الحوار الوطني في ليبيا.. أمل معطَّل ورؤية مطلوبة

الحوار الوطني في ليبيا.. أمل معطَّل ورؤية مطلوبة

م. محمد فيتور بوقرين

ناشط سياسي وأحد قيادات المشروع الحضاري النهضوي الليبي

منذ سقوط النظام السابق سنة 2011، عرفت ليبيا مسارات متعددة لما سُمّي بـ الحوار الوطني، غير أنّ هذه الحوارات – على اختلاف مراحلها وأجنداتها – لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الوطنية، فقد جرت لقاءات في الداخل والخارج، تحت رعاية أطراف دولية أو بجهود محلية، حملت عناوين كبيرة لكنها افتقرت إلى رؤية شاملة تُحدد بوضوح غاية الحوار ووسائله، فظلّت النتائج متواضعة، بل في كثير من الأحيان لم تتجاوز البيانات الختامية أو الاتفاقات الهشّة.

أحد أبرز أسباب تعثّر هذه الحوارات هو الإخفاق في اختيار الشخصيات الممثِّلة؛ إذ غابت عنها الكفاءات الوطنية الجامعة، وتصدّرتها أسماء مثيرة للجدل، لا تمتلك القدرة على إقناع الداخل ولا حُسن التفاوض مع الخارج. كما أنّ غياب أهداف واضحة جعل الحوار ساحة لتبادل المصالح أكثر من كونه منصة لرسم مستقبل الدولة. وبذلك فقد المواطن ثقته في جدوى هذه اللقاءات، لأنها لم تُلامس همومه الحقيقية من أمنٍ مفقود، ومعيشة صعبة، وخدمات متردية.

ورغم هذه الإخفاقات، لا يمكن إنكار أنّ تلك الحوارات أفضت في بعض محطاتها إلى تهدئة نسبية للصراع المسلح، وأتاحت فرصاً لتبادل الرؤى وتقريب بعض المواقف، لكنها لم ترسّخ مشروعاً جامعاً ولا دولة مؤسسات.

إنّ الحوار الوطني الجاد الذي تحتاجه ليبيا اليوم لا بد أن يتجاوز أخطاء الماضي. فهو ليس ترفاً سياسياً ولا مناسبة بروتوكولية، بل استحقاق مصيري يُبنى على أسس واضحة:

  1. رؤية جامعة تعلو فوق الأجندات الضيقة، هدفها بناء دولة مدنية عادلة تحفظ كرامة المواطن.
  2. تمثيل حقيقي يضم كافة المكونات الاجتماعية والسياسية والفكرية بعيداً عن المحاصصة الضيقة أو إقصاء الآخر.
  3. قيادة رشيدة للحوار تتصف بالحياد، وتحظى بقبول واسع، وتتمتع بالكفاءة والخبرة.
  4. جدول أعمال واقعي يتناول أولويات المواطن: الأمن، المصالحة، الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية.
  5. ضمانات تنفيذية تترجم مخرجات الحوار إلى خطوات عملية على الأرض، بدعم شعبي ورقابة مؤسساتية.

إنّ الحوار الوطني في ليبيا ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لإعادة بناء الثقة بين أبناء الوطن، وصياغة عقد اجتماعي جديد يضع مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار، فإذا ما توافرت الرؤية الصادقة، والقيادات الحكيمة، والإرادة الوطنية، يمكن للحوار أن يتحول من محطة للتجاذب إلى جسر للعبور نحو الاستقرار والنهضة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

م. محمد فيتور بوقرين

ناشط سياسي وأحد قيادات المشروع الحضاري النهضوي الليبي

اترك تعليقاً