عندما يختفي الجيش النظامي، تعلن الميليشيات عن نفسها

عندما يختفي الجيش النظامي، تعلن الميليشيات عن نفسها

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

في ظل عبث العابثين وتهور المتهورين وصلنا الى ما نحن فيه من فوضى، شملت كل مناحي الحياة في ليبيا سواء في الجانب السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي، وأكثرها خطورة الجانب الأمني اذ لم تعرف ليبيا طعما للاستقرار والامن منذ الإطاحة بالنظام السابق في 2011، الامر الذي اوجد بيئة غير مستقرة تزداد اضطرابا وهياجا مطلع كل صبح جديد!، لقد توالت على حكم ليبيا خلال هذه السنوات العجاف الكثير من السلطات تشريعا وتنفيذا لكنها جميعها وبكل مرارة لم تكن في مستوى المسئولية ما جعلها قاصرة على إيجاد الحلول المناسبة للمشكل الليبي.

منذ البداية كنا ندرك ان محور المشكلة الليبية هو الهاجس الأمني، ولذلك كنا نعول كثيرا على تلك الحكومات ان تركز عليه وتعالجه بالسرعة الممكنة، لكنها جميعا فشلت في ذلك واختارت ان تتبع سياسة المهادنة مع كل الاجسام التي كانت تشكل حجر عثرة امام الحل الأمني، تلك الاجسام التي تمترست وراء سواتر من التشكيلات المسلحة، والتي فرضت نفسها بقوة السلاح  على المشهد الليبي، وهي تعمل جاهدة على عرقلة كل جهد وطني خيّر يصب في مجرى إعادة تفعيل القوى الأمنية المختلفة في البلد وعلى راسها الجيش والشرطة.

لقد كانت الحجج متعددة مثل قول البعض بأنه لا وجود أصلا للجيش والشرطة في ليبيا اوانها كانت مجرد كتائب خاصة لخدمة النظام السابق! لكن هذا يدحضه ان مكونات الجيش والشرطة في المنطقة الشرقية “شرارة الانتفاضة” ، كلها كانت في صف واحد لتأييد الانتفاضة وان افرادها هم من خاضوا معارك قتالية ، وتقدموا الصفوف الأولى!  ويكفي ان قائد الشرطة في نظام القذافي ذاته  “عبدالفتاح يونس” هو من بادر بذلك واعلن عن موقفه ثم اغتيل فيما بعد من قبل الرافضين لفكرة ان يستمر الجيش والشرطة أساسا!

عندما آل الوضع في ليبيا الى الانقسام السياسي المعلن منذ منتصف عام 2014 ، وظهرت على السطح حكومتان وجسمان تشريعيان زادت الأمور تعقيدا، وانقسم الليبيون على انفسهم وازداد الوضع تدهورا وانهكت البلد اقتصاديا ما اثر على وضعها المالي الذي انعكس سلبا على الشعب، وبدلا من ان يلتئم الجرح ويرتق الخرق ازداد توسعا فاختلف الساسة حتى على قبول ينود الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة بعد ان وقعت عليه اطراف النزاع ممثلة في مندوبيها!

امام تلك الحالة من الفوضى والعبثية استغلت جماعة ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” الوضع وسعت الى تموضعها وتمركزها في غفلة من الساسة المتهورين، فوجدت لها  موطئ اقدام على الأرض، بعد ان اخترقت البنية الأمنية والعسكرية الهشة، مستغلة ذلك الاختلاف الذي عصف بالليبيين مما سهل لها  التواجد في اكثر من منطقة، وتحصلوا على الأموال اللازمة من خلال اندماجهم في شكل كتائب وسرايا ميليشاوية اسوة بالآخرين! ولما احسوا بقوة وجودهم جاهروا بأنفسهم واعلنوا عن سيطرتهم لمدينة سرت، التي تتوسط الخارطة الليبية، حينها لم يقوى ساسة المرحلة العابثون على مقاومتهم فركنوا الى مهادنتهم فقط!

اذا أينما يختفي الجيش وينتهي تبدأ الجماعات المسلحة والميليشيات في الظهور وهذا طبيعي ومنطقي اذ ان الفراغ الذي يتركه الجيش النظامي لابد من تعبئته من اطراف أخرى مسلحة وهذا ما حدث ويحدث في كل بقاع العالم وليس بالأمر الجديد، تنظيم “الدولة الاسلامية” ليس استثناء فهو كذلك ميليشيا مسلحة فرضت نفسها اسوة بميليشيات أخرى عندما توفرت الظروف وأعلنت عن نفسها حين استقوت واحكمت سيطرتها على مناطق بعينها وجدت فيهم من عوامل الاحتضان ما وجدت نتيجة للفراغ الأمني الذي تعيشه تلك المناطق في غفلة من حكومات وهمية عابثة وقاصرة لا تجيد الا فعل المهادنة واستغلال المال!

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً