قطاع الطيران الليبي والمصير المجهول

قطاع الطيران الليبي والمصير المجهول

يُعد الطيران أحد اعمدة النهوض الاقتصادي بالدول، وتتفاخر دول العالم بشركاتها الوطنية والخاصة العاملة في هذا المجال وفي مختلف مجالات النقل بأساطيل طائراتها ونوعية خدمات الطيران المقدمة، وجودة خدماتها.

واختص هنا بالطيران المدني تحديدا، أي المقاول الجوي الناقل للأفراد، فليبيا البلد الوحيد في العالم الذي يتجه طيرانه الوطني الى النهاية المحتومة بالرضا او بأمر الواقع، وكل دول العالم لا زالت تحتفظ بالطيران الوطني الحامل لأسمها مهما خصخصت من شركات الطيران ومهما زادت الشركات الخاصة العاملة في مجال النقل الوطني، لكوْن الطيران الوطني حق اصيل بالدولة حاله كحال الجيش أو الامن الوطني، ينظر له نوع من السيادة الوطنية والسيادة لا يمكن تجزئتها أو خصخصتها!

فمنذ سنة 2011 والطيران المدني الليبي يتعرض للصفعات تـلــو الصفعات من خسائر كبيرة تطال الطائرات المدنية من حيث التدمير والتخريب أو الاهمال، فبعد سنة 2011 استيقظ قطاع الطيران على خسائر كبيرة طالت طائرات مدنية تعرضت لأضرار نتيجة حرب التحالف الدولي وتدمير طائرات مدنية بحجة تم استخدامها من قبل النظام السابق، إضافة لخسائر طالت مخازن قطع غيار الطائرات نتيجة الحرب أو النهب.

و بعد سبات للطيران المدني خلال فترة الحرب سنة 2011 ومحاولته النهوض بعد انتهاء الحرب ورفع الحظر الجوي من خلال صيانة الطائرات وتجديد تراخيص الطيارين والمهندسين وكلها تعد ارقام فلكية كوْن ان معظم اعمال صيانة الطائرات تتم خارج ليبيا، اضافة للأرقام الكبيرة والمتعلقة بإيجار المحركات أو عمرنة المحركات الاصلية للطائرات وهي في الغالب تتم مع شركات صيانة خارج ليبيا .

وجاءت حرب سنة 2014 لتعيد الطيران المدني الليبي للعناية الفائقة من جديد ولا وقت لسرد خسائر الطيران المدني خلال هذه الحرب لأنها لا تحتاج للسرد.

فقدت الشركات الوطنية خصوصا شركتي الليبية والافريقية العديد من الطائرات بشكل كامل واصابة ما تبقى من طائرات بأضرار مختلفة ومتفاوتة زاد من عبء تكاليف الصيانة التي تتحملها الشركات الوطنية المنهارة المالية اصلا، وما استمرار الطيران المدني اليوم الا كونه طيران وطني تملكه الدولة يستمر حتى وان كانت نسبة خسائره 100% ولكن هذا الاستمرار لن يدوم وغطاء الدولة لن يستطيع أن يمنع موت هذا القطاع، وسنصل للحظة ان تتوقف اخر طائرة للطيران الوطني عن العمل ويتوقف معها الطيران الوطني.

فما لم تفعله الحروب والاضرار الخارجية فعلته ادارات شركات الطيران الوطني، فالفساد في قطاع الطيران كبير جدا وكان يتحرك بخط مستقيم عمودي منذ 2011 و وصل ذروته الآن، وتظهر نتائجه اليوم في عجز شركات الطيران الوطني في دفع رواتب جزء كبير من عامليها، وتأخر مرتبات بعض العاملين، واستمرار مرتبات قسم اخر وهكذا منظومة فساد متشعبة، التعيينات الجزافية والغير مبررة من قبل مدراء لا ينظرون لمستقبل شركة الطيران ولا يهمهم نتائج التعيينات المبنية على المحاباة أو الجهوية أو تبادل مصالح رغم التكاليف العالية لرواتب شركات الطيران وهذا انعكاس لعدم وجود حقيقي لما يسمى بهيئة الرقابة الادارية .

لأول مرة في تاريخ الطيران المدني او سابقة اولى لنا في ليبيا تجد ان شركات الطيران الوطني تــدار بمجْـــلسي ادارة وكل مجلس ادارة يدعي الشرعية والاحقية، لدرجة وصلت بالسجل التجاري الليبي عن التوقف في اصدار تراخيص بعض شركات الطيران بسبب هذه الربكة التي لا حل لها لأنها مرتبطة بالصراع السياسي والعسكري والانقسام الحاصل في ليبيا اليوم للأسف الشديد.

قطاع الطيران المدني فاسد جدا لسبب واحد ليس لعدم وجود ديوان محاسبي حقيقي يدقق ويحاسب ويعزل مسؤولون عن وظائفهم، بل لأنه معلوم ان قطاع الطيران من أكثر القطاعات استهلاك للعملة الاجنبية بالخارج، فمعظم عمليات صيانة الطائرات الاساسية للأسف تتم خارج ليبيا رغم وجود مئات مهندسي الطيران بشركات الطيران الوطنية، عمليات توريد قطع الغيار ومستلزمات الطائرات، الدورات الثابتة والمتغيرة للطيارين والمهندسين والمضيفين الجويين والمتعلقة بتجديد التراخيص والدورات التطويرية والتي معظمها ايضا تقام خارج ليبيا، والمبررات جاهزة منها لأنها تعد من ادنى متطلبات وتعليمات منظمات الطيران الدولية وبالتحديد منظمة الطيران العالمية (IATA)، كذلك مهمات السفر الخارجية تعد من اكبر القطاعات إيفادا لمهمات العمل الخارجية وتحت مبررات جاهزة وعديدة… الخ من أسباب استهلاك العملة الاجنبية وكلها تزيد من شراهة الفساد، فالفساد عندما يكون مرتبط بالعملات الاجنبية في دولة كليبيا تعاني عملتها الوطنية من التدهور من المؤكد سيكون فسادا مدمرا وقد ينهى هذا القطاع .

ورغم عدم الرغبة في التطرق لديوان المحاسبة هنا، الا أنه لو كان يوجد ديوان محاسبة حقيقي، لقام بعمل تحقيق مستقبل للفترة الممتدة بين سنة 2016 وحتى نهاية 2017، تلك الفترة الجهنمية التي تجاوز فيها الدولار الامريكي حاجز الــ8 دينار ليبي، وتلك الفترة التي زادت فيها مهمات العمل الخارجية والتعاملات الخارجية بشكل كبير وهذا لا يعكس شي سوى نوع من الفساد وغسيل الاموال والاستفادة من فرق العملة الرهيب آنذاك، لكننا مع ديوان محاسبة ضعيف ولا يملك مراجعوه الوقت ولا يوجد به مراجعين اكفاء يفهمون تعقيدات قطاع الطيران المالية والإدارية.

من اكبر عوامل الفساد التي تعاني منها شركات الطيران الوطني هو عامل فريد جدا و رغم الفساد والمشاكل المالية الموجودة في اغلب القطاعات الاخرى قد لا نجده بها، وهو معدل الدوران على الوظائف القيادية والاشرافية والاقسام، فبالكاد هذا المعدل يساوي صفر ! بقطاع الطيران مقارنة بمثيله في القطاعات الأخرى.

وهنا هي المشكلة كيف لقطاع كالطيران يعاني من مشاكل عديدة وفساد وخسائر ودائما يدار بنفس الاشخاص، ولو نعطي مثال بسيط مدير محطة لإحدى شركاتنا في خارج ليبيا مثلا قد ينتحر لو تصله رسالة بانتهاء مدته كمدير محطة بالخارج وتبديله بموظف اخر فما بالك بمدراء ادارات ومكاتب واقسام بهذا القطاع والسبب في عدم وجود تدوير هو الفساد والاستفادة المادية الغير شرعية من وجودهم بهذه المناصب لآجال طويلة، كلها عوامل تزيد تنهك قطاع الطيران الوطني الشبه منتهي والذي يعاني من مشاكل عديدة منها الخارج عن ارادته الحروب أو أزمة فايروس covid-19 الاخيرة أو الفساد الذي ينهش مفاصل هذا القطاع.

كذلك الامر يطال مصلحة الطيران المدني فهي جهة منظمة لعمل الطيران ومراقبة له وفق تعليمات وارشادات دولية ومحلية، ولها سلطة معاقبة أي شركة لمخالفتها لذلك لكن صلاحيات الطيران المدني محدودة في الجانب التشغيلي فقط وطالما ان مصلحة الطيران المدني تتقاضى رسوم من شركات الطيران وتحصل مصلحة الطيران المدني على ميزات تدريب ومهمات عمل خارجية مدفوعة من قبل شركات طيران وطنية تحت بنود اتفاقات مشتركة وما شابه من متابعات للمصلحة فهي اذا جزء من الفساد.

حقيقة الطيران الوطني الليبي في وضع يحسد عليه، والطيران الخاص من المستحيل أن يستطيع أن يغطي غياب الطيران الوطني، والطيران الخاص في ليبيا اصغر بكثير من ان يستطيع أن ينفرد بخدمات النقل الجوي، ولو قمنا بمقارنة بسيطة عن سبب نجاح شركة الاجنحة الليبية رغم أن بعض من طائراتها مؤجرة قد يكون أن معدل الفساد بها يساوي صفر! فنجاح شركة طيران خاصة في ظل وضع غير مستقر امر ملفت ولا يفسره الا الفساد هل موجود او غير موجود!

كذلك الجمع بين وظيفتي مدير ادارة العمليات وطيار ينفذ رحلات طيران في ذات الوقت، كيف لمدير ادارة العمليات ان يوفق بين متابعة الطيارين ومساعدي الطيارين والمضيفين واهليتهم المهنية والطائرات والمحركات وساعات الطيران واقسام ادارة العمليات المختلفة و في ذات الوقت يشتغل كطيار ويقوم برحلات، من المستحيل التوفيق بين هاتين الوظيفتين مهما كان مدير العمليات انسان خارق لكن المنفعة المادية هي التي جمعت بين هاتيْن الوظيفتين والجمع بين هاتين الوظيفتين في بعض شركات الطيران الوطنية جعل من ادارة العمليات التي تعد من اهم الادارات التشغيلية فأي شركة طيران ضعيفة.

كذلك مهندسي الطيران في ليبيا أصبحوا موردي قطع غيار ومراسلو بريد اليكتروني من خلال مهمات العمل الخارجية اكثر من مهندسي صيانة ومصلحي لأعطاب ومشاكل الطائرات، كلها عوامل فساد للأسف الشديد وتكلف اموال كبيرة على حساب شركات وطنية تعاني من الخسائر المستمرة .

الآن نحن أمام كارثتيْن، الكارثة الأولى الوضع الحالي لقطاع الطيران الوطني، الكارثة الثانية هو انهيار هذا القطاع ومصير (الآلاف) العاملين به، ومصير المدراء المفسدين بهذا القطاع، فكيف ستحافظ الدولة الليبية على وجود طيران وطني مثلها مثل معظم دول العالم، وكيف نضمن النجاح والاستقرار لهذا القطاع؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً