي تصب كروافد في المجرى الرئيسي للأزمة، فالكتاب يشرح بعمق أسباب الأزمة ومحركاتها وسبل المعالجة.

ولأن الكاتب يركز كثيرا على الأسباب الاقتصادية للصراع، من دون إهمال العوامل المغذية الاخري، فهو يفصل كثيرا في آليات عمل المؤسسات الاقتصادية الليبية، وسياسات الاسترضاء التي تكاد تكون قاسما مشتركا بين كل الفاعلين السياسيين، ويقدم عشر توصيات متعلقة بالسياسات الاقتصادية لإزالة العوامل الاقتصادية للصراع، ووضع البلاد على طريق الازدهار وتنمية رأس المال البشري، ورغم بعض الاستطراد والاستغراق في التفاصيل، فإن الكتاب جدير بالقراءة لكل مهتم بالشأن الليبي، كتب المقدمة للنسخة العربية الدكتور الطاهر الجهيمي، وكتب الخاتمة جوناثان واينر المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى ليبيا، وضم الكتاب عدة شهادات ومداخلات قيمة لشخصيات سبق أن تولت بعض المسؤوليات الدولية في ليبيا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبد الله الكبير

كاتب صحفي

اترك تعليقاً