السبيل للخروج من المأزق الإقتصادي

السبيل للخروج من المأزق الإقتصادي

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

تعتبر الأوضاع المالية في ليبيا دخلت مرحلة الأزمة المالية بتعاظم العجز في الميزانية العامة من سنة الي أخرى، فبلغ العجز في سنة 2013 في حدود10 مليار، وفي عام 2014 بلغ حوالي 22 مليار، وفي عام 2015 بلغ حوالي 20 مليار. ويعود ذلك الي نقص الإيرادات سواءً من النفط والغاز أو من الإيرادات المحلية كالضرائب والرسوم الجمركية. كما ان تفاقم الإنفاق علي المرتبات والدعم أرهق الميزانية العامة والتي لم تعكس أي تقدم في مجالات التنمية والبني الأساسية، فقد تدهورت الأوضاع التجارية في ليبيا وفقدت السلطات في ظل الازمة الراهنة السيطرة علي عمليات الإستيراد، فالميزان التجاري عن سنة 2014 يشير الي عجز قدرهُ حوالي 18 مليار، وإنكشاف الحساب الجاري بحوالي 29 مليار عن نفس السنة، وبرغم ذلك فإن الحصيلة من الايرادت السيادية الجمركية شهدت تراجع كبير جداً عما كانت عليه سابقاً، وذلك يؤشر الي تفشي الفساد وإنعدام مظاهر السيادة علي موارد الدولة.

أما الأوضاع النقدية فهي ليست ببعيدة عن الأوضاع المالية أو التجارية، فالبنوك تعاني بشدة من نقص السيولة المحلية ويتزاحم المواطنين لساعات خارج البنوك للحصول علي مرتباتهم، وفي المقابل يحتفظ التجار بالنقد خارج البنوك خوفاً من الحدود المفروضة علي عمليات السحب، فقد بلغت العملة النقدية خارج الإطار المصرفي مستويات غير مقبولة بلغت تقريبا 24مليار وتزداد شهريا مع صرف المرتبات بما يقرب 1.7 مليار وعجزت المصارف علي سداد طلبات السحب من الحسابات الجارية والتي تعتبر ظاهرة خطيرة جداً يمكن أن تسبب في إنهيار الثقة في النظام المصرفي بالكامل، وقد ترجع الأسباب الي الخوف من عمليات الخطف والسطو في ظل الظروف الأمنية الصعبة، وأيضا توقف الحافز لتوريد النقدية من المصارف التجارية بسبب توقف شهادات الاستثمار من البنك المركزي طرابلس تطبيقا لقانون منع التعاملات الربوية في المصارف الليبية.

والأغرب من ذلك أن تفرض بعض البنوك رسوما إضافية علي عمليات الإيداع النقدي كونها تشكل عبء عليها ولا يمكنها الإستفاد من تلك الأموال في عمليات الائتمان للأنشطة الاقتصادية والتي تعتبر شبه متوقفة حالياً.

في ظل التعثر الذي يعيشه القطاع المصرفي وتزايد الطلب علي العملة الأجنبية، عمل المصرف المركزي الي إعادة تنظيم عمليات بيع العملة الأجنبية حيث خفظ المبلغ المحدد للأفراد لشراء العملة الاجنبية سنوياً الي النصف ووضع ضوابط جديدة لفتح الإعتمادات المستندية في غاية التعقيد واخرجت البنوك من دورها الاساسي الي دور المفتش والمراقب والذي كان يجب ان تلعبه وزارة الاقتصاد، وحدد المصرف المركزي موازنة من العملة الاجنبية لكل مصرف لمقابلة طلبات فتح الاعتمادات. لاشك ان الإحتياطيات الأجنبية لدي البنك المركزي والتي تقدر بحوالي 80 مليار دولار هي الضمانة التي يعتمد عليها لمواجهة إحتمالات تعرض قيمة العملة المحلية للإنهيار ولكن يبقي إطلاق حزمة من السياسات الإقتصادية لإصلاح الوضع القائم وتحسين قيمة العملة في السوق الموازي أمر حاسم في تحسين مستويات المعيشة للمواطن الليبي. فكل الإجراءت التي إتخذها البنك المركزي هي إجراءات أُحادية الجانب و تعد قاصرة في معالجة تدهور أسعار الصرف في السوق الموازي، فسياسة التسير الكمي التي يتبعها المصرف المركزي بطرح طبعات جديدة من العملة لتغطية الفاقد منالعملة خارج البنوك في غاية الخطورة.

السؤال الذي يردده الجميع ماذا يمكن ان يفعل البنك المركزي والدولة الليبية لانقاض الوضع الذي بدا متدهورا واصبح المواطن يعاني صعوبات جمة في الحصول علي ابسط مقومات حياته وتحول يومه واقفا منتظرا بين محطات البنزين وافران الخبز والبنوك .وهنا اود ان اقترح الاتي لمعالجة الوضع:

اولا. لايمكن ان يستمر البنك المركزي بالتغريد خارج السرب ويفرض قيود واجراءات عقيمة تسهم في عرقلة عمليات توريد السلع والبضائع للسوق الليبي وعليه ان يعيد النظر في مسالة ظوابطه لقتح الاعتمادات المستندية والتي بالتاكيد ليست من اختصاصه بل ان الرقابة والتفتيش علي الشركات المستوردة هو اختصاص لوزارة الاقتصاد واتحاد الغرف التجارية، وعليهم التنسيق لبناء منظومة تضمن الحد الادني من التفاهم والتنسيق لضمان عدم استغلال الاعتمادات المستندية وفقا لرؤية واضحة لما يجب توريده وما القواعد التي يجب اقرارها ودور كل مؤسسة في ذلك.

ثانيا. في تقديري لابد ان تكون لدي البنك المركزي الجرءة لمواجهة السوق الموازي للدولار وان يقوم بضخ السيولة اللزمة لمعالجة تسرب العملة اليبية خارج المصارف وذلك بان تقوم الحكومة بأقرار رسوم اضافية علي عمليات بيع الدولار بحيث يحدد المصرف المركزي سعر البيع يبدا من اسعار الدولار بالسوق السوداء الان والتي في حدود 3.50 دينار للدولار وتنخفض تدريجيا كل فترة يحددها المصرف المركزي حسب مجريات الامور الي ان تصل الي حدود 2 دولار للدينار ويكون الفرق بين السعر الرسمي والسعر المضاف اليه الرسوم لصالح الخزينة العامة لتمويل عجز الموازنة، بالتاكيد ان ذلك سوف يستنزف جزد من الاحتياطيات ولكن سينعكس في تحسن الاسعار بالسوق المحلي وسيكون ذلك لفترة محدودة.

ثالثا. لابد من تجميد العمل بقانون منع التعامل بالفوائد المصرفية علي الاقل بين البنوك والبنك المركزي الي حين تجهيز عملية التحول الي نظام الصيرفة الاسلامية لمدة ثلاث سنوات ، كون ذلك يساعد البنوك والبنك المركزي علي ادارة السيولة وتحقيق العوائد للبنوك في ظل تعطل عمليات الائتمان المصرفي.كما ان اعادة صياغة السياسة الائتمانية بالبنوك والعمل علي بناء برنامج للاقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالقطاع الخاص.

رابعا. علي المصرف المركزي وضع الحلول اللازمة لجمع السيولة خارج الاطار المصرفي والتي تجاوزت ارقام مرعبة جدا ويمكنه استخدام عمليات بيع الدولار بشكل مستمر وثابت خلال مدة زمنية مع قواعد تضمن تدفق السيولة للبنوك، مع ارجاع العمل بسوق النقد بين البنوك والبنك المركزي من خلال شهادات الاستثماروالودائع لاجل.

خامسا. علي وزارة المالية العمل علي ظبط اوضاع المالية العامة وترشيد الانفاق وظبط الاهدار في بند المرتبات عبر اشراك وزارة العمل علي ظبط اوضاع العاملين ومعالجة الاوضاع الغير قانونية واستخدام الرقم الوطني في صرف المرتبات في جميع المؤسسات العامة والخاصة، وتحسين الحصيلة من الايرادات السيادية كالضرائب والجمارك و عليها العمل علي اصدار سندات خزينة عبر اعادة تفيل سوق المال الليبي ليتولي تنظيم عمليات طرح هذه الدوات للاصدار والتداول وتوجيهها كمصدر لاعادة الاعمار وتحسين البني الاساسية لكي تلعب دورها في جذب المدخرات عبر ادوات استثمارية ملائمة.

سادسا. لم يعد بالامكان الاستمرار في تطبيق سياسة الدعم في ظل الاوضاع الراهنة واصبح من الضروري العمل علي الغاء الدعم والاتجاه الي البديل النقدي او تطبيق برنامج للحماية الاجتماعية عبر صندوق التقاعد وصندوق التضامن وصندوق الانماء كونها تظم الفئات الفقيرة والضعيفة في المجتمع.

سابعا. لابد من عودة عمليات تصدير النفط بالسرعة الممكنة وفرض الامن لتتمكن عجلة الاقتصاد من الدوران من جديد.
كل هذه النقاط التي يمكن ان تشكل برنامج عمل اقتصادي وتحتاج الي فريق عمل متخصص لبناء النموذج المطلوب وخطواته العملية ، ولكنه يحتاج في الاساس الي حكومة واحدة قادرة علي فرض سيطرتها علي كامل التراب الليبي وقادرة علي رسم سياسات اقتصادية متكاملة للخروج من هذا النفق المظلم الذي تعيشه ليبيا.

الامر قد يكلف بعض من الاحتياطيات النقدية من العملة الاجنبية ولكن ليس هناك خيار اخر فبقاء الامر علي ماهو عليه الان يقود الي مزيد من التدهور ولن تجدي الاحتياطيات النقدية نفعا اذا استمر الحال علي ماهو عليه خصوصا في ظل اتباع البنك المركزي سياسة اغراق السوق بطباعة عملة محلية جديدة لتعويض الفاقد الذي اصبح يخرج ولا يعود الي البنوك.علي الجميع سوا في البنك المركزي او المالية والاقتصاد تحمل مسولياتهم الوطنية ودعوة الجميع للمساهمة في انقاذ الاقتصاد الوطني والمواطن الليبي والخروج من المأزق الاقتصاد الخطير.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 2

  • فاضل

    السلام عليكم
    مع احترامي لاجتهادك في حل المشكل الاقتصادي اريد ان اختصر الحل في النقاط الاتية :
    1- اسباب الانهيار هو الادارة الشعبية الفاشلة والخالية من الكفاءات
    2- الغاء التعامل بالدينار وجعل الدولار هو عملة البيع والشراء حاليا
    3- الغاء الدعم بجميع اشكاله وخوصصت القطاع الصحي مع توفير تأمين صحي لكل مواطن حسب دخله
    4- الغاء التعاملات الربوية والبدء في حصر السكان والعقارات
    5- خصم مبلغ شهري من كل رب اسرة لقطاع الكهرباء
    تحياتي

  • طارق دعاب

    يمكن حل اكثر من 80% من المشكلة الحالية ودلك من خلال خطوة واحدة فقطوهي:
    ربط بطاقة الفيزا بالرقم الوطني ، وتحديدالسقف 7500$ للشخص البالغ، ورفع قيود السحب عن بطاقات الفيزا.
    هذه الخطوة ما نتائجها:
    1- ضمان للدولة سيولة تغطي المرتبات ، وهو اول الاولويات .
    2- ضمان حياة اقتصادية مستقرة لجميع المواطنين حتى لو وصل الدولار 10 دينار. لان المواطن يتضرر من جهة ويستفيد من جهة أخرى وبدلك يحدث التوازن، وعلى العكس ارتفاع سعر الدولار يوجه المواطن للادخار بسبب الغلاء في الاسعار بالدينار الليبي.
    3- اذا ارادت الدولة ان تتقشف سيكون اثر التقشف اقل على المواطن بسبب ، مثلا مصروفات الوزارات ( وزارة الصحة عندالتقشف يكون للمواطن فرصة ان يستغل مدخراته من العلملة الصعبة في الحصول على العلاج )، ( وزارة التعليم ، يكون هناك فرصة للطلبة الدارسين على حسابهم الحصول على عملة بسعر جيد بحيث يمكنهم من الاستمرار في تعليمهم) وغيرها ، بمعنى ان الضرر يكون اقل على المواطن.
    4- بهده الطريقة يمكن ان تكون مزانية الدولة لا تتجاوز 15 مليار في السنة ويمكن التقشف وجعلها تصل الى 12 مليار.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً