«منحة الزواج».. هل ستكون الخطوة الأولى في توزيع الثروة على الليبيين؟!

«منحة الزواج».. هل ستكون الخطوة الأولى في توزيع الثروة على الليبيين؟!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

كم سمعنا وقرأنا عن حكاية طويلة اسمها ” توزيع الثروة” في ليبيا، فقد كان ذلك أحد مشاريع الراحل معمر القذافي، التي وإن شغلت الرأي العام الليبي في فترات محددة بين مصدق ومترقب وغير مصدق، فهي لم تر النور في عهده أبدا، فقد بدأت الفكرة في تسعينيات القرن الماضي، حينما أعلن القذافي عن مشروعه “إعادة توزيع الثروة” ويقصد بها ثروة النفط على الليبيين، عندما وجد أن عموم الشعب لا تصله تلك الثروة، كونها تذهب فقط إلى جيوب السماسرة والحذاق الذين استحوذوا عليها لعقود، وحرموا منها غالبية الليبيين “الحقراء” كما وصفهم القذافي في أحد منشوراته “تحيا دولة الحقراء”.

استطيع القول إنه لا عدالة في الاستفادة من ثروة النفط، التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على ليبيا منذ اكتشاف النفط وتصديره، كما لا أحد ينكر أن سوء التصرف في هذه الثروة الوافرة ترتب عنه نشوء تفاوت طبقي كبير بين فئات الشعب الليبي اقتصاديا وماليا، مما أوجد فجوة كبيرة بين المستفيدين وغير المستفيدين صارت تكبر تدريجيا، طبعا لا أحد ينكر أن طفرة النفط كانت سببا مباشرا، ودافعا قويا لانتشار الفساد المالي والإداري في القطاعات الحكومية، والذي استشرى ولم يجد من يكبحه، بالرغم من المحاولات المتعددة التي قامت بها بعض الأجهزة الرقابية مثل ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية في العهد الملكي ومن بعده محاولات النظام السابق لتعزيزها في صورة برامج استثنائية داعمة (قوافل ثورية – لجان التطهير)، لكنها جميعا لم يكتب لها النجاح لوجود خلل بنيوي في تكوينها أولا، وفي عدم جدية ردع ومعاقبة المتورطين ثانيا.

تبدو مبادرة رئيس الحكومة “الدبيبة” والتي تم فيها منح مبالغ مالية للشباب كإعانة للزواج، الأولى على طريق إعادة توزيع الثروة على الليبيين، فللمرة الأولى يستفاد عموم الليبيين من فئة الشباب من هذه المبادرة، ولذلك فإن هذه المبادرة تحسب للسيد الدبيبة وتُسجل له، من بين جميع من تولوا رئاسة مجلس الوزراء ابتداء من العهد الملكي، مرورا بالعهد الجمهوري والجماهيري وانتهاء بعهد فبراير، وبرغم ما قد يصاحب هذه المبادرة من بعض النتائج السلبية التي قد تظهر لاحقا، إلا أنها تعتبر خطوة جريئة وغير مسبوقة، والأمر يتطلب الاستفادة من نتائجها ورصد نقاط الضعف والقوة فيها، بقصد الاستفادة من ذلك مستقبلا وفق برنامج مخطط ومدروس.

إن تخصيص مبالغ مالية من ميزانية النفط سنويا ليستفاد بها عموم الليبيين مباشرة، اعتبرها أضحت ضرورة وصارت مطلبا شعبيا يجب النظر فيه بدقة، بل أني احسبه أمرا ملزما اعتبارا من هذه السنة، فلا حجة لأحد اليوم بعدم الإمكان بعد أن نفّذت مبادرة “الدبيبة”، وصارت أمرا واقعا واستفاد منها الآلاف من الشباب الليبي دون أي تمييز أو إقصاء، هذه المبادرة يمكن البناء عليها مستقبلا من خلال دراسة مستوفية وتخطيط سليم، يهدف إلى تحديد المبلغ اللازم سنويا والذي سيقطع من الميزانية العامة، موضحا فيه أوجه الاستفادة العامة لكل الليبيين من خلال مشاريع وطنية واعدة.

من وجهة النظر الاقتصادية والمالية وبالنظر إلى الدخل الناتج عن بيع النفط والغاز مصدر الثروة الوحيد في ليبيا حتى الآن، وبلغة الأرقام فإن متوسط الدخل السنوي لليبيا بالدولار على معدل إنتاج 1.5 مليون برميل يوميا وبسعر توسطي 50 دولار للبرميل يكون تقريبا حوالي 27 مليار دولار وباعتبار أن نصف هذا المبلغ سيكون مخصصا للمرتبات، وأن حوالي 10 مليار دولار سنويا كافية لبنود التنمية والتسيير والدعم، فإن إمكانية تخصيص مبلغ للتوزيع المباشر على الليبيين سنويا أجدها ممكنة في حدود 2 إلى 3 مليار دولار سنويا، وبهذا المبلغ في حالة إعداد مشروع وطني حقيقي مدروس بعناية ومخطط بدقة يمكن أن يستفاد كل الليبيين مباشرة من الثروة وفق برنامج سنوي طموح ومستمر.

وفي هذا السياق أرى أن يتم اعتماد وتثبيت إعانة الزواج هذه سنويا وإصدار التشريع المناسب لها حتى نضمن الاستفادة منها من كل الأجيال المتعاقبة، وحيث أن المبلغ الذي يفترض تجنيبه للغرض يلامس 3 مليار دولار سنويا أي ما يعادل حوالي 13 مليار دينار حسب سعر الصرف الحالي فإن الاستفادة تتجاوز إعانة الزواج وتتخطاها إلى أوجه أخرى مثل توزيع مبالغ مالية سنويا على الليبيين الباحثين عن العمل وخلق مشاريع صغرى ومتوسطة تستهدفهم جميعا كل سنة، ومثل إيجاد برنامج لإنشاء وحدات سكنية جديدة للشباب كل سنة، فهل ستكون مبادرة منحة الزواج الخطوة الأولى على طريق إعادة توزيع الثروة على الليبيين؟.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً