هل أصبحت ليبيا جاهزة لاستقبال الاستثمار الأجنبي؟

*جون ديفي | الشرق الأوسط

لم أعلق على ليبيا منذ وقت طويل، لكنها عادت إلى أذهان الكثيرين، وهذه المرة لأسباب غير سارة، لذا فربما يكون هذا وقتا ملائما لإلقاء نظرة عليها من جديد. لقد كانت شركتي «ألترا كابيتال» في الماضي تضطلع بتكليف استشاري مركب لمساعدة المؤسسات الليبية على تحسين إدارة الشركات وتشغيل البنية التحتية في ليبيا. ونحن نراقب التقدم الذي تشهده البلاد عن كثب، وسوف نعود إليها في الوقت المناسب، وقد تناقشنا طويلا حول الاستثمار في ليبيا مع فريق من المصرفيين والخبراء في لندن، وينوي ذلك الفريق أن يعود إلى الاستثمار هناك، ولكن ليس قبل أن تتحسن الظروف.

ويوجد لدى «إدارة التجارة والاستثمار البريطانية» حاليا فريق كامل مستقر في طرابلس، وهو يركز جهوده على التعاون مع السلطات الليبية وغيرها من صناع القرارات الرئيسيين، وتسعى الإدارة إلى استكشاف الفرص التجارية المتاحة أمام الشركات البريطانية هناك. وهذه الإدارة هي هيئة تابعة للحكومة البريطانية تعمل مع الشركات البريطانية لضمان نجاحها في الأسواق الدولية، وكذلك تشجيع أفضل الشركات الأجنبية على المجيء إلى بريطانيا للاستثمار هناك.

وقد بدأت مؤسسة «بريتيش إكسبرتيز» – وهي المؤسسة الرائدة من القطاع الخاص البريطاني التي تعمل مع الشركات البريطانية التي تقدم خدمات مهنية على المستوى الدولي – في الإعداد لبعثتها التجارية الثالثة في 12 شهرا إلى ليبيا مع بداية العام الجديد. وكانت «إدارة تمويل الصادرات البريطانية» (وهو الاسم الشائع لـ«إدارة ضمان اعتمادات الصادرات») هي أول هيئة تمويل صادرات كبرى تستأنف تغطية الأعمال في ليبيا، من خلال توفير دعم قدره 250 مليون دولار أمام الشركات البريطانية كي تلعب دورها في مساعدة الشعب الليبي على بناء المستقبل الذي يريده، والذي يمتلك من الثروات ما يجعله يستحقه. ومن الرائع أن ترى حكومة كبرى وهي تقدم سياسة تأمين الصادرات الخاصة بها من أجل تعزيز الاستثمار في ليبيا.

إلا أن ذلك هو الجانب الإيجابي من الأمر، فعندما أسمع الناس وهم يقولون إن ليبيا في حاجة إلى كل شيء، وإن السوق مفتوحة هناك ولكن عليك أن تتحرك سريعا، لأن الجميع يتنافسون على تنفيذ مشاريع تجارية هناك، أقول لنفسي: «ما هذا الهراء؟!» إن الدخول في تعاقدات من دون إجراء الفحص الفني النافي للجهالة والدراسة الوافية لا يكون في العادة فرصة جيدة، كما قد يبدو. بالطبع هناك من يريدون تحقيق أرباح سريعة، ولكن معظم الشركات تريد إقامة علاقة طويلة الأمد ومفيدة لكلا الطرفين. والوضع الحقيقي هو أن هناك فرصا على المدى البعيد، ولكنها سوف تظل على المدى البعيد إلى أن تتوقف التقلبات الموجودة على المدى القصير.

ومعظم دول العالم تحتاج إلى حجم هائل من الاستثمار في البنية التحتية على مدار الأعوام القليلة الماضية، وقد أعلنت «مؤسسة التمويل الدولية» أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أقل قدر من استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية في العالم. غير أن جميع البلدان تتنافس على حفنة دولية محدودة من المستشارين ورؤوس الأموال والشركات التشغيلية، ومن ضمن جدول الأعمال هذا إعادة إعمار ليبيا، التي تشير التقديرات إلى أنها تتطلب ما بين 200 مليار و480 مليار دولار أميركي على مدار 10 سنوات، مما يخلق فرصا محتملة هائلة أمام شركات الإنشاءات، وسوف تتضمن أولويات إعادة الإعمار البنية التحتية العامة والاجتماعية التي توفر الخدمات الضرورية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء والمياه. ويتطلع الكثيرون إلى كسب قصب السبق وخطب ود القادة الجدد، لكن ذلك لن يستتبع قدوم الاستثمار من تلقاء نفسه، بل سيكون إصلاح البنية التحتية للنقل أمرا جوهريا من أجل إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، وخصوصا من أجل خدمة صادرات النفط، كما توجد حاجة على المدى البعيد إلى إجراء إعادة هيكلة شاملة في قطاع البنية التحتية الليبي، ذلك أن البنية التحتية في البلاد كانت بالفعل في حالة سيئة قبل الحرب الأهلية، بعد سنوات من نقص الاستثمار والعقوبات الدولية، مما ينجم عنه ضرورة العمل على إعادة تأهيل البنية التحتية القائمة وإجراء توسعات فيها.

إلا أن الحكومة ليس لديها أي كيان جاهز لاستقدام المشاريع من خلاله، وبالتالي لا بد من وضع دستور ولوائح وتنظيمات. ويعد تشكيل الوزارة أمرا أساسيا، لكن المجلس الوطني المنتخب في ليبيا هدد الأسبوع الماضي بإقالة رئيس الوزراء الجديد إذا فشل في إعلان تشكيلته الوزارية الجديدة قبل يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ومن المتوقع أن يفعل.

وتعتبر بني غازي ميناء رئيسيا لحركة النفط، إلا أن كثيرا من الأجانب العاملين هناك تم ترحيلهم بعد الهجوم الأخير على السفير الأميركي، وحتى قبل هذا شهدت المدينة عدة هجمات على بعثات ومؤسسات غربية، وهو وضع لا يشجع الناس على الاستثمار.

ويأتي مصدر القلق الرئيسي فيما يتعلق بالتقلبات على المدى القصير في صورة المخاوف الأمنية الراهنة التي أثرت بشدة على ثقة المستثمرين في ليبيا، إلا أن الحكومة الجديدة وضعت المخاوف الأمنية العاجلة والحد من انتشار الأسلحة على رأس أولوياتها، وهو أمر مشجع على المدى البعيد. وقد تبين عمليا مدى صعوبة إرساء الأمن في البلاد في ظل انتشار الأسلحة ووجود الميليشيات المتنافسة، بالإضافة إلى المحدودية الكبيرة في حجم قوات الأمن المتوافرة تحت سيطرة الدولة المباشرة.

ويحتاج المستثمرون الدوليون إلى وسيلة يمكن الاعتماد عليها للدخول إلى البلاد والخروج منها، وبالتالي فإن الأحداث الأخيرة لم تكن دعاية جيدة لصناعة الطيران الليبية، فقد تسبب انقطاع الكهرباء في إغلاق «مطار طرابلس الدولي» لما يزيد على 12 ساعة في أوائل شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، كما أدى الإعلان عن دخول المراقبين الجويين في إضراب بعدها بأسبوع إلى تأخير رحلات الطيران لفترات طويلة، مما اضطر المسؤولين إلى إلغاء بعض الرحلات أو تعديل مسارها. وكان هناك حظر مفروض على شركتي الطيران المملوكتين للدولة، وهما شركتا «الخطوط الجوية الليبية» و«الخطوط الجوية الأفريقية» (اللتان سافرت على طائراتهما مرات كثيرة في الماضي وكانت الخدمة ممتازة في رأيي)، يمنعهما من تسيير طائراتهما الخاصة إلى وجهات تقع داخل الاتحاد الأوروبي حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو ما يعني أن كثيرا من المسارات التي كانت مستخدمة من ليبيا وإليها قبل الحرب الأهلية ما زالت لم يتم تشغيلها بعد. وقد استأنفت شركة «الخطوط الجوية الأفريقية» تسيير 3 رحلات أسبوعيا ما بين «مطار طرابلس الدولي» و«مطار غاتويك» بلندن من خلال طائرات وأطقم مستأجرة، وإن كان لا يزال من المستحيل حجز التذاكر بها عن طريق الإنترنت.

وعلى الجانب المشرق فقط، حققت ليبيا تقدما كبيرا في محاولة اجتذاب الاستثمار الأجنبي وتحفيز القطاع الخاص بها، حيث يعكف المسؤولون على العمل من أجل تحديث القانون المصرفي الصادر عام 2005، الذي سمح بدخول المصارف الأجنبية لأول مرة إلى البلاد، كما وضعوا خططا لإدخال الخدمات المصرفية الإسلامية. وتسعى البورصة الليبية منذ إعادة فتحها في شهر مارس (آذار) الماضي إلى جذب المزيد من المستثمرين الأجانب لتداول الأسهم بها بعد أن أغلقت أبوابها أثناء الحرب، إلا أنها ترى ضرورة تخفيف القواعد المنظمة لاستقدام الأموال إلى البلاد. وتعتبر هذه مشكلات حقيقية ومهمة، ولكي تكون هناك ثقة حقيقية لدى المستثمرين، يجب أن تتوافر فترة طويلة من الاستقرار وأدلة دائمة على أن هذه المشكلات تمت معالجتها وسوف تظل جزءا من الماضي.

وقد كانت شركات النفط الدولية أول من عاد إلى البلاد بعد الثورة، مما ساعد على عودة إنتاج النفط إلى مستوياته التي كان عليها قبل الحرب تقريبا، البالغة 1.6 مليون برميل يوميا. إلا أن هذا التعافي ظل عرضة لانتكاسات، ففي شهر يوليو (تموز) الماضي، تعرض نحو نصف طاقة تصدير النفط الليبية لتوقف مؤقت بعد نشوب احتجاجات من قبل جماعات تطالب بمزيد من الاستقلالية في شرق ليبيا. وتهدف ليبيا إلى رفع ذلك المعدل إلى 1.8 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل، كما تستهدف الوصول إلى 2 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015. ويتوقع أن ترتفع طاقة التصدير عند اكتمالها بمقدار 100 ألف برميل يوميا. وفي شهر يوليو (تموز) الماضي أيضا، توقع «صندوق النقد الدولي» أن يتضاعف إجمالي الناتج المحلي الليبي هذا العام، بعد انكماشه بنسبة 60 في المائة العام الماضي، مدعوما بجهود إعادة الإعمار وتحرير الطلب المقبل من قبل القطاع الخاص، الذي كان معرضا للقمع، كما تتمتع البلاد بشعب متعلم وصناعة ضخمة في قطاعي النفط والبتروكيماويات.

والاستنتاج العام الذي نستخلصه من هذا هو أن ليبيا على الرغم من امتلاكها لإمكانية جلية بأن تنهض وتكون عضوا مسالما وديمقراطيا ومزدهرا في المجتمع الدولي، يظل هناك كثير من العمل الذي يجب القيام به من أجل إعادة الاستقرار إلى الوضع الأمني الراهن بها، فالأولوية الأكثر إلحاحا بالنسبة للحكومة الليبية الجديدة هي إعادة الاستقرار إلى الوضع الأمني، عن طريق نزع سلاح الميليشيات وإتاحة الفرصة أمامها، إما للانضمام إلى القوات المسلحة الليبية الوليدة أو مساعدتها على البحث عن عمل منتج.

* جون ديفي: أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»

اقترح تصحيحاً

اترك تعليقاً