هل الحوار الوطني المخرج الوحيد لأزمة المؤتمر الوطني وليبيا

هل الحوار الوطني المخرج الوحيد لأزمة المؤتمر الوطني وليبيا

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

نقترب رويدا للاحتفال بالعيد الثاني لانطلاقة ثورة 17 فبراير والتي اطاحت بأحدي طغاة القرن 21 والذي اصبح كل ما فعل وعمل في مزبلة التاريخ. لقد كان الزخم الشعبي قوى وراء هذه الثورة الى ان جاءت حكومة الكيب والتي كانت لديها فرصة كبيرة لبسط سيطرتها والعمل من اجل الاستقرار والامن والعدالة للجميع. لكن الفرصة ضاعت وضاع زخم الثورة وتفاقمت الصرعات بين الكتل والمدن والقبائل والافراد واحيانا بين الدول لبسط سيطرتها على ليبيا.

أهداف الحوار الوطني: (الحوار الوطني مساحة ديمقراطية هدفها الدفاع عن الوطن بوسائل الحوار والاستماع إلى كافة وجهات النظر البناءة)

1- التعرف على مختلف وجهات النظر ومن مختلف الكتل والطوائف والاقليات

2- البحث والاستقصاء في الرؤى المتنوعة والتصورات المتاحة ومناقشتها والابتعاد عن القبلية والجهوية والعنصرية

3-  ايجاد أرضية توافقية يقف عليها الجميع لما يخدم مصلحة الوطن والشعب الليبي اولا

الليبيين والليبيات يجب ان يحمدوا الله على تخلصهم من القذافي ونظامه وكل من يؤمن بفكره. لقد كان القذافي يخطط وبداء ينجح في بعض الاشياء ولكن بنهاية 2009 بداء يخرب من جديد وكل شيء توقف. كان هنالك صراع بين اللجان الثورية وابنه سيف ومشاريعه الزائفة والتي كانت تكلفتها ثلاث الى اربعة اضعاف التكلفة الحقيقية. لقد عرقل مشروع ليبيا الغد من قبل مما يسمون انفسهم اللجان الثورية لأن المال يطير امام اعينهم والسلطة ستذهب الى  اسرة القذافي. لقد حاولوا نقل صراعهم الى الشارع الليبي والذي لم يعير اهتماما لهذا لأنهم يعرفون بأن شيء لن يطولهم. لقد كان الشعب الليبي يحرك فوق وتحت كما قالها البغدادي يوما ولا يهمهم الشعب لأنهم يعتبرون انهم مسيطرين عليه ولكن عكس هذا اتبته الشعب الليبي يوم 15 فبراير 2011 بالبيضاء وبنغازي حيث كانت الانطلاقة الاولى لهذه الثورة. لقد كان هنالك صراع كبير بين اولاد القذافي، من سيرث ليبيا؟. كل هذا كان يحدث وبرضاء الغرب والعرب. لقد اشتغلت قطر من اجل رجوع القذافي للعالم بدفع كل الاموال لأجل اطلاق سراح البلغاريات والفلسطيني. السعودية وقطر دفعت الكثير من اجل تسوية لوكربي وطائر اليوتا الفرنسة وملهي لابيل الالماني وفلتشر الانجليزية. لقد تحصل القذافي على الضوء الاخضر من العالم ومعظم قادة الدول الكبرى زاروا  خيمته وباركوا كل خطواته. هل يعي الليبيين والليبيات هذه الايام كل هذا؟

لهذا القذافي واسرته واهمون بأن ليبيا لهم وانها مملكتهم. لقد قيل للقذافي، اذا كنت تريد ليبيا مملكة سنجعلها مملكة واذا اردتها جمهورية او جماهيرية سنعملها والشعب الليبي نقول له قم يقوم واقعد يقعد. هذا ما كان يتداول في السنتين الآخرتين بين اعضاء حكومة القذافي. ولكن بفضل الله والثوار الحقيقيون والناتو، تخلصنا منه ومن خططه لجعل ليبيا مملكة له والى اولاده وسيهدر كل مال ليبيا ويكون الشعب الليبي مستعبد من هؤلاء. الثورة نجحت بكل معاني النجاح في التخلص من القذافي ولكن الناس لم تتخلص من عقدة السلطة والتخوين والقبلية والجميع صار مفكر سياسي ومحلل ومنظر وثائر . الكل يطعن في الاخر ويتهم في الاخرين. الجميع يريد ان يضيعوا فرصة وهبها الله لهم للعيش في حرية وكرامة وامن وسلام. الكل سيندم على هذا كله لأننا لم نراجع ما كان يريده القذافي وبمباركة العالم كله. من كان يدافع عنه اصبح عدوا له ثم صار عدوا للثورة عندما انكشفت نواهم. من ساهموا في انجاح الثورة على المستوي المحلي والعالمي، اصبحوا يخونون ويستبعدون من الواجهة. لقد كان اخر الضحايا هو الاستاذ مصطفي عبدالجليل وما نسب اليه من تهم وتخوين وجرى به الى المحكمة. اعضاء المكتب التنفيذي وما نالهم من شتم واتهامات وابعاد وتهميش. اعضاء المجلس الوطني الانتقالي(ببنغازي فقط)، صاروا خونه وسراق وغير وطنيين. كل هذا صار واصبح يتفاقم اكثر واكثر والان الحملة على المؤتمر الوطني وحكومة زيدان ومازلنا نتتطاحن ضد بعضنا البعض ونسينا بأن الثورة قامت من اجل الوطن والشعب وابعاد الطغاة والذين يصنعون في انفسهم الان من خلال ما نري هذه الايام.

كل يوم تتفاقم المشاكل واخرها اتهام الجزائر بأن من قاموا باحتلال حقل الغاز ومات فيها 32 اجبني هو نتيجة تسلل المنفذين من ليبيا وان السلاح اشتروه من الزنتان. دعوة بريطانيا لرعاياها ببنغازي بتركها فورا وقبله الاعتداء على السفير الايطالي . كل هذه مؤشرات خطيره واكثرها خطر تصريحات جبريل بأن مصر تريد ضم برقة وهجوم الإخوان المسلمين عليه بأن يعتدر للمصر دون ان يذهبوا الى مصر والتحقق من هذا. كل هذه المؤشرات تدل على ان ليبيا ليست دوله ولن تقوم دوله بهذه الكيفية ابدا اذا استمرينا في نفس الطريق وبنفس المشوار. المؤتمر الوطني عاجز عن وضع حلول وخرج عن خارطة الطريق . نائب رئيس المؤتمر الوطني العام يهاجم الرئيس ويصفه بالمستبد وهذا ليس بالغريب لمن لا يعرف حقائق عن رئيس المؤتمر الوطني العام. الرئيس يتصرف بمفرده وهذا ما كان يفعله ايام جبهة الانقاذ والسلطة محبوبته الاولى ولن يتخلى عنها ويريد تحقيق احلامه والإطالة  من بقائه. حكومة السيد زيدان لا توجد لديه اي نوع من السلطة على الدولة وحدود الدولة لعدم وجود جيش نظامي او قوة شرطة قوية تابعه للدولة. ليبيا تحكمها مليشيات ومدن تحكم نفسها بنفسها والان طوائف معينة بدأت تخرج وتصدر وتقرر ما تريد كما حدث اخير بأن صدر الامازيغ قرار بأن يوم 13 يناير عطله رسمية للأمازيغ فقط.

المخرج من هذا كله هو حوار وطني بين مختلف الكتل والنخب والطوائف والاقليات لإخراج ليبيا من هذا المستنقع اللعين . إن الحوار ليس مجرد عرض الأفكار والتمسك بها بعناد وبلا منطق لمجرد إثبات الذات أو إثبات مواقف لحزب أو جبهة أو حتى أفراد . فالهدف النهائي لكل حوار, يجب أن يكون مصلحة الوطن والمواطن أولا وأخيرا وبقاء الوطن موحد وقوى امام القوي الأخرى والطامعة في ليبيا. الحوار الوطني يجب ان يقوم بالمنادات له من قبل مؤسسات المجتمع المدني وان يكون بين الكتل الليبرالية والاسلامية حيث هؤلاء الاثنين هم من يفسدون الحياة السياسية في ليبيا الان. كلاهما مدعوم من الخارج ومن الداخل وكلاهما يريد السلطة والاستيلاء على صنع القرار في ليبيا. الاسلاميون لديهم السلاح والمال والدعم من دول عربية ولكنهم قليلون والشعب يكرههم ولكن يريدون فرض انفسهم . الليبراليين لديهم مشروع عمل وخطة عمل والناس معهم ولكن لا يملكون السلاح ولا المال ولديهم دعم متحفظ من عدة دول اجنبية وخاصة الغربية. الحوار يجب ان يشمل الاقليات من امازيغ وتبو وطوارق.

كذلك يجب ان يشمل كل طوائف وقبائل المجتمع الليبي للخروج بالاتي:

1- ليبيا اولا واستقرار وامن ليبيا هو دفعة للنهوض بليبيا الى الافضل

2-  اعطاء فرصة للحكومة الحالية بان تقوم بمهامها ومحاسبتها اذا فشلت

3- المؤتمر الوطني العام يجب ان يلتزم بخارطة الطريق حسب الاعلان الدستوري المؤقت وعدم التدخل في سلطات الحكومة

4- الاسراع بالمصالحة الوطنية وعمل لجنة عمل وبأشراف الامم المتحدة

5- الاسراع بتكوين الجيش والشرطة وحل كل الكتائب والمليشيات في غضون 6 اشهر

6- الكتل الدينية والليبرالية، عليها احترام شرعية المؤتمر الوطني العام والعمل من اجل الوصول بالشعب الليبي لاختيار دستوره وحكومته والبداء في تأسيس دولة ليبيا

7-  تفعيل دور ليبيا خارجيا والتصدي لكل من يريد ان يزعزع امن واستقرار ليبيا او له مطامع في ثروات ليبيا

ابعاد الحوار الوطني

1- هو دعم التعددية السياسية كأساس لنظام الحكم، وتعزيز دور الاحزاب السياسية، باعتبارها الأداة الرئيسية للمشاركة  في العملية السياسية في ليبيا. وهى تلبى رغبات ومطالب المواطنين جميعاً في إطار من الوحدة الوطنية والتعبير عنها.

2- استدامة ما سيتم التوافق عليه من نتائج، لا بد من تقوية وتعزيز الوحدة الوطنية عبر الالتزام بثوابت حقوق المواطنة، والعمل بروح الفريق الواحد، وممارسة الانتماء للدولة وهويتها السياسية والوطنية والحضارية، وتعزيز مفهوم الولاء، وتعميق شعور الاعتزاز بالمواطنة والهوية الليبية من خلال هذا الحوار الوطني

3- التوصل إلى اتفاقات بين المشاركين في الحوار حول جملة من القضايا التي تهم  الوطن والشعب الليبي

4- على المشاركين في الحوار الوطني اعتماد عملية اتخاذ القرار بالتوافق وليس بالمشاجرة والقبلية والجهوية وانا من مدينة كدا او كدا

أن ما يطمح به عند تفعيل الحوار الوطني هو الخروج بليبيا من طريق لا دوله الى طريق لبداية تكوين دوله والخروج من حالة الثورة الى حالة الدولة. ليبيا دخلة الان مرحلة الفوضى وغياب سلطات الدولة وانغماس المؤتمر الوطني العام في مشاكل اخري بعيدا عن العمل مع الحكومة في تفعيل الجيش والشرطة لكي يعم الامن والاستقرار. لقد أثبتت تجارب الشعوب أن الطريق الأفضل و الأنجح لازدهار وتقدم المجتمعات وتطورها وقوتها وسيادتها ، هو إشراك جميع أبنائها في الحياة بجوانبها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، وفي مقدمتهم الشباب وهذا بالطبع ، لن يتأتى إلا عن طريق الحرية والديمقراطية في مفاصل الحياة كافة. الحوار الوطني اثبت انه هو المخرج الوحيد في مثل هذه المحن والحمد لله نحن شعب مسلم وديننا الاسلامي هو السند لنا وقداوتنا في الحوار.  يجب الابتعاد عن الايديولوجيات وعدم استعمال الدين للوصول للسلطة دون مراعاة ان ليبيا قد خرجت من حقبة مظلمه كان الهدف منها توريث عائلة القذافي لليبيا. علي الشعب ان يعي بأن التخلص من القذافي وعائلته هو هبة من الله عز وجل لهذا الشعب لكي يعيش وينعم بالحرية ولكن يجب ان لا يضيع هذه الفرصة وان يتحكموا للعقل من خلال حوار وطني شامل لوضع كل شيء على النقاط .إن الحوار الجاد والحقيقي هو الطريق الأمثل للوصول لوطن قوي صامد شامخ سيد نفسه مزدهر متقدم فهل نبادر جميعاً للتصدي لهذه المهمة الوطنية الأخلاقية الإنسانية الكبرى؟.‏

ليبيا حرة وستبقى حرة ان شاء الله

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

اترك تعليقاً