ماذا يريد الليبيون والليبيات بعد تشكيل حكومة الوفاق؟

ماذا يريد الليبيون والليبيات بعد تشكيل حكومة الوفاق؟

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

ليبيا مثلها مثل باقي ثورات الربيع العربي تعثرت كثيراً للخروج من مأسي الحرب ووجود المليشيات الي الدولة المدنية الفعالة والرائدة في حماية المواطن وضمان حقوقه.  ليبيا هي أكثر المتضررين من سيطرة المليشيات المسلحة والمدن المارقة والقبلية والجهوية والعصبية الخاسرة على مفاصل الدولة وخاصة المالية منها. عندما اجريت انتخابات 7/7/2012م، شارك فيها الليبيون والليبيات بكل حماس لقناعتهم بأن عهد جديد سيبدأ لهم ومستقبل سيكون زاهر لأطفالهم ولوطنهم.  اختاروا النخب ولكن هذه النخب سرعان ما أتضح انها انقسمت الي كتل تهدف لخدمة ايديولوجياتها ضد قيام الدولة المدنية وضد قيام الشرطة والجيش.  لقد قاد هذا الأخوان المسلمين وجبهة الأنفاذ وبعض من الجماعات الاسلامية المتشددة مثل الليبية المقاتلة والسلفية الخ……  ضاع الوطن باختيار حكومة ضعيفة جدا برئاسة الكيب وتبخرت الاموال ونهبت ميزانية الدولة وأصبحت المليشيات قوية ومدن تريد فرض نفسها على الواقع السياسي المهزوز.  جاءت حكومة علي زيدان وكان هنالك أمل في أن يقود ليبيا ويقضي على الاخوان وسيطرتهم على المؤثر الوطني ولكنه أجبر على الانصياع لكل ما يريدونه وتفشي في هذه الحكومة مرض سرقة المال العام وبأوجه شرعية وغير شرعية وضرب علي زيدان بعرض الحائط كل أهداف ثورة 17 فبراير وتنصل من كل القوى الوطنية. أزيل المؤتمر تحت ضغط شعبي كبير وحل محله البرلمان بحكومة ضعيفة ورثها من المؤتمر ولم يستطيع ازالتها الي اليوم لأن من ينصحونهم هم من يسمون أنفسهم بالقوي الوطنية ويريدون بسط السيطرة على البرلمان والحكومة حيث الأخوان فشلوا في الحصول على مقاعد كثيرة في اي انتخابات بليبيا خلال 2013 أو 2014م.  البرلمان لا يملك شيء والمؤتمر الوطني اعاد تنصيبه من قبل مليشيات مصراته وفجر ليبيا وأعلنوا حكومتهم وهي غير معترف بها في اي مكان الا في مصراته وطرابلس ومدن غرب ليبيا وليس من جميع الليبيين والليبيات.

موقف المجتمع الدولي من هذا كله كان موقف المتفرج والانحياز الى من يضنون أنه يملك القوة على الأرض. كان يحاول الوقوف على مسافات متساوية من الجميع وأقحم الاخوان وساندهم بقوة للمشاركة في اي حكم أو حل سياسي بليبيا. الاخوان كانوا أذكياء ومنظمين واستغلوا سكوت المجتمع الدولي ودعم المليشيات بالأسلحة لهم وذلك بتغلغلهم في كل الادارات الحيوية وخاصة مصدر الاموال حيث الاموال هي من تجعل المليشيات قوية ومستمرة خريجي سجون القذافي يسيطرون على الكثير من هذه الاماكن ومنهم الاخوان أو اللبيبة المقاتلة أو أنصار الشريعة وغيرهم. لقد اخطاء المجتمع الدولي وباعترافهم بهذا الخطاء ومساندتهم ودعمهم لهؤلاء من جماعة الاسلام السياسي لضمان شرهم وكذلك احتوائهم تحت مظلة واحدة دون الاكتراث لما يطالب به أو يريده الشعب الليبي. رغم أن الكثير من النخب السياسية الوسطية والمعتدلة نصحت وطالبت المجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة وسفراء الدول الكبرى، بأن ينظر لليبيا وشعبها بأنه وسطي ولن يقبل بهؤلاء الاسلامين المتشددين والطامحين لأخد السلطة وهي فرصتهم الاولي في بلد غني بموارده وموقعه ومباركة الكثير من دول أوروبا وأمريكا ودويلات عربية ليس لها تاريخ غير الصحراء والنفط والغاز. توهمت هذه المجموعات بأنهم أحكموا القبضة على ليبيا وعندما خسروا انتخابات البرلمان وهيئة الدستور ومجالس البلديات، أشهروا السلاح ضد الليبيين ومن يعارضهم وأصبحت ليبيا في حرب بأسلحة تقدمها بعض من دول المجتمع الدولي وتحت مرمي ومنظر الدول الأخرى. الان وصلت ليبيا الي أخطر دولة في شمال أفريقيا في تصدير الارهاب والهجرة غير الشرعية وغسيل الاموال والمخدرات. اتأسف جدا ً لكتابة السطر الأخير عن وطن طالما حلمت بأن يكون يوماً شامخاً وقوي.

الحوار بين الليبيين مستمر وأتفق الجميع على الخروج من هذه الفوضى وبرعاية الامم المتحدة والمجتمع الدولي وتخلف عن هذا المؤتمر الوطني المنتهية صلاحيته ومعهم قادة مليشيات فجر ليبيا وعلى راسهم بلحاج وعبد الرحمن السويحلي وبادي والصادق الغرياني ومن يتبعهم وهم للأسف كثيرون. رغم أن لدينا تحفظات على مسودة الحوار ولكن يجب أن تكون هنالك تنازلات من أجل الوطن حيث أذا استمرت الحالة لن يكون هنالك وطن. هنا تدخل المجتمع الدولي وكعادته أصدر الاتحاد الاوروبي عقوبات خاصة لعدة اشخاص ونسي أن رؤوس أخري هي من تخطط وتدمر ليبيا من الداخل وبمساعدة دويلات من الخارج أمثال بلحاج والصادق الغرياني والموثمر الوطني وبمن فيه ومليشيات كاره وغنيوة والليبية المقاتلة وأنصار الشريعة. هذا قرار غبي جداً ولن يؤثر في أي شيء بل سيزيد من تفاقم المشاكل. الحضر يكون من مجلس الامن ولعدة اشخاص بما فيهم قيادات عسكرية وقادة أحزاب وشيوخ قبائل. ليبيا لم تكن في مقدمة جداول أعمال المجتمع الدولي الا بعد ما ظهرت داعش وزيادة في الهجرة غير الشرعية.

المجتمع الدولي جلب ايان مارتن سنة 2011/2012م والذي لم يكن في المستوي المطلوب ولو أنه استمع للوزراء بالمكتب التنفيذي وبعض وزراء حكومة الكيب وقاموا بتنفيذ ومساعدة اوليات هؤلاء الوزراء، لكانت ليبيا تختلف. لكنه رفض هذا ووضع نفسه موضع المتفرج فقط وتقبل نصيحة من خربوا ليبيا ومازالوا يخربون هذا الوطن أمثال قطر وتونس والجزائر وبعض قادة أحزاب ليبية ونخب سياسية فارغة من علم السياسة. ثم جاء طارق مثري وأنحاز كليا للإخوان كما جاءته التعليمات وأستمر في هذا رغم النصائح والصراخ من قبل النخب الوطنية له الا أنه استمر في مشواره كما رسمه له الاخرون وتبني سياسة الجزرة وراء الجزرة الي أن انكسرت الجزرة على رأسه وغادر ليبيا مهزوم كما جاء مهزوماً وهو يتحمل مسؤوليات كثيرة في سبب فشل الامم المتحدة والمجتمع الدولي الي ما ألت له ليبيا وعدم سماعه لنصائح القوي الوطنية وبعض من دول العالم. ليون دخل الحلبة ووقع في خطاء أخر وكبير وهو أنه بداء بالتواصل مع الجميع ووضع الشرعية في مطاف الآلاء شرعية وهو يريد أن يشمل الجميع وأستمر في سياسة الجزرة وسياسية الوقوف على مسافات متساوية من الجميع دون علم بأن العربي دائماً تتغلب عليه صفة الخداع والمراوغة دون أن يضع مصلحة الوطن قبل مصلحة مدينته وقبليته وعشيرته وماذا سيتحصل من هذا كله كشخص أو أشخاص.  نسي كذلك أن استعمال الحزم هو ما يريده وهذا ما يجب فعله مع هؤلاء المتشددين. لن يفلح حتى ولو أتصل بكل واحد يمكن أن يكون جزء من مشاكل ليبيا. لم يسمع النصيحة ولم يكترث للكثيرين وأختار من سيلتقي بهم علي اساس أنهم هم من يملك التحكم في صنع القرارات بليبيا ونسي أن ليبيا لا يتحكم بها أحد غير ابنائها من الشرفاء والعقلاء. تجاهل النصائح من بعض الدول وأستمر في عمله وماطله الاخوان وقادة فجر ليبيا وبعض المدن ورضخ لهم في بعض الحالات. حاول ترضية الجميع دون أن يعي بأنه دخل في صراع جديد لا يمكن أن يخرج منه بسهولة طالما لم يستعمل الحزم والتلويح باستعمال العصا إذا خرج بعض هؤلاء المتشددين عن مسار الحوار وعرقلوا الحل السياسي السلمي.

المجتمع الدولي الأن في ورطة كبيرة أتجاه ليبيا حيث ساعد الليبيين في التخلص من القذافي ثم تركهم لوحدهم يتصارعون من أجل بناء دولتهم والان يريد فرض عليهم الحلول وهي معقولة جدا. بعضهم رفض وبعضهم ينتظر وبعضهم راضي والاغلبية بعيدة كل البعد ولا يريدون حتى الحديث عن الصلح لأنهم مستفيدين من هذه الفوضى ولا رقيب ولا حسيب عليهم. الطريق أصبح شبه مقفل أمام ليون والامم المتحدة والتي لن تستطيع حل هذا المشكل الليبي الأب أعادة استراتيجيات الحوار واشراك أخرين أو تطبيق مخرجات الحوار السبق ولو باستعمال العصا.  اتجه للمساعدة ومن يريدون المساعدة وقعوا في خطاء كبير بصدار عقوبات على خمسة شخصيات. اثنان يحاربون الارهاب والذي لم يحاربه الاتحاد الاوروبي بل منع بيع اسلحة للجيش الليبي ووقف ضد قادة الجيش الليبي. أم الثلاثة الاخرين فهم فعلاً متورطين ولكن ليس لوحدهم وهذا القرار ربما سيكون اغبي قرار يخرج لحل مشكلة ليبيا بعد قرار البرلمان بوصف فجر ليبيا بالإرهابين وخسر غرب ليبيا كله.

ماذا يريد الليبيين والليبيات من المجتمع الدولي لمساعدة حكومة الوفاق الوطني للخروج بليبيا من هذا المأزق: (يمكنك كذلك تصفح رد بعض الاخوة على صفحتي وهو ملخص على الرابط التالي http://www.nagibarakat.com/?p=372)

  1. الكف عن اصدار عقوبات عن أي شخص ليبي وترك هذا للحكومة الليبية والقضاء الليبي بمتابعة كل من أجرم في حق ليبيا وحق أي مواطن ليبي أو سرق المال العام
  2. مساعدة الحكومة في تنفيذ اولويات الوزرات الخدمية مثل التعليم والصحة والموصلات والكهرباء والنفط والغاز
  3. ترسيخ مبدأ اللامركزية في الخدمات العامة ومساعدة عمداء البلديات في تنفيذ مشاريع صغري وكبري حسب الخطط المطروحة بالسابق أو ما تقدمه كل بلدية، هذا سيوفر فرص عمل للكثرين وخاصة من هم الان منظمين للمليشيات
  4. ترسيخ مبدأ التدريب لليبيين وبكل مشروع ينفذ يجب أن يكون هناك تدريب للعناصر الليبية
  5. مساعدة الحكومة في تطوير وتدريب الجيش الليبي والشرطة
  6. المساعدة في القضاء على الفساد المالي ومنع السرقات وذلك من خلال التحكم في دفع الموال وارساء المشاريع ومتابعتها من خلال تعين مدير للمشروع من شركات محترمة وتحضي بالشفافية ولديها سجل نظيف
  7. البداء في تنفيذ مشاريع مهمة تجلب للمواطن الطمأنينة ويكون دعمه للحكومة ومشاركته في بداء عجلة التغير.  مثل تحسين الكهرباء والموصلات واستكمال المطارات بطرابلس وبنغازي وتحسين الخدمات بالمستشفيات والمدارس والطرق.
  8. ترسيخ مبدأ الشفافية لدي الحكومة ولدي عمداء البلديات
  9. المساعدة في جمع السلاح وأتلافه أو تخزينه تحت رعاية دولية الي آن يكون جيش بليبيا
  10. المساعدة في تفعيل المؤسسة القضائية والاسراع بمحاكمة كل من هم في سجون الدولة بتهمة سياسية أو الاساءة لليبيا
  11. مساعدة الوزراء الجدد ورئيس الحكومة في وضع استراتيجيات وتنفيذ المشاريع وذلك من خلال خبراء متواجدين مع هؤلاء الوزراء ولجانهم وأن يكون مدير أي مشروع من الخارج ومعه ليبي
  12. حت دول الجوار وبالذات قطر وتركيا والسودان ومصر والمارات بعدم بيع أو تسهيل شراء أسلحة لأي طرف من الاطراف بليبيا وخاصة المليشيات وبعض المدن مثل مصراته والزنتان.

عندما عرضت هذا السؤال على بعض متتبعي صفحتي في الفيس بوك كان اغلبيتهم يريدون الامن والأمان قبل كل شيء وهذا شيء بديهي جداً ان جميعهم لديهم أطفال ونساء وفي غياب القانون يكونوا عرضة لأي شيء من قبل الخارجين عن القانون من مجرمين ومليشيات ومدن ومناطق. ثم يأتي الجيش والشرطة وتطوير الخدمات وتوفيرها.

المجتمع الدولي لديه مهمة كبيرة للمساعدة في اخراج ليبيا من هذه الفوضى والتي ساهموا فيها بقدر كبير عندما غضو النظر عمن كانوا سبباً ولا زالوا أحد الأسباب في هذه الفوضى الخلاقة والتي لن تنتهي. العربي والبدوي وخاصة العالم الثالث، لا يعرف غير الحزم والجزرة لا تنفع في وجود السلاح وخاصة عند الجاهل بالوطن وحقوق الاخرين ومن يضن نفسه أنه يملك القوة والمال.  لهذا الحزم يجب أن يكون موجود وعلى ليون أن يفكر في طريقة أخري غير تسمية بعض الاسماء والاجدر أن تكون هنالك قائمة طويلة ويبلغون شخصياً من الامم المتحدة بهذا بأنهم أحد الأسباب في عرقلة الحل السياسي في ليبيا. الحل العسكري هو أخر الحلول وإذا طلبته الحكومة الليبية الجديدة فهو لتنفيذ برامجها واولوياتها وبمساعدة الخبراء الاجانب وحماية دولية الي أن تتكون دولة ليبية. العمل مع الليبيين ومن مختلف الاطياف وأشراكهم وتدريبهم علي تسلم القيادة في وقت لاحق لكل المشاريع الصغرى والكبرى. السيد ليون يجب عليه العمل مع الدول المؤيدة للمسودة وتطبيقها بكل الطرق وترك من تخلفوا فهم سيلتحقون يوماً.

العمل مع الليبيين والليبيات لتحقيق طموحاتهم في قيام دولة مدنية مبنية على احترام الفرد والجيران والقانون الدولي وأكثر شيء هو احترام حقوق الانسان ونبذ العنف والمساواة بين جميع الليبيين والليبيات بما يكفله القانون والعرف والدين الاسلامي. بناء ليبيا يحتاج الجميع ونحتاج للمجتمع الدولي للوقوف معنا في الخروج بهذا القطر من الظلام الي النور.

اللهم يسر أمور الليبيين والليبيات وحقق طموحاتهم

هذا المقال لايعبر سوى عن رأي كاتبه كما أنه لا يعبر بالضرورة عن عين ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً