منطقة ورشفانة هذه الأيام (3)

منطقة ورشفانة هذه الأيام (3)

محمد علي المبروك

كاتب ومحلل سياسي ليبي.

وجهتي الى مدينة الزهراء بورشفانة والتي شبهت فيها التهجير في الجزء الاول من المقال المنشور بتاريخ 15و 16-11-2014م ((كانت خلية للحركة الآلية والحركة البشرية هى إطلالا بالية وكأن الحياة خطفت منها فجأة، بيوت قائمة وطرقات ممتدة معتدة ولا قائم ولا قوم بها الا اليسير القليل من الناس، مدينة صامتة كأنها المقابر للعابر، اين ماكان فيها من بشر؟. اين ماكان لهم من خبر؟. اين ماكان فيها من نساء مشرقات عفيفات؟. اين ماكان فيها من فتيات عذبات محصنات؟. اين ماكان فيها من اطفال وجوههم من البراءة تتصفد أضواء وبهاء؟.اين ماكان فيها من كهول. لمحات التجاعيد في وجوههم رسمت وقارا وأصول.))

في مدينة الزهراء في يوم الاثنين بتاريخ 1-6-2015م. عاد البعض من السكان، البيوت والمحلات بعضها مفتوح وبعضها مقفل وبعضها مشوه من اثار الحرب القبيحة وهى اكثر المناطق عجا وحركة آلية وبشرية من المناطق التي زرتها وصارت وجوه اهلها تطوف بها من بعد غياب ولكن ليس كل وجوه مدينة الزهراء فعدد السكان تناقص عن الاعتيادي، طفت في وجهاتها وبدأت كأنها مدينة الله احيأها بعد ما أماتها، طرقات المدينة كأنها شرايين دموية تندفع فيها بعض الدماء من السيارات المندفعة، والبيوت والمحلات كأنها خلايا جفت ثم  دب فيها نشاط الحياة من الاحياء، تتمتع عروقها الدموية الدقيقة بسريان الكهرباء. وأوعيتها الدموية بضخ الماء. مدينة تدب فيها بعض الحياة دبا . ويهب فيها شيئا من روح الحياة هبا.

أردت الخروج منها وتوجهت صوب المدخل والمخرج الشرقي لمدينة الزهراء، تسحب سيارتي بإطاراتها الطريق لتتقدم اماما وتتراجع من خلفها الطريق حتى حرفت وجهتي واستوت سيارتي من بعد استدارة على الطريق الموصل شمالا الى جسر 27 كم وعند تقاطع منطقة السهلة يممت وجهة السيارة شرقا واندفعت ثم أبطأت مهلا لأتوقف عند بوابة بمنطقة السهلة فيها عسكر بزي عسكري غير كامل ممايدلل انهم قوة مساندة وليس جيشا ومعهم رجل وحيد بزي رجال الشرطة، كان الواقف بمحاذاتي شابا بدأ لي ان التعامل معه سهلا وبعد ان استطلع عن شخصي، سألته عن اوضاع المنطقة وحدد لي منطقة قد طالها الدمار. وسوتها الحرب انهيار. وهى منطقة اولاد عيسى حيث ذكر لي منازل محترقة ومدمرة وذكر لي ان منزلهم هو الاخر مدمر وعندما سألته عن نظرة الحكومة لهذا الامر أجابني: لاشئ قمنا بمجهودات ذاتية، كل مواطن لديه منزل محترق او مدمر فتح محضرا بالواقعة وننتظر حكم المحكمة في ذلك، بعدها توجهت الى حيث المنازل المدمرة بمنطقة السهلة  وكان بعضها حصيدا من ركام بعد هدمها وبعضها حصيدا من فحم بعد حرقها، الظلم يكون عظيما عندما تكون القوة عند الحمقى والسفهاء فيعاقب الابرياء بجريرة رب الاسرة او فرد من أفراد الاسرة لانه عدوا او خصما أومعارضا بتدمير او حرق بيتهم ثم تهجيرهم.. ماذنب الطفل.. ماذنب المرأة.. ماذنب الشيخ.. ماذنب الفتاة.. ماذنب المرأة المسنة حتى يدمر بيتهم او يحرق ثم يهجرونهم، بيت اى اسرة هو ملك لجميع افراد الاسرة  فلايملكه رب الاسرة لوحده او فردا من الاسرة لوحده فكيف تعاقب اسرة كاملة بفرد من أفرادها؟ ان ذلك من عظائم المظالم والشرور، خرجت من هذه المنطقة وفي نفسي حرقة من أسى. ومشهد الدمار على نفسي قد قسى. وذلك عبر طريق اخرى متوجها لمنطقة قرقوزة وهى منطقة محاذية للطريق الساحلي، اندفعت اليها ومن لحظة دخولي اليها بدأ يدب في نفسي الرهب. ووسواسا نفخ في نفسي قلقا من لهب. فالمنطقة صامتة ومعالم ديارها مدمرة أشبه ماتكون  بمقبرة مهدمة القبور. طاف عليها طائف من طوائف الشرور. وماان وصلت الى مركز المنطقة حتى لاح لي بعض المسلحين الذين تمركزوا خلف كثيب من الرمل سد به طريق يؤدي الى منطقة جوددائم وتقدم الي احدهم يستطلع امري وبعد ان استطلع امري عرض علي ان يأخذني في جولة ليريني صور الدمار  وكان الامر مريعا فظيعا، منازل تحولت الى ركام ومنازل جدرانها تحولت الى قطعا عظيمة من الفحم وكأن الدمار صب عليها صبا. والحمم كبت عليها كبا. لايوجد فيها سكان. بل ظلال من احزان وهجران. حتى حطت جولتي عند بعض المقاتلين من قرقوزة الذين اجتمعوا علي وعلى من صحبني .كانوا من الليبيين البسطاء. وجوههم كوجه اي ليبي يصارع في وطنه الشقاء.

سألت: من فعل  هذا بالمنطقة؟ اجاب مقاتل وتبعه اخر: “فجر ليبيا.. فجر ليبيا”… وجهت سؤال اخر: ألا توجد مدينة معينة فعلت هذا؟ اجاب مقاتل اخر: “لا.. لاتوجد منطقة معينة هم فجر ليبيا من جميع المناطق”… ووجهت سؤال اخر: بعد هذا الدمار ماذا ستفعلون؟ مقاتل من المقاتلين: “نريد ان تتوحد ليبيا ضد الاٍرهاب وان يتصالح الليبيون”… مقاتل اخر: “ولايوجد لدينا حقد على اي مدينة ليبية”… وجهت سؤال اخر: لقد أتى اليكم افرادا من مجلس النواب هل وعدوكم بإعمار المنطقة؟… مقاتل: “لم يوعدونا بشئ، تجولوا ثم خرجوا”… مقاتل اخر: “أتوا لغرض التصوير ثم خرجوا”…

اكتفيت بذلك ويممت عائدا بقدر ما أساء خاطري ماحدث لعائلات هذه المنطقة بقدر ماطيب خاطري عراقة وأصالة اهل هذه المنطقة الذين يقابلون بإرادة التسامح والاخوة ولايقابلون بإرادة  الانتقام والعداوة.

*****

الغرض من هذه المقالات هو نقل معاناة عائلات ليبية ونقل وتوضيح مايفكر فيه اهالي ورشفانة تجاه المدن الاخرى كالزاوية وجنزور ومصراتة والجبل وغيرها وذلك بعد ما أشاعوا بينهم البغضاء والحقد وهذه المقالات تثبت اثباتا قاطعا ان لاشئ ممايشاع اعلاميا او عبر مواقع التواصل الاجتماعي ان اهالي منطقة ورشفانة لديهم رغبة في الانتقام وهى اشاعات كاذبة موجهة يطلقها أمراء الحرب بين المدن الليبية، مما يعني ان كل الحروب التي حصلت بين المدن هى حروبا مدبرة ولا رغبة بين ابناء الشعب الليبي لقتال بعضهم بعضا ولا وجود ولا إرادة بين الليبيين ان يحارب بعضهم بعضا، اياكم ان تجعلوا من  أمراء الحروب يشحنونكم باكاذيبهم وزخارفهم وفتاويهم لحروب يريدونها هم ولاتريدونها انتم وماهم الاشياطين الانس نعوذ بالله منهم وحسبنا الله فيهم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

محمد علي المبروك

كاتب ومحلل سياسي ليبي.

اترك تعليقاً