أحزاب سياسية أم تشكيلات عصابية

أحزاب سياسية أم تشكيلات عصابية

في كتابه النظام السياسي والانحطاط السياسي قدم فوكوياما لفكرة فساد المؤسسات وعدم فاعليتها والجنوح إلى القيام بعكس ما تأسست هذه المؤسسات من أجله، ويرجع السبب الرئيس في ذلك بحسب فوكوياما إلى الفساد باعتباره علامة دالة على عمق الانحطاط السياسي.

على هذا الكلام يمكننا قياس حال المؤسسات الحزبية التي قامت بشكل أساسي لعلة نشر ثقافة الديمقراطية والحريات السياسية من حرية للتعبير وحق التجمع وتكافؤ الفرص، فإذا بها تنقلب إلى مخزن من مخازن الاستبداد والفساد الإداري والمحاباة على أساس القرابة والولاء الشخصي على حساب الكفاء والأداء الإداري العصري والحديث.

حزب العدالة والبناء كنموذج للانهيار المؤسسي

ومن الأمثلة الظاهرة على ذلك في واقعنا الذي نعيش اليوم حزب العدالة والبناء، والذي كنت عضوا مؤسسا فيه منتخباً عن شعبة إدريس ماضي، وهي شعبة من شعب الإخوان في بنغازي، وقد كنت حينها في السادسة عشر من عمري، وكان التصور العام الشخصي والجمعي عند جمع من الإخوان أن الحزب الذي تأسس بقرار تنظيمي من المؤتمر التاسع للإخوان المسلمين في ليبيا سيكون حزبا معبرا عن أفكار الجماعة وسيكون حزبا قائما على عقيدة سياسية على الأقل، فالأحزاب أنواع فمنها أحزاب الأفكار كأحزاب اليسار واليمين في العالم، ومنها ما هو أحزاب كل أي أنها لا تحمل عقيدة سياسية بعينها بل تعبر عن مجموعات مصالح في المجتمع، ومنها أحزاب المشاريع والتي يكون في العادة وجودها مؤقتاً إلا ما ندر. غير أن ضعف التصور السياسي الذي يعاني منه الإسلاميون عموما والليبيون خصوصا خرج حزب العدالة والبناء حزبا هجينا لا تعرف له هوية سياسية بعينها، حتى إن رئيس الحزب محمد صوان عندما سئل عن جدوى كل هذه المراوغات السياسية غير المنضبطة أجاب إجابة واضحة أن هدفنا هو البقاء في المشهد بأي ثمن، وهو ما يفسر حالة التذبذب أحيانا وحالة الغرق في التفاصيل وإهمال الغايات الكبرى بشكل أساسي.

أداء غير مقنع وغير متحضر

إن غاية البقاء التي عبر عنها رئيس الحزب ليست مجرد غريزة بشرية جعلها الحزب هدفاً له بل هي سلوك شخصي أيضا للسيد رئيس الحزب والذي تولى رئاسة الحزب عام 2012 وكانت ولايته الأولى لمدة عامين اثنين وولايته الثانية أربعة أعوام.

ورغم خسارة الحزب لكل الانتخابات التي شارك فيها وضعف أداء وزرائه وانفضاض الناس عن الحزب وقلة تفاعلهم، لم يجد الرئيس بأساً أن يمدد لولايته بعد انقضاء ولايته الثانية والذي كان تمديدا قد تتفهمه الظروف إلا أن الحالة الديمقراطية لا تعرف ظروفا، خصوصا في الحديث عن شخصية متواضعة المواهب والإمكانيات يغلب عليها النفس التسلطي والسعي للزعامة.

وفي هذه الحالة لا بد لنا من ذكر الإجراءات التي تنسف الحالة الديمقراطية في المؤسسات وتأتي على الرقابة وتقوض أساسها، فالجهاز الرقابي في الحزب والمعروف باسم “الهيئة العليا” لا يشرف على العملية المالية واستجلاب التمويل وإقرار الميزانية بل من يتحكم في هذه العملية هو رئيس الحزب نفسه، وعلى هذا فقد استطاع أن يستميل عددا من أعضاء الهيئة العليا ليوظفهم في فريقه التنفيذي، ومستشارين يتقاضون الرواتب مباشرة منه شخصيا، ليجمعوا بين وظيفتي الرقابة والتنفيذ، وهذه الإجراءات بلا شك هي حالة من حالات الفساد الإداري الكلاسيكي المخالف لكل معايير العمل المؤسسي العصري والفعال، إذ تنعدم بذلك القدرة على الرقابة والقدرة على الاستقلال في اتخاذ القرار، والأهم من ذلك كله الفصل التام بين سلطة الرقابة والتنفيذ.

البقاء ولو على أشلاء حزب

وبعد انقضاء عام على التمديد الذي أُقِر، ارتفعت الأصوات في الحزب منادية بانعقاد الجمعية العمومية ليقرر أعضاء الجمعية مستقبلهم الذي يرونه مناسبا دون وصاية من أحد، فأقرت الهيئة العليا موعدا محددا، وأعلن الأستاذ عماد البناني ترشحه وهو شخصية كاريزمية مقنعة، ولكن رئاسة الحزب ومريديها من الموظفين الذين يتقاضون المرتبات لم يستحسنوا تلك الفكرة، فمارسوا أنواعا من الضغوط والمكائد جعلت من مسألة انعقاد المؤتمر مسألة خلافية في حالة من حالة التخلف عن الديمقراطية والشفافية، وكانت أولى هذه المكائد هي شن الحملات الإعلامية بواسطة المنصات التابعة للحزب من وكالة للأخبار وقناة تلفزيونية وصفحات على فيسبوك، وترتكز هذه الحملة الدعائية السوداء على ربط الإخوان المسلمين بالتشدد والتطرف وربط هذا كله بالمرشح الوحيد المنافس، وهذه طبعا تجربة مستلهمة من النظام العربي الرسمي الذي كان بقاؤه في السلطة عقوداً طويلة على حساب شيطنة خصومه واستخدامهم كفزاعة.

وفي اجتماع الهيئة العليا الأخير استطاع الجناح الموالي لرئيس الحزب من الموظفين في المكتب التنفيذي للحزب أن يلغوا قرار الهيئة السابق بانعقاد الجمعية العمومية بلا نصاب ولا أي سند لائحي، بل إن التمديد لرئيس الحزب المنتهية ولايته الذي أقره الموالون له لم يحدد حتى بزمن بل جعلوه مفتوحا ومتعلقا بمعلق وهو إجراء انتخابات تشريعية في البلاد والتي قد لا تنعقد قبل أعوام من الآن.

تمديد لغير أهله

إن فكرة التمديد عند الإسلاميين قد تكون مقبولة في حالة الزعامة الملهمة والمقنعة والتي لا تتكرر كثيرا والتي قادت في مشاهد كثيرة إلى قفزات ونقلات كبيرة، كحالة الأستاذ خالد مشعل في حركة المقاومة الإسلامية حماس، والذي رفض شخصيا تمديد ولايته ترسيخا لقيمة العمل المؤسسي والتداول، ولا أظن ظروف أي حركة تقارن بظروف حماس، وحالة المفكر المقنع الشيخ راشد الغنوشي والذي بات صف حركة النهضة يتململ منه ومن بقائه هذه الفترة الطويلة في قيادة الحركة، ومحمد جميل المنصور مسؤول تواصل في موريتانيا وهو صاحب فكر متوقد وثقافة واسعة وذكاء حاد والذي أنهى ولايته الثانية وتم انتخاب خلف له بعد ذلك في حالة ديمقراطية معتادة، ولكننا في حالة الحديث عن محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء فإننا نتحدث عن لا مؤسسية بالمرة خالية حتى من الإنجازات الطفيفة، فقد دخل الحزب ثلاث انتخابات عامة تشريعية ودستورية انتهت في آخرها بنتائج مخجلة يتحمل مسؤوليتها بشكل مباشر رئيس الحزب، وفي الحالة الإدارية فقد انتشرت في الحزب ظاهرة المحاباة على أساس القرابة المعروفة في اللغة الإنجليزية بالـNepotism، ليس هذا فحسب بل إن التعيين في المؤسسات والدوائر يأتي على أساس الولاء الشخصي دون النظر في حسن السيرة والكفاءة والقدرة، والأمر من ذلك هو الحالة الفردية التي يعاني منها رئيس الحزب فهو الذي يصرح باسم الحزب سياسيا دون وجود ناطق رسمي وهو الذي يمثل الحزب أمام السفراء وهو الذي يقوم بالزيارات الخارجية دون وجود مسؤول للعلاقات الخارجية وهو الذي يمثل الحزب في لجنة الحوار التي أقامتها الأمم المتحدة وهو الذي ينوب عن الحزب في التمثيل السياسي لأي حوار سياسي، وهو الذي يستجلب التمويل ويصرفه من خزينته.

وخلاصة الموضوع أن الإسلاميين كغيرهم من التيارات العربية تأثرت بحقبة الاستبداد تأثراً لا شعورياً تصوراً منهم أن أمر الحكم والإدارة لا يتم إلا بما ألفوه من ممارسات وإجراءات استبدادية فترة الأنظمة الشمولية والقمعية والإصلاح أوله وعي، ولابد في أي حالة إصلاحية من تقديم المعايير المؤسسية والنظم الإدارية العصرية بشكل صارم على العلاقات الشخصية والثقة والصحبة القديمة، فإن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة والإنسان إن لم تكن له شرعة ومنهاج يحكمانه ويقودانه فإنه سيسعى لتحصيل أكبر قدر ممكن من السلطة والقوة وإن كان ذلك مضرا له ولغيره ولكنها كما يقول هوبز حالة غريزية.

“على صهوة الكلمة”

وفي منشور لي على فيسبوك بعنوان “تهافت محمد غميم” تطرقت في فقرة لواقع حزب العدالة والبناء متناولاً هذا الواقع بالنقد المباشر من حالة مؤسسية متردية ومن رئيس مستبدٍ برأيه يقبع على كرسي رئاسة الحزب مخالفاً للقانون الأساسي ولكل النُظم الديمقراطية المتعارف عليها، رداً على ذلك اتخذت قيادة الحزب قراراً بإسقاط عضويتي في حالة من التعسف ومخالفة النُظُم والقوانين اعتادت عليها هذه القيادة، في إشارة واضحة عن عجز مقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة والبيان بالبيان،، وقمع الرأي والاستبداد سلفهم في ذلك فرعون إذ قال (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 6

  • ابن الوطن

    حلوة هذه الجملة(انا غايتنا البقاء في المشهدباي ثمن)
    بلد عايزة ولد
    مش كمشةصبيان سراق خريجي تورا بورا

  • عبدالحق عبدالجبار

    إذا مسكك احد هذه المليشيات كن ذكيا مثل هذا. ههههههههه

    https://youtu.be/XClSJQkBe90

  • عبدالحق عبدالجبار

    نحن شعب لا يتعظّ من ماضيه و لا يحفظ دروس التاريخ….. فكيف يريد ان يبني مستقبله

    نحن شعب قام بحذافير و باثقان ما نهي عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي اله وصحبه اجمعين في خطبة الوداع …..فكيف نريد ان يقف معنا الله

    نحن شعب لا يعرف الحق من الباطل …. فكيف نريد ان ينتصر الحق قي بلادنا

    نحن شعب نقوم بمناصرة من يتاجر بالدِّين فكيف نريد ان يقوم الدين فينا

    نحن شعب لا نحترم كبيرنا ولا نعطف علي صغيرنا فكيف نريد ان يرحمنا الله

  • عيسى بغني

    يجب ان نضع حد بين فكرة الاحزاب كوسيلة لتنافس البرامح من اجل الشعب وممرسات الأحزاب في الوقت الراهن ونحن نعلم ان حزب الاخوان في ليبيا عريق ولكن التجربة الحزبية قصيرة. ﻻ يفضل الخلط عند مجتمع تم تلقيه ان من تحزب خان

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً