ديوان المحاسبة بعين واحدة

ديوان المحاسبة بعين واحدة

لا يخفى لأحد الدور الحيوي والمهم الذي تقوم به أي مؤسسة رقابية تتبع للدولة وتتمتع بالاستقلالية والحيادية الكاملة كديوان المحاسبة على سبيل المثال وكم تعتبر هذه المؤسسة طوق نجاة للبلاد في ظل الظروف الغير طبيعية كالتي تمر بها ليبيا اليوم واي دولة تعاني من تردي سياسي وانعكاسه على الوضع الاقتصادي والمالي والامني…الخ

وجود مؤسسة كهذه تتمتع بالكفاءة العالية والاتصالات الدولية في ما يخص المال والأعمال والدراية الجيدة بالقوانين الإقليمية والدولية خصوصاً المتعلقة بالمال العام وما ينطوي تحته من أعمال كالاستيراد والتصدير حركة اموال واستثمارات الدولة بالخارج ومتابعتها وحمايتها.

لكننا اليوم أمام ديوان محاسبة ضعيف جداً وكلامه أكثر منأفعاله إن كان له أفعال حافظت على المال العام وحاسبت المقصرين والفاسدين وجعلت من هم على الوظائف العليا في الدولة يفكرون كثيراً قبل قيامهم بأي إجراء أو تصرف ينم عن استغلال الوظيفة اأو فساد في حق المال العام.

ديوان محاسبة ضعيف جدا ,ن منذ اصدار القانون رقم(13) لسنة 2013 ولائحته التنفيذية بشأن اعادة تنظيم ديوان المحاسبة.

ديوان المحاسبة كمؤسسة ومراجع الديوان كمراجع ومن خلال الواقع العملي لا زال لا يميز الفرق بين المراقب المالي التابع لوزارة المالية وبين المحاسب القانوني والذي يتبع نقابة المحاسبين القانونيين حيث يخلط ديوان المحاسبة في صلاحيات و وظائف هذا و ذاك ومن دون فائدة او نتيجة تذكر.

ديوان محاسبة ارتجالي يسعى للتدخل في الجهات والمؤسسات العامة تحت حجة انه من حقه مراجعة كل الجهات لكن ارتجالية شكلية صورية لا يقابلها شيء تشعر انه حافظ على المال العام او كشف فساد حقيقي وليس كشف فساد شكلي.

واكبر دليل على ذلك فساد المصارف الليبية وعلى رأسها المصرف المركزي خصوصا فترة انهيار الدينار الليبي وانحدار الاقتصاد المحلي منذ نهاية سنة 2015 وحتى الان.

ديوان محاسبة لا يأمر بإيقاف مدراء تنفيذين ورؤساء مجالس ادارة حاليين وسابقين بسبب الفساد واستغلال الوظيفة والتسبب بخسائر لجهات او مؤسسات او شركات تملكها الدولة او تملك حصة بها الدولة.

طرق العقوبة والردع والعبرة والاعتبار كثيرة ايقاف عن العمل مذكرة جلب دولية ايقاف مرتبات المعني المسؤول عن الفساد او مرتبه التقاعدي او مشاريع او شركات خاصة يملكها تعميم اسمه محليا ودوليا كشخص فاسد طرق كثيرة تحارب بها المسؤول الفاسد حاليا او مسؤولا سابقا ولا تتذرع بالأوضاع الامنية او المحلية.

قد تكون الاوضاع لا تسمح بالقبض على شخصية فاسدة ,لكن الاوضاع لا تمنع ان يعمم اسمه كشخص فاسد داخل وخارج ليبيا والاوضاع لا تمنع ان توقف مرتبه او مرتبه التقاعدي ولا تمنع تحذير كل الجهات من استمرار التعامل معه او منحه مناصب اخرى.

تجد تقارير الديوان كثيرة تذكر الفساد ولا تجد في المقابل اسماء الفاسدين و وظائفهم الحالية او السابقة وانواع العقوبات التي اصدرها الديوان بحقهم و تحديد حجم ونوع الفساد والخسائر التي تسببوا بها ليكونوا رادع للآخرين.

فتستغرب اشد الاستغراب عندما يصرح المصرف المركزي او مسؤول به انه لا يستطيع منح اعتمادات مثلا لشركة الكهرباء لان ديوان المحاسبة يمنع ذلك وبغض النظر لشك الديوان في فساد هذا الاجراء او غيره لكن تستغرب اين الديوان من المصارف في ليبيا و مسؤولي المصارف في ليبيا.

كيف لديوان محاسبة يسعى للمحافظة على المال العام ومحاسبة المقصرين والفاسدين ويسعى بالنهوض للمؤسسات الوطنية ان يكون كذلك و يأخد اتعاب مراجعة من هذه الجهات؟

اتعاب المراجعة اول دليل على ضعف وعدم استقلالية هذه المؤسسة وتسقط عنها صفة الكفاءة لان هذه الاتعاب تثقل كاهل المؤسسات الوطنية , والتي معظمها تتكبد في خسائر فيكف كديوان سينقذها من المسؤول الفاسد ومن الاجراءات الادارية الخاطئة وهو احد اطراف زيادة خسائر هذه المؤسسات؟ وكيف لمؤسسة مستقلة تابعة للدولة ولديها ميزانية من الدولة تأخذ ايرادات اخرى من جهات عامة تتبع الدولة ايضا تحت مسمى اتعاب مراجعي الديوان؟

فهذه الاتعاب يجب ان تلغى لانها مهزلة مهنية لديوان المحاسبة وتكون مقنعة في حالة ان الديوان لا يتقاضى شيء من الدولة؟

التأخير الغريب لدى مراجعي الديوان في مراجعة المؤسسات الليبية , فالعدل البطيء ظلم كما قال الامام(علي) كرم الله وجهه فما بالك نحن في سنة 2019 ومراجع الديوان لازال يراجع سنة 2009 على سبيل المثال ! هذه اول دليل على ضعف الديوان وادوات تتبع ومحاسبة مراجعيه!

من اكثر الاشياء طرفة في عمل ديوان المحاسبة في مراجعته للشركات والمؤسسات الوطنية عندما يعطي صفة تقرير نظيف على القوائم المالية لهذه المؤسسات وهو يقلد تقليد اعمى عمل المراجع الخارجي(المحاسب القانوني) من دون تفكير وكأنه لا يعلم الفرق الكبير بين صلاحية وظيفته المحترمة وصلاحية وظيفة المحاسب القانوني الذي تعينه الجمعية العمومية للمؤسسة او الشركة الوطنية.

لازال ديوان المحاسبة لا يعلم ان وظيفته الاساسية هي حماية مال الدولة واجهزتها الاقتصادية بشكل مستقل وحيادي حتى عن اجهزة الدولة نفسها ومتابعة صرف الاموال في مكانها الصحيح وما يتبع هذه الاجراءات من امتثالها للقوانين واللوائح لكن عمل الكثير من مراجعي الديوان منحرف عن هذه المسألة حيث تركيزهم في اشياء ليست من اختصاصهم واضاعة الوقت فيها والنتيجة معروفة لا شي مفيد لصالح المال العام او محاربة الفاسدين.

في زمن الديوان تجد الفاسدين في المؤسسات العامة يكرمون حتى بعد تنْحيتهم وهذه علامة سلبية بحق الديوان ومراجعيه.

كلنا نعرف الضجة التي احدثها تقرير الديوان لسنة 2017 في والتي ذكرت اجمالي النفقات في حدود 270 مليار د.ل , وكأنهم اتوا بخبر غير معروف أو كأننا لا نعلم انه منذ سنة 2011 وليبيا تتكبد الخسائر الاقتصادية والمالية بسبب الاوضاع السياسية والامنية والاجتماعية.

المشكلة رغم الرقم المخيف 270 مليار د.ل والذي لم يدخل من ضمنه احتساب صافي القيمة الحالية للدينار الليبي والتي تدنت كثيرا خلال السنوات الاخيرة الامر الذي يعكس ان الخسائر اكبر من ذلك بكثير لم يذكر الديوان كم وزير سابق وحالي تم ايقافه او ايقاف مرتباته وامتيازاته والحجز على املاكه وعدم قانونية اي تصرف يقوم به لأملاكه وكم من مذكرة جلب دولية في حق الفاسدين الهاربين او المقيمين بالخارج وكم توصية للنائب العام بأتخاذ اجراءات قبض بحق العشرات او المئات من المسؤولين الفاسدين وحاشيتهم والعناصر المتواطئة معهم وكم مدير مكتب مراجعة داخلي ومدير مكتب قانوني تم عزله او تحويله للتحقيق لنعلم ان تقرير الديوان مجرد فرقعات ارتجالية شكلية دعائية لا اكثر.

رغم نص المادة(19) المتعلقة بأنظمة الرقابة الداخلية بقانون الديوان والتي توصي”بأيقاف واتخاذ الاجراءات العقابية اتجاه الوظائف القيادية العليا بالمؤسسات الوطنية كأعضاء لجان المراقبة ومجلس الادارة والمراجع الداخلي” الا ان الديوان لا يعلم خطورة وحساسية اهم الوظائف الاشرافية الخاضعة لمجالس الادارة بالمؤسسات الوطنية وهما مكتبي المراجعة الداخلية والمكتب القانوني وتحمل هذان الطرفان المسؤولية الاكبر فأي خسائر تتكبدها المؤسسات و تلاعبات او تجاوزات حيث لا تجد في تقارير ديوان المحاسبة ما ينم عن متابعة ومحاسبة دقيقة لرؤساء واعضاء مكتبي المراجعة الداخلية والمكتب القانوني وتجاوز هذيْن المكتبيْن لحدود وظيفتهم الاشرافية ومشاركتهم في الوظائف التنفيذية والتي من المفترض ان كلا من موظفي المراجعة الداخلية والمكتب القانوني لا يكون لهم اي دور تنفيذي كنوع من حياد هذه الوظائف الاشرافية لكن الوظائف الاشرافية تساهم في استمرار الفساد كونها تشارك في الاعمال التنفيذية وتتقاضى ميزات وعلاوات هذه المشاركة هذه نقطة قانونية مهمة يتجاوز عنها الديوان فمن مهازل قطاعات الاعمال في ليبيا تجد ان المراجع الداخلي لا يعلم هدف وظيفته وهي حماية حقوق الملاكــ او اصول المنشأة كما تجد رئيس المكتب القانوني لا يفهم في القانون ومعظم قضايا المؤسسات توكل لمحامين خارجيين لان السيد مدير مكتب القانوني ليس قانوني اصلا وليس محامي ولا يملك رخصة قانونية وهذه نقطة اخرى لا يهتم بها مراجعي الديوان , فوجود مراجعة داخلية قوية ومكتب قانوني كفء لا اقول يمنع تكبد الخسائر او حدوث فساد لكن قد يحد منها.

من مفارقات ديوان المحاسبة لا يحاسب مجالس ادارات الشركات عند تغيير مجلس الادارة يتم تغيير عناصر الوظائف الاشرافية التابعة لمجلس الادارة خصوصا مكتب المراجعة الداخلية و المكتب القانوني كنوع من التحوط خصوصا في حال ان المؤسسة متعثرة او توجد مشاكل بها يتم تغيير مجالس ادارات ولا يتم اجراء قانوني مهم وهو اجراء ابراء الذمة للمجلس السابق هذا خلل تقوم به معظم الشركات الوطنية في ليبيا في مخالفة صريحة من قبل رؤوساء الجمعيات العمومية ولا يهتم فعدم وجود ابراء ذمة للمجالس السابقة تعد سوء نية واضحة وتغطية على الفساد من قبل الجمعية العمومية للمؤسسات الوطنية.

لا يلام الديوان ولا مراجعي الديوان لان الديوان هو بذاته اصبح يحتاج جهة مستقلة تراقب اعماله وتحاسبه على التقصير والتأخير و التوقف عن الظهور بعيْن واحدة بأصدار تقارير بدون وجود روادع قانونية وقضائية وذكر اسماء وجهات بشكل واضح ليثبت فعلا انه جهة مستقلة تحمي المال العام.

الجهات العامة في ليبيا تعاني من تعدد الجهات الرقابية دون جدوى والتداخل في طلبات وصلاحيات هذه الجهات الامر الذي يحتاج لتنظيم واضح بين الجهات الرقابية في ليبيا خصوصا بين كلا من ديوان المحاسبة و هيئة الرقابة الادارية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً