معارضو الاسد يقادون للمفاوضات بـ’السلاسل’

في حسابات المصالح القاعدة أخطر من النظام
في حسابات المصالح القاعدة أخطر من النظام

بعد مرور اكثر من عامين ونصف العام على بدء الحرب الأهلية التي تدمر سوريا تسعى الولايات المتحدة وروسيا الى جمع الأطراف المتحاربة على مائدة التفاوض في جنيف ولكن بشروط تمثل تغيرا لصالح الرئيس بشار الأسد في مواجهة مقاتلي المعارضة الذين يحاولون الإطاحة به ويزدادون تشرذما.

ومنذ الهجمات بالغاز السام التي وقعت في 21 اغسطس/آب على ضواح تسيطر عليها المعارضة حول دمشق وكادت الولايات المتحدة أن تشن هجوما صاروخيا على قوات الأسد بسببها تحولت الأجواء الدبلوماسية ضد المعارضة التي اعتقدت لفترة قصيرة أن التدخل الخارجي سيمكن قواتها من ان تشن هجوما نهائيا.

لكن تردد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما واتفاقا أبرم في اللحظة الأخيرة بوساطة روسيا التي هي واحدة من الحلفاء الرئيسيين للأسد لتفكيك الترسانة الكيماوية السورية وضعا مقاتلي المعارضة في موقف صعب حيث يقعون الآن تحت ضغط أميركي وأوروبي مكثف لحضور محادثات في جنيف بأجندة مبهمة.

ويخشى مستشارون للمعارضة السورية ومحللون مستقلون أن يحول هذا الصراع السوري الى عملية طويلة وغير مثمرة على غرار مشاكل إقليمية عصيبة أخرى مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وكان الحدث الدبلوماسي المهم الوحيد في هذا الصراع البيان الذي صدر في يونيو/حزيران الماضي بوساطة الأمم المتحدة المعروف باسم (جنيف 1) وكان مبهما بما فيه الكفاية.

ودعا البيان الى تشكيل حكومة انتقالية بطريقة افترض كثيرون أنها تستبعد أي دور لعائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد منذ سيطرة الرئيس السابق حافظ الأسد والد بشار على السلطة عام 1970.

ولم يكن هناك اي نوع من الاتفاق داخل سوريا بشأن مستقبل البلاد منذ اندلاع احتجاجات سلمية في مارس/آذار 2011.

وقال مصدر قريب من الائتلاف الوطني السوري وهو الممثل السياسي للمعارضة المعترف به دوليا إن الائتلاف يخشى أن يكون الاتفاق الذي أبرم بوساطة روسيا واميركا لتفكيك ترسانة الأسد من الأسلحة الكيماوية قد أعاد لإدارة الرئيس السوري شرعيتها على الرغم من استخدامها أساليب مثل تجويع المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في محاولة لاستعادة السيطرة.

الإطاحة بالأسد ليست أولوية

يتفق محللون إقليميون ودبلوماسيون مطلعون على تطورات الموقف عن قرب على أن مخاوف الغرب لم تعد متعلقة بالإطاحة بالأسد بل بكيفية منع الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة من تحقيق مزيد من المكاسب في الصراع الذي تفقد فيه جماعات المعارضة المعتدلة التي تحظى بدعم غربي محدود السيطرة تدريجيا.

وقال فواز جرجس خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد إن الموقف الأميركي هو أن “على المعارضة التفاوض مع النظام والاتفاق على خارطة طريق”.

وأضاف “يريد الأميركيون والأوروبيون محاصرة الأسد في جنيف.. إنها عملية بلا سلام”.

وقال المصدر من المعارضة الذي طلب عدم نشر اسمه إن الغرب يتحول “من خطاب الربيع العربي الى خطاب مكافحة الإرهاب ويضغط على المعارضة لتحضر (مؤتمر جنيف 2) والا ستخسر دعمه”.

وأضاف أن سوريا أصبحت الآن بالنسبة للغرب “مصدرا لإرهابيين مجندين سيعودون الى اوروبا واميركا… لكن هذا لا يحل المشكلة الأساسية وهي كيفية وقف هذا وأن الإرهاب سيتفاقم وكلما امتدت الحرب لفترة أطول زاد تشرذم المعارضة وراديكاليتها”.

وقال ايهم كامل خبير الشؤون السورية بمجموعة أوراسيا للاستشارات “التقدم العسكري للنظام سيستمر.. من الصعب تصور أن يكون موقف الأسد أضعف خلال ستة أشهر.. إنه ليس في موقف ضعف.”

وأضاف “تنظيم القاعدة سيبقى.. هذا واقع جديد.. من الصعب تصور كيف سيختفي التهديد في المستقبل”.

فحتى السعودية أكبر داعمة للمعارضة بين نارين.

ويقول دبلوماسيون ومسؤولون في المملكة إنها تعتبر الحرب السورية معركة على النفوذ الإقليمي مع ايران وحلفائها الشيعة العرب مثل حزب الله اللبناني الذي ألقى بثقله هذا الصيف وراء الأسد.

وكان انتقاد السعودية للأمم المتحدة والولايات المتحدة حادا وعلنيا على نحو غير معهود منذ بدا أن اتفاق الأسلحة الكيماوية السورية يقود الى تقارب مع ايران على الرغم من عدم تحقيق انفراجة على صعيد البرنامج النووي لطهران خلال محادثات رفيعة المستوى عقدت في جنيف الأسبوع الماضي.

وذهب الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية الى حد التحدث عن “ابتعاد كبير” عن واشنطن.

لكن دبلوماسيين في الخليج يقولون إن ابن عمه الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية يشعر بقلق إزاء تنظيم القاعدة والآثار السلبية المترتبة على دعم مقاتلي المعارضة على “الإرهاب” أكثر من اهتمامه بمصير الاسد.

محاولة غير مثمرة

وفي مواجهة أصدقاء كهؤلاء وفي ظل هذا الغموض السياسي فإن المعارضة السورية ربما تتساءل ما هي الخيارات الحقيقية المتاحة لها.

وقال كامل من مجموعة أوراسيا “التوافق الدولي المؤيد للمعارضة وعسكرة الصراع لم يعد موجودا.. الاعتقاد بإمكانية تحقيق المعارضة انتصارا عسكريا لم يعد موجودا”.

وتقول مصادر دبلوماسية إن هناك اعترافا من روسيا والغرب بقدرة الأسد على البقاء على الرغم من تحول سوريا بالفعل الى جيوب، حيث يتواجد مقاتلو المعارضة السنة في الشمال والشرق والانفصاليون الأكراد في الشمال الشرقي والعلويون وغيرهم في العاصمة والمنطقة الساحلية بشمال غرب البلاد.

وذكرت هذه المصادر أن مسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا يجرون مناقشات غير معلنة حول اي أجهزة الدولة السورية التي ستبقى وعلى اي مستوى؟ ومن سيرحل؟ ومن سيستمر؟ مما يشير الى احتمال الوصول لحل وسط.

لكن منتقدين يقولون إن المحادثات في جنيف تتحول الى بديل للسياسة الحقيقية في ظل غياب خطة موحدة لوقف الحرب. ويقارن بعض المحللين بين هذا وبين حرب البوسنة 1992-1995 حين فشلت محادثات مطولة في وقف القتال الى أن شن حلف شمال الأطلسي هجمات جوية على القوات الصربية في أواخر صيف عام 1995.

ويعتقد مراقبون يتابعون الشأن السوري عن كثب والمعارضة التي وافقت من حيث المبدأ على حضور المحادثات التي تأجلت أكثر من مرة أن مؤتمر (جنيف 2) لن يكون مثمرا لأن الغرب ليست لديه استراتيجية ليفرض وقف الحرب التي أودت بحياة 100 الف شخص حتى الآن وأسفرت عن نزوح اكثر من أربعة ملايين شخص وخلفت 2.2 مليون لاجئ.

وقال الكاتب اللبناني سركيس نعوم “حتى اذا جرت محادثات جنيف 2 لا تتوقعوا حلا قريبا.. ربما يكون هناك المزيد من مؤتمرات جنيف وستستمر الحرب”.

وأضاف “كانت لدينا حرب استمرت 15 عاما وكان المبعوثون يلتقون دون أن يحدث شيء” في إشارة الى الحرب اللبنانية التي استمرت من عام 1975 الى عام 1990.

ويقول محللون إنه حتى اذا اتفقت الأطراف في جنيف فإنها ستحتاج الى إقناع جماعات المعارضة المسلحة في سوريا والتي قالت إنها لن توقف القتال اذا تم التوصل الى اي اتفاق لا يشمل إنهاء حكم الأسد.

وقال مصدر قريب من المعارضة “لا أرى كيف ستنجح محادثات جنيف 2 اذا كان النظام غير مستعد لإظهار أبسط بادرة على استعداده لانتقال. الأسد يقول العكس ويجري المقابلة تلو المقابلة قائلا إنه لن يسلم السلطة”.

حرب طويلة

وتأمل الدول الغربية أن تتبع روسيا الاتفاق على التخلص من ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية بممارسة ضغط على الأسد. لكن في وجود الاتفاق ومع تحقيق القوات الحكومية مكاسب فإن روسيا لا تجد حافزا يذكر لتغير موقفها.

واذا جرت محادثات جنيف ونجحت فستتمكن روسيا من تصوير نفسها على أنها صانعة سلام. اما اذا لم يحدث ذلك فستواصل لوم مقاتلي المعارضة والغرب ودول الخليج قائلة إن حكومة الأسد كانت مستعدة للحضور دون شروط مسبقة بينما فشلت الولايات المتحدة وغيرها في إقناع مقاتلي المعارضة بهذا.

على الصعيد العسكري أجبرت قوات الأسد مدعومة من ايران وحزب الله مقاتلي المعارضة على الانسحاب من مناطق محيطة بدمشق ومناطق أخرى.

اما في صفوف المعارضة فقد أصبح الجهاديون السنة والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة التيار الأكثر نفوذا بينما تسود الفوضى بين الجماعات المعتدلة المدعومة من الغرب وتسلحها السعودية وقطر.

وفي حين يتشاور اللاعبون الدوليون بشأن محادثات جنيف مازالت ساحة المعركة في سوريا تستقطب مقاتلين متشددين أجانب من الشيعة يدعمون حكم الأقلية العلوية التي ينتمي لها الاسد وسنة يسعون للإطاحة بالرئيس وإقامة خلافة إسلامية.

وقال المصدر القريب من المعارضة “الولايات المتحدة تتبع استراتيجية شديدة الخطورة وهي مواصلة الحديث من اجل المحادثات تقريبا… الطريق الوحيد لتنتهي هذه الحرب هو رحيل النظام”.

وأضاف “اذا لم يكن هناك تدخل عسكري ضد النظام فيجب أن يكون هناك نهج مدروس واكثر جرأة لإجبار النظام على التنحي من خلال الضغط الشديد وهذا يعني إجبار روسيا وايران على المساعدة على تحقيق ذلك”.

ولا يعتقد كثيرون أن محادثات جنيف ستخفف معاناة السوريين في المستقبل القريب.

وقال جرجس “المنطق في الولايات المتحدة هو أن الطريقة الوحيدة لتنتزع المعارضة انتصارا سياسيا من بين فكي الهزيمة العسكرية هي من خلال جنيف 2.” وأضاف “ربما تكون احتمالات أن تتمخض جنيف 2 عن انفراجة أقل من 20 في المئة”.

وقال “إنه موقف مروع… إنها حرب طويلة… حرب استنزاف وفي الوقت نفسه ستتفاقم الأزمة الانسانية وتتحول الى مأساة عالمية كبيرة الابعاد”.

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً