أنت في نعيم ولكن الليبيين يجحدون

أنت في نعيم ولكن الليبيين يجحدون

دع عنك جميع ما تَسمعُه وتراه من أشكال التذمر والضّيق ممَا نحن فيه سياسياً وإقتصادياً وأمنياً ومزاجياً، وأنظر إلى عين الحقيقة المُجّردة وبتجرّد، عند ذلك ستكتشف أننا أفضل البرية في هذا الزمن ونعيش في أزهى العصور وفي أحسن الأوطان، لا أنكر بعض المنغصات، ولكنها ليست بشئ أمام ما نتقلّب فيه من نعم.

لنبدأ بالحياة اليومية للمواطن الليبي، ونقارنها، بالحياة التعيسة التي تعيشها الشعوب الأخرى. الليبي، بخلاف باقي عباد الله، ليس مضطراً لأن يعمل، فمظلة المرتبات الحكومية تغطي الجميع، كل الأحياء تقريباً، بل وبعض الأموات، مسجلون ضمن المليون ونصف مليون موظف حكومي، قد تقول لي أن هناك شعوباً اخرى تتمرغ في نعمة المرتبات الحكومية الشاملة. ولكننا في ليبيا وحدنا لا يتطلب الحصول على المرتب أن تقوم صباحاً للعمل، أكبر نكد يعاني منه الإنسان المعاصر، إضطراره كل يوم لمغادرة الفراش كرهاً في الوقت الوحيد الذي يحلو فيه النوم، أمّا هنا، وهنا فقط، فمواطننا السعيد ليس مضطراً لأن يفعل ذلك، كل المطلوب منه – وهو مجهود أعترف بأنه كبير وشاق – أن يقف في طوابير المصارف لصرف مرتبه، على العموم هذه الطوابير، إضافة إلى أنها تلعب دور النوادي الإجتماعية وخاصة بالنسبة لطوابير النساء، هذه الطوابير لها دور أخلاقي أساسي وهو إراحة ضمائر الليبيين حتى لا “يتعقدوا ” من واقع أنهم يقبضون مرتباتهم دون أداء أي مجهود.

بعد أن ضمنت مرتبك، ضمن المليونين ونصف موظف حكومي، أنت وحدك، دون باقي خلق الله ، تستطيع أن تكسب أضعاف هذا المرتب في أعمال ومهن غير متاحة إلاّ  في ليبيا ، وهي أعمال لا تتطلب تكويناً علمياً أو مهنياً، ولا مجهوداً مضنياً. فإذا كانت لديك الرغبة، تستطيع أن تفتح كل أنواع المشاريع “التجارية” وهنا لا يواجه المواطن الليبي إلاّ مشكلة الإختيار . وكامثلة لتلك المشاريع تستيطع أن تنشئ ميلشياً ، الأمر لا يتطلب منك سوى إستغلال علاقاتك السابقة بشباب الحي، أو أبناء القبيلة او معارف الدراسة الذين ستُكتب لك حسنات إنتشالهم من البطالة والكساد، ثم تبدأ بتمشيط رأسمال المشروع التجاري وتنطلق بعد ذلك لأول مصرف أو شركة أو حتى مؤسسة حكومية حيث تتفضل عليهم ببسط حمايتك مقابل مرتبات للشباب وتنازلهم لك عن بعض إختصاصات المنشأة المحمية، ولا تنصت لأصوات الحاسدين الذين يُشكّكون في أخلاقية مشروعك – فالمنشأة التي تحميها إما أن تقبل حمايتك أو أن تغلق أبوابها – ومن ميليشيا صغيرة لن تنتظر كثيراً حتى تجد نفسك مُتربعّاً على عرش ميليشيا محترمة يخطب ودها الجميع بدءاً من غسان سلامة إلى وزير الدفاع الإيطالي.

أما إذا كان مزاجك لا يستحمل مشاكل الميليشيات، وفي الحقيقة ليس فيها مشاكل سوى تلك الناجمة عن التنافس مع المؤسسات الزميلة، يُمكنك أن تستثمر وقتك وعلاقاتك في تأسيس شركة تهريب، والتهريب في ليبيا، وفي ليبيا وحدها، عنوان كبير لنشاطات متعددة، يفرض عليك لتحقيق الجدوى الإقتصادية لمشروعك أن تتخصص في نوع من أنواعه التي لا تُحصى، وحيث أننا في ليبيا نؤمن بُعلوية وسمو الإنسان على كُلّ الأشياء، والكائنات الأخرى ، فإن أرقى أنواع التهريب هو تهريب البشر، وهو الأرقى من حيث المردود وسرعة إعادة تدوير رأس المال ، بل ومن جهة القيمة الأخلاقية، إذ أن هدفه المعنوي هو كَيْد العدو الصليبي الأوروبي الإستعماري، “وتدريه كبده” ولا تنصت إلى ما تقوله الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والمنظمات الإنسانية، فهدفك سام، ويكفيك فخراً أنك أنجزت إلى حد الآن ما عجزت الشيوعية خلال سبعين عاماً عن تحقيقه، فأنت الذي فككت الأحزاب التقليدية في أوروبا الغربية والشرقية وأنت وحدك الذي وضعت أحزاب اليمين المتطرف على عرش السلطة في أوروبا، وعليك ألاّ تستسلم لأصوات النقد ، وتيقّن أنك – إذ لم تُحقق مكسباً مادياً هائلاً – وهذا أمر بعيد الإحتمال – فإن ما تقوم به سيكُتب لك في ميزان حسناتك.

أما إذا كنت عنصرياً – وهذا طبيعي ما دمت ليبياً حتى ولو كنت ليبياً أسود – ولا تتحمل التعامل اليومي مع الزنوج، فهناك خيارات أخرى في نفس قطاع  التهريب، بدءاً من تهريب البنزين والنافطا إلى التهريب عن طريق فتح الإعتمادات المستندية، وهذا الأخير فنّ آخر عيبه أنه يتطلب قدراً من الدراية بالنواحي المالية والمصرفية، مما يضطرك إلى الإستعانة بالخبراء وهو ما قد يُخلّ بإستقلالية مشروعك التجاري ، وهو مبدأ إقتصادي وتجاري أنصحك بألا تُفرّط فيه.

أما إذا كنت ممن لا يميلون إلى العمل في قطاع التهريب، فليبيا توفر لك مجالاً آخر هو ا لعمل في أحد المركزين الماليين الدوليين في سوق الترك بطرابلس أو بالفرع الرئيسي في زليطن، وهذا أيضاً لا يتطلب رأسمالاً كبيراً ولا إعداداً علمياً كما يتوهّم البعض: أبدأ بدراجة نارية خفيفة لحل مشكلة أن البلدية وضعت السوق في مكان غير ملائم من حيث أماكن “تدريس السيارات” وسهولة الفرار عند مداهمة أي ميليشيا للسوق، ثم أقترض بعضع مئات من أقاربك – إذا كنت ممن لا يستحلون التمشيط – وأضمن لك أنك بعد عدة شهور ستكون “رأساً” في السوق. بالله عليك قارن هذا الوضع بما تعانيه الشعوب الأخرى ، حيث ينتظر العامل والموظف أن يترقى مرة كل خمس او عشر سنوات يحصل بعدها على زيادة تُقدر بدراهم معدودات.

تستيطع، إذا لم تعجبك المقترحات السابقة، ان تستثمر وقتك في تنظيف البيئة حيث أنه في ليبيا فقط، يُحقّق تنظيف البيئة مردوداً مالياً مجزياً، ألا ترى أعمدة الكهرباء والمحولات الصدئة القبيحة التي تشوه المنظر الطبيعي لصحرائنا الرائعة وريفنا الجميل؟ تستيطع أن تتطوَع بإزالتها ثم تقطيعها وتخليصنا منها نهائياً بتصديرها، وتكسب مالاً جماً إضافة إلى هدفك الأساسي النبيل، وهو تنظيف البيئة، ولا تنس أسلاك النحاس حتى تلك المدفونة فإنها أيضاً تشوه التربة الجوفية.

أما إذا كنت حسّاساً ومن المتخلفين الذين يؤمنون بأن الإستيلاء على المرافق والأموال العامة حرام او عيب، فركِز نشاطك البيئي على الشركات الأجنبية – أو ما بقى منها -، وأقض على التشوهات الناتجة عن الرافعات والآلات المعدنية القبيحة ، فهي لعلمك ليست مرافق وليست عامة، ونهب أموالها ليس إلاّ تعويضاً عما نهبه الأجانب من خيرات بلادنا، وأرح ضميرك.

هذا من حيث أوجه الكسب التي تنفرد ليبيا بإتاحتها لأبنائها، ولكن أفضالها علينا لا تقتصر على ذلك.

فإذا كنت ليبياً نموذجياً، يستيقظ من نومه عند الظهر، وهو نوع من إستحضار بركة شهر رمضان في باقي اشهر العام ، وترفض كل مقترحات الكسب السابقة، وتصر على الإكتفاء بالمرتب ، فإنك مع ذلك تتمرغ في نعيم أفضل البلاد وأزهى العصور.

فَمَن غيرُك من سكان باقي الدول يستهلك الكهرباء والماء بدون مقابل؟، ويشتري البنزين بسعر يقل عشر مرات عن سعر الماء (سعر ستيكة الماء 6 × 1,5 لتر بـ 14 دينارا: أي 1.5 د.ل للتر – وسعر البنزين 15 قرشاً) وهذه الحقيقة ليست مدعاة لأي إستنكاروهي أمرطبيعي جداً فنحن كما يعرف الجميع بلاد بترول ولسنا بلاد مياه. أما طوابير البنزين فهي أمر عادي بل لها جانب إيجابي حيث تُساهم في دعم الروح المعنوية للمواطنين بتخفيف العُقدة التي يمكن تُصيبهم بسبب إصرار الحكومة على شراء البنزين من الخارج بدينارين للتر ثم تبيعه إلى مواطنها الكريم بأقل من عُشر ثمنه، وهنا أنصحك بأن تَصُمّ أُذنيك عن المُتخلِّفين الذين يرون في ذلك إفقارًا للدولة، أليست الدولة هي أمنا الحنون، أليس من الطبيعي أن تنزع الأم اللقمة من فمها وتضعها في أفواه أبنائها؟؟؟ كيف يكون هذا السلوك الأخلاقي الرفيع مدعاة للتشكيك فيه؟

إن دولتنا بكل المعايير الأخلاقية، هي أفضل دولة في العالم، فهي تعطي ولا تأخذ، من في ليبيا يدفع الضرائب؟؟ التفت إلى باقي المساكين من مواطني الدول الأخرى، حيث ضرائب الدخل لا تستثنى احداً، وحيث الضرائب العقارية وضرائب التركات وضرائب الإستهلاك، والضرائب الجمركية، وضرائب القيمة المضافة، أما هنا فإن رحمة الدولة بنا جعلتها تعفينا منها وتتفنن في تنويع الضرائب على الأجانب من منتجي النفط والمنقبين عنه ومستخرجيه، ففرضت عليهم كل أشكال الضرائب والإتاوات والعلاوات والمشاركة في الأرباح.

لكي أكون موضوعياً، لا بد أن أَشير إلى بعض المنغّصات التي تواجه مواطننا الكريم، هذه المنغّصات التي تُضخّمها الأبواق المأجورة من باب الحسد، إذا أمعنا النظر فيها، نجدها بسيطة لا تُقاس بما نحن فيه من نعم جليلة. ولنبدأ بأهم تلك المنغصات: في ليبيا قد تتعرض للقتل أو الخطف أو حتى لهما معاً، قد تُقتل بسبب وقد تُقتل بغير سبب ، كل ذلك قضاء وقدر، ولسنا في ذلك أسوأ من باقي شعوب الأرض. ألا يعاني مواطنو الدول الأخرى من حالات الموت بسبب الزلازل والأعاصير والتلوث الصناعي؟ وهذه الأسباب معدومة عندنا، ماذا لو حكمت الصدف الجيولوجية بوضع ليبيا في حزام الزلازل أو في دوائر الأعاصير المدارية، أو نجحت – لا سمح الله – خطط التنمية السابقة في تحويلنا إلى دولة صناعية، في هذه الفرضيات ستكون لدينا حلات وفاة وتشوّه وإعاقة لا تقل عدداً عن الحالات الناجمة عن حالات القتل التي نعاني منها.

وأخيراً، ألا يحق لنا أن نتيه فخرا على باقي خلق الله وأن نضع أنفسنا في المكان الصحيح كافضل شعوب الأرض، ولتخرس الأصوات المُشكّكة التي تملأ أسماعنا شكوى وتذمراً، وهي أصوات يقف وراءها -بلا شك- المرضى والمندسُون وعملاء الجهات الأجنبية الذين أحرق الحسد قلوبهم.

إياك إياك، ان تنخدع بمقولات الحساد الذين يريدون إقناعك بأن هذا “النعيم” إسمه “الأزمة الليبية”.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • عيسى بغني

    أحسنت مقال يمزج بين الواقعية والكوميديا السوداء، وفعلا الليبيون أغنيا ولا يرى غناهم إلا من أنهكته البطالة وهم الكثيير من خلق الله.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً