لقاء حفتر والسراج في باريس وشرعية الأمر الواقع

لقاء حفتر والسراج في باريس وشرعية الأمر الواقع

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

ولاتزال ليبيا تتخبط في أزمتها ويعاني شعبها انعكاسات تغيير تراجيدي فوضوي، فرض أوضاعا من الفوضى السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإدارية، حيث لم تتمكن القيادات التي اعتلت مواقع السلطة في ليبيا منذ 2011 حتى الان من قيادة البلد الى شاطئ الأمان، ولم تتمكن حتى من فرض هيبة الدولة وسلطتها على مفاصلها المختلفة، بل أن الفوضى تزداد باضطراد وهو ما ساهم في زيادة معدلات الفساد الإداري والمالي! ، وفي ظل هذا الوضع المتردّي تزداد الحاجة الى إيجاد حالة توافق سياسي بين الفرقاء، وفقا لإتفاق الصخيرات، الذي لا يزال يعاني من تعذّر تطبيق بنوده على الأرض نتيجة تعنّت الأطراف المختلفة.

ان لقاء الرجلين يمكن تصنيفهما تحت إطار شرعية الامر الواقع، فالسرّاج لم يكتسب شرعيته الحقيقية والتي يفترض ان ينالها وفق اتفاق الصخيرات من مجلس النواب الليبي، الذي لايزال يحجب ذلك عنه حتى الآن!، وحفتر أيضا لم يكتسب شرعيته الحقيقية والتي يفترض ان ينالها وفق اتفاق الصخيرات من الاجسام الثلاثة المنبثقة عن الاتفاق، اذ هو يحظى فقط بموافقة مجلس النواب منفردة دون المجلس الرئاسي ومجلس الدولة!

مجمل القول ان كل من السراج وحفتر، أمتلكا منطقيّا “شرعية الامر الواقع” التي فرضها الواقع المعاش، فحفتر عزّز موقفه من سيطرة قواته على الشرق الليبي وجنوبه، وخاصة بعد تمكّنه من افتكاك مدينة بنغازي وما جاورها من ما يسمى بمجلس ثوار بنغازي، اما السرّاج فقد عزز موقفه من واقع الاعتراف الدولي به كرئيس للمجلس الرئاسي وتعامله معه رسميا، ولهذا فإن العمل على التقائهما هو المنطق الممكن في زمن فوضى الانقسام الليبي، وهو السبيل الوحيد الممكن الآن  لتحقيق تقدم ملموس على طريق توحيد مؤسسات الدولة التي هي الضمانة الوحيدة لحلحلة الوضع الليبي، والخروج به من عنق الزجاجة.

ويبدو ان العالم قد اقتنع أخيرا بأن تحريك الملف الليبي لم يعد ممكنا، الا من خلال الاعتراف بشرعية الأمر الواقع التي تتمثل في حفتر في الشرق والسراج في الغرب، ولهذا تسعى عديد الأطراف الدولية لجمعهما على طاولة واحدة، لتذليل عوائق التوافق المنشود، وهو ما نجحت فيه كل من مصر والامارات في السابق، وها هي فرنسا تدخل على الخط وتكمل مسيرة جمع الطرفين، بنفس جديد وتحت تأثير دولي ورعاية أممية، ويأتي اللقاء الأخير بينهما في باريس كجزء من هذه الجهود الدولية المستمرة، التي ترمي جميعها الى التقريب من وجهات نظر “شرعيتي الأمر الواقع” أملا في دفعهما الى التوافق وانفراج الأزمة.

ويبدو أن هذه المرة قد نجحت الجهود الفرنسية، في تحقيق لقاء بين السراج وحفتر في باريس، اثمر التوصل الى اتفاق على خريطة طريق موحدة، توضع فيها آلية واضحة وتوافقية لمرحلة تحريك الوضع في اتجاه الانفراج، والاستعداد لتوحيد الدولة المنقسمة الآن سياسيا واداريا، وهذا ما يشكل مدخلا مجديّا لبدء توحيد المؤسسات الليبية التي انقسمت على نفسها بفعل الانقسام السياسي الحاصل الان ، الخارطة التي يفترض ان توضح فيها وفق جدولة زمنية، تواريخ انجاز الاستحقاقات الضرورية، مثل توحيد إدارات المؤسسات السيادية وبما في ذلك المؤسسة العسكرية والأمنية  والتي يجب ان تكون منجزة قبل حلول العام القادم الذي اتفق ان تجرى في بدايته انتخابات جديدة.

ان النقاط العشر التي تم الاتفاق عليها في لقاء باريس تشكل حجر أساس لبدء مرحلة جديدة من التفاهم على توحيد الدولة الليبية وتفتح افاقا واعدة لعودة هيبة وسلطة الدولة التي افتقدتها ليبيا خلال السنوات السبع وهو ما يصب في صالح انفراج الازمة الليبية اجمالا بما قد يسهم في تخفيف معاناة المواطنين وعودة الروح الى جسد الدولة الذي انهكته الحروب والصراعات والانقسامات وذلك في حال التزام المجتمع الدولي باستحقاقاته التي تفرضها ظروف المرحلة وخاصة فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية التي اتفق عليها من خلال المادة 34 في اتفاق الصخيرات. السؤال المطروح الآن: هل سيفعل اتفاق السراج – حفتر في باريس على الأرض!؟ ام سيبقى مجرد وثيقة من وثائق الازمة الليبية وما أكثرها!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً