مذبحة سجن أبوسليم.. العدالة الغائبة

مذبحة سجن أبوسليم.. العدالة الغائبة

أحمد خليفة

صحفي وإعلامي ليبي

عندما غربت شمس التاسع والعشرين من يونيو عام 1996 لم يكن أحد من الليبيين يعلم حينها أن قرابة 1270 من السجناء السياسيين المظلومين من خيرة أبناء ليبيا استشهدوا في ذلك اليوم رميا بالرصاص في أكبر مذبحة لم يعرفها تاريخ ليبيا قبل ذلك.

في ذلك اليوم تجرد عتاة الإجرام وأرباب الطغيان من أي مشاعر إنسانية وصبوا جامّ غضبهم على أناس عُزّل من السلاح أنهكهم المرض والجوع والعطش والخوف والشوق لأمهاتهم وأسرهم، يالله، ما هذا الإجرام؟.

لم يكن لأولئك المظلومين ذنب سوى أنهم طالبوا بحقوقهم الإنسانية التي تكفلها لهم كل الشرائع، لم تكن لهم خطيئة سوى أنهم كانوا يطمحون إلى العدالة، فقط العدالة ولا شيء سواها، كانوا يطمحون إلى محاكمات عادلة وإلى طعام يسد رمقهم وإلى علاج يوقف الآم الكثيرين منهم جراء التعذيب البشع الذى كان يمارسه عليهم جلاوزة القهر القذافيستي القذر، لكن أولئك القتلة المجرمين كانوا لا يعرفوا سوى لغة الرصاص، الرصاص ولا شيء غيره. رد القتلة المجرمون على تلك المطالب بإقامةَ حفلة قتل جماعي وإطلاق عشوائي للرصاص تركت أولئك المظلومين مجندلين في دمائهم وهم يصرخون بالدعاء طالبين الله تعالى أن يكون حسبهم ووكيلهم، وهو نعم الوكيل.

كانت دماء أولئك الأطهار شرارة لثورة أبية نظيفة استولى عليها لاحقا الحذاق والقتلة، وستظل هذه الدماء الزكية تدافع عن نفسها إلى أن يرث الله ومن عليها، تلك كرامة من الله لشهداء مذبحة أبوسليم، يأبى الله عز وجل إلا أن يكون للعدالة يوما ما الكلمة الفصل في إنصاف المظلومين والقصاص من المجرمين، مهما طال الزمان، ومن العار ألا يحاسب القتلة عن فعلتهم الشنعاء تلك التي سيخلدها التاريخ في سجلات العار كما هي تلك الحقبة التي ذاق فيها الليبيون مرارة القهر والاستبداد لأكثر من 40 عاما.

أذكر في العام 2009 حينما كنت في بنغازي أعمل مراسلا صحفيا لموقع المنارة الإخباري أغطي الوقفات الاحتجاحية الأسبوعية لأهالي ضحايا مجزرة أبوسليم أمام محكمة شمال بنغازي وفي ميدان الشجرة (أصبحت تلك الأماكن الحبيبة إلى قلبي الآن أثرا بعد عين بعد أن كانت مِلء سمع الدنيا وبصرها ذات أزمان) في تلك الوقفات كانت أمهات الشهداء يهتفن بصدق وبقلوب متعلقة بعدالة الله تعالى قائلات: انعنك يا قَتّال ظنانا .. تموت وما تلقى جبانة.

أرايتم؟ مات القاتل، ولم يجد حتى مقبرة لجيفته النتنة، لم يجد سوى قبر مجهول في الصحراء.

رحم الله الأطهار الأبرياء شهداء مذبحة سجن أبوسليم رحمة واسعة سعة ملك الله تعالى وعوض ليبيا فيهم خيرا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أحمد خليفة

صحفي وإعلامي ليبي

اترك تعليقاً