ما بعد النفعية لزيارة ترامب وغربة حوار الأديان

ما بعد النفعية لزيارة ترامب وغربة حوار الأديان

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

بدأت أول تحركات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السيد دونالد ترامب الخارجية للمثلث الديني: الوهابي الصهيوني الكاثوليكي.. من آل سعود إلى بني صهيون إلى البابا فرانسيس. بالتأكيد تحركاته لم تكن ما بين الأديان السماوية الثلاثة. فالأصح أنه ألتقى بالمذاهب الثلاثة التي  تقع ضمن الأديان: الإسلام واليهودية والمسيحية. فالواضح أن محركات الأديان الثلاثة تقع اليوم، وعلى التوالي، تحت عباءات الوهابية والصهيونية والبابوية الكاثوليكية  بالرغم من أن أمريكا تحركها البروتستانتية اللوثورية، التصحيحية والثائرة على المسيحية الكاثوليكية، منذ خمسة قرون. وقد نحتاج قبل قراءة زيارة السيد ترامب الثالوثية، ما بعد النفعية،  للوقوف عند المحطات التالية:

  • لا ندري هل تحركات السيد دونالد ترامب جاءت من باب الصدفة أم أنه يريد أن يتوج هو وإخوانه اللوثورين الذكرى الخمسمائة لإعلان الثائر مارتن لوثر عن رفضه لممارسهبيع الكنيسة الكاثوليكية لصكوك الغفران للمساكين من المؤمنين وانفصاله عنها بعد الانتقادات التي سطرها في مذهبه الجديد.
  • يدعي الجميع بأن زيارته للرياض كانت للقاء القمة مع الدول العربية والإسلامية .. فلماذا غيبت إيران الفارسية الإسلامية؟! أم أن شهادات الاسلام توزعها العائلة السعودية بعد إلباسها بالعربية ويعتمدها السيد ترامب!!!
  • تداولت وسائل الاعلام والصحف تعبيرا تشير فيه إلى الأديان الثلاثة بقصد: الإسلام واليهودية والمسيحية، والكاتب يرى التعبير الأدق هو لقاء للمذاهب الثلاثة: الوهابية والصهيونية، والكاثوليكية.
  • أدعى السيد ترامب بأنه سيعمل على السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع زيارته للقدس المحتلة ولحائط المبكى ، المغتصب من نصف قرن، ورفضه زيارة رام الله بل وبتعبير غير مفهوم عن محرقة اليهود جامل الصهاينة بقول أنها “أظلم ساعات التاريخ” وهل يعني ذلك بأنه نسى كارثة هيروشيما ونجزاكي أو الإرهاب وأحداث 11 سبتمبر؟!
  • مع تزامن حرمان الكثير من المسلمين من الصرف على أنفسهم لدفع إتاوات الحج المكلفة تدفع السعودية حوالي 400 مليار لإرضاء السيد ترامب وزوجته السيدة ميلانيا، وكذلك أبنته إيفانكا، وبدون أن تكلف السيدة ميلانيا نفسها عناء مجاملة تقاليد “دولة راعية الإسلام!!” ولو صوريا وشكليا!
  • تكتمل الحشمة لذا السيدة ميلاينيا حرم السيد ترامب، وأبنتها، عند زيارة البابا فرانسيس بغطاء الرأس الأسود بل وحتى جزء من الوجه.
  • مع اختلاف البابا مع السيد ترامب في مسألة الإجهاض ومنع تسرب الكاثوليك الفقراء من أمريكا الاتينية حرص على ظاهر الدبلوماسية وتمسكه ببروتستانتيته فأهدى البابا، الذي طلب أن يكونوا متحدين من أجل السلام، مع قطعة جرانيت ونحت برونزي مجوعة كتب للمناضل مارتن لوثر كنج! لا ندري هل هو تجسيدا للديمقراطية الليبرالية المنحازة للأقليات؟ أم أنه تعصب للمصلح مارتن لوثر وهو الجمهوري المتعصب!
  • أكد السيد ترامب على أعضاء حلف النيتو ببروكسيل على ضرورة رفع نسبة الصرف على التسليح إلى 2% من الناتج القومي لكل دولة على أقل تقدير وتباهي بأن أمريكا تصرف أكثر من 3%.. فهل هذا يعني بأن الحروب والصرف على التسليح هو المحرك للأقتصاد؟!!! لا ننسى أيضا الغلاء الفاحش الذي يضرب الدول الاسلامية في المواد الغذائية “المستوردة”!
  • مع اجتماع الدول 7 في بلدة “تاورمينا” الصغيرة في جزيرة صقلية رفض السيد ترامب قبول اتفاقية المناخ في فرنسا 2015 أو اتفاقية التجارة العالمية بينما اتفق معهم على محاربة الإرهاب تجفيف مصادر التمويل، ودفع الشركات الكبرى للانترنت من لمنع المتطرفين من توظيف الانترنت لاستقطاب الشباب والترويج لفكرهم.

حوار الأديان ومشروعية محاربة الارهاب:

أستهل السيد ترامب زيارة بربط خيوط التواصل بين ما يسمى “بحوار الأديان” أو من يمتلك خيوط اللعبه في الأديان الثلاثة والمتمثلة في:الوهابية، والصهيونية والبابوية الكاثوليكية.. لقد جمعهم على محاربة الإرهاب وإحلال السلام! الكلمتان براقتان تجذبان أي إنسان وتحركان روح التعاطف معهما. وتبقى التفاصيل مع يمتلك خيوط اللعبة يوجهها نحو مصالحة.

عقد السيد ترامب صفقة ضمن فيها تحريك تجارة السلاح والنفط لشركات أمريكية بتوقيع عقود تصل إلى مئات المليارات من الدولارات لضمان استمرار الوهابية كراعية للإسلام واستمرارها كخزينة لجمع إتاوات الحج من العالم الإسلامي بمختلف طوائفه ومذاهبه. فمن يدفع لترامب مئات المليارات بالتأكيد يملك امكانية تعويضها برسوم الحج من الغلابة والمساكين المعوزين الذي يرغبون في شراء رضى الخالق تقدس أسمه بالدولار والريال!!!

صفقة ترامب هي ضمان لاستمرار الوهابية وحمايتها من أي تحرك ضدها. فالوهابية هي الخطوة الأولى في اتجاه التطرف الديني الجهادي وهي الراعية لكل التطرف في العالم والموجه بدقة نحو اهدافه. إلا أن بعد انفلات زمام الأمر من صانعيه من استخبارات لا دين لها ولا جنسية .. فعوضا أن يخدمهم التطرف الوهابي في خلق الفوضى الخلاقة في الدول المراد ترويضها وخاصة الراغبة في التخلص من الدكتاتورية والتطلع للحرية والديمقراطية .. هذا التطرف المبارك بعذابات الناس وآلامهم وتحطم أحلامهم يرتد على مدنهم وبكل أسف يكون الضحايا مدنين في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وتركيا والعراق وأخرها انفجار حقيبة على ظهر الشباب سلمان العبيدي لنفسه  في أرينا بمانشستر ببريطانيا.

ترامب والميكافيلية وما بعد النفعية!

رفض ترامب الالتزام بأي اتفاقيات أو معاهدات بيئية أو تجارية من شأنها أن تؤثر سلبا على الاقتصاد والتجارة الامريكية دليل على تمسكه  ما بعد النفعية. بل في احتماع الدول السبع طلب من ألمانيا أن تخفض من فائض ميزان تجارتها الخارجية وكأنه يقول يجب أن تخفضوا من جودة صناعاتكم بحيث لا يتم الإقبال عليها وتصديرها؟؟؟!!! نعم الكاتب يجد أن ذلك تجاوزا لحدود النفعية بحيث يصل إلى ،التعبير الأفضل،  ما بعد النفعية.

هل من أمل في التغيير؟

مما تقدم لا توجد إشارات مبشرة فالواضح أن شخصية السيد ترامب المتغطرسة، الحريصة على إطالة رسم شفتاه للأسفل تتخللها كل حين بسمة صفراء، والمتعمد لترك أزرار جاكيته مفتوحة أغلب الوقت، لا يهمه إلا الأرباح والصفقات. هذه الشخصية مناسبة لتغليب المصالح الأمريكية بدون الاكتراث إلى المجاملة والدبلوماسية، وترسيخا لمبدأ ما بعد النفعية. صحيح كما يقال أمريكا ” not one man show” فهي دولة مؤسسات لكن المرحلة تتطلب لاعب بمواصفات السيد ترامب وعقليته النفعية التجارية. صحيح أسلوبه يبدأ بالهجوم ثم الانتظار ثم الصياغة الأخيرة بالتنفع والترضية. فبعد أن هاجم المسلمين بالمجمل ولوم على السعودية ومال لإيران تركها ثم حصد الرضا عنها ما يزيد عن 400 مليار. وهذا ينسحب ما تم مع البابا فرانسيس وسيتم مع إيران ووسيا ومصر.  لذلك يمكن تلخيص خطواته في ثلاثة:

  • الفزعة: الاكتساح والهجوم .
  • السكتة: الانتظار أمل في مراجعة الضحية سبل الاسترضاء.
  • الغنيمة: التعبير عن الرضا بقبول المنفعة “الأتاوة”.

وستحمل لنا الأيام القادمة بالكثير من المفاجآت لتلد لنا ما قد يسرنا أو ما سيبكينا “وتلك الأيام نداولها بين الناس”

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً